أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / الكنيسة الكلدانية ومتطلبات المرحلة الراهنة والمقبلة

الكنيسة الكلدانية ومتطلبات المرحلة الراهنة والمقبلة

البطريرك لويس روفائيل ساكو

من اجل حوارٍ هادئ وبنّاء
 
لا يَخفى على أحدٍ واقعُ كنيستِنا الكلدانيّة في العالم بسببِ الصراعاتِ والتحولاتِ التي يَشهدها العراق والمنطقة والتي انسحبت الى الكنيسة، وكذلك بسبب نزيف الهجرة الى بلدان الانتشار المختلفة، وتحديّات التشتت والتبعثر والذوبان، كلُّها تشكِّلُ خطراً على وحدةِ كنيستِنا وحضورِها المتوازن، هذا فضلاً عن صعوبات الداخل الكنسي: الخطاب التقليدي الذي لم يعد يصلح في التأثير على وجدان الناس فكراً وقلبًا بحسب بلدانِهم وثقافتِهم وحسّاسيّتهم امام غزو المعلومات التي تصلنا نصًا وصورةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي قلبت القيَم. هذا الوضع المعقد والمتنوع لا يُمكن تجاهلُه او المرورُ عليه مرورَ الكرام، انما يتطلب دراسةً وتحليلاً لتقديم رؤية واضحة وبرنامج عمل منهجي لمستقبل الكنيسة والشعب الكلداني. من هذا المنطلق أوردُ بعض الأفكار بغيّة تفعيل الحوار الهادئ والبناء من اجل المضيّ في التطوير والتجديدِ بشكل مستديم يتناسب مع متطلبات الزمان والمكان، وذلك من خلال تنميّة المهارات التي تساعد على التواصل مع الآخرين، والتعلم من الخبرة، بل وحتى من حالات الفشل.
 
عقبات ومعوقات

1. دور البطريرك والسينودس الكلداني: إننا نُعاني من حالات قصور في التنشئة الروحية واللاهوتية والقانونية عند بعض أفراد الاكليروس وغياب البرمجة والـتأوين، الى جانب وجود العقلية التقليدية المحافظة في الفكر والإدارة عند البعض أو نزعة الاستقلال واسلوب طرح للرأي المتصلب عند البعض الآخر، مما يُعيق العمل الجماعيّ ويضرّ بالوحدة، ويفسح مجال الاقتناص امام جماعات مسيحية انجيلية وغيرها تعتمد ذلك، ممن تغلغل إلى داخل العراق، خصوصا بعد سقوط النظام السابق، والمتفشية كذلك في الخارج، في حين المطلوب من البطريرك وآباء السينودس ان يكونوا فريقاً كنسيّاً واحداً في القلب والرؤية والقدرة على خدمة المؤمنين وبنائهم بناءً واعيًّا، والتعامل مع الآخرين ومع الظروف والمخاطر بحكمة وثقة واستيعاب.

2-كنيستُنا الكلدانيّة "كنيسة شهيدة"، لا فقط تُعاني من الارهابِ والتهجيرِ والاقصاءِ، لكنها تُعاني أيضاً من انتقاداتٍ هداّمة لا تمت للواقع بصلة، تعبر عن حالة المنتقدين النفسية ومحاولتهم خلق الفتن واعاقة السير الى الامام في التجديد والتقدم. من المؤسف حقًا ان تصبح " الشائعات والقال والقيل" جزءً من ثقافة مجتمعنا!

3. دور مجمع الكنائس الشرقية (روما): المرجو منه دعم صلاحيّات البطريرك واحترام قرارات السينودس حتى تكون الكنيسة أكثر اتحادا وقوة وحضورًا. اننا نرى احيانا المجمع الشرقي ببيروقراطيته يُفَوِّتُ علينا الفرص، فنحن في الكنائس الشرقية لسنا بناقصي الرأي، بل اننا نعرف اوضاعنا أفضل من غيرنا! نذكر على سبيل المثال موقفه من الوضع غير القانوني لكهنة ورهبان تركوا أديرتهم وابرشياتهم الى ابرشيات أخرى في الغرب، وفك العديد من الرهبان الكهنة من نذورهم ليتحولوا الى كهنة أبرشيين مما أثر سلباً على الرهبانية وزرع البلبلة بين المؤمنين! نعتقد ان الوقت قد حان لكي يُعيد الكرسيّ الرسوليّ النظر في موضوع البقعة الجغرافية بالنسبة الى البطاركة الشرقيين الكاثوليك لان البطريرك هو أب وراس لكل كنيسته أينما كانوا كما هي الحال بالنسبة للبطاركة غير الكاثوليك.

4. الوضع في العراق وسوريا والمنطقة: إن الحروب والصراعات الطائفية وتداعيّاتها على تدهور الوضع الأمني والاقتصادي، وغياب سيادة القانون والمساواة، خلافا لما هو موجود في الدول المتقدمة، وتنامي التطرّف الديني، كل هذه الأمور أدت وتؤدي الى اجتثاث المسيحيين وتدفعهم إلى الهجرة. علما أن هذا النزيف هو خسارة للبلد والمنطقة.

5. تنافس بعض الكنائس المسيحية مع بعضها وانغلاقها بتعصب على القوميّة بدل الحديث عن الوحدة، والعلاقات المتوازنة. نحن بحاجة الى وضع كل خصوصياتنا في إطار من الحوار الشجاع والتفاهم والوفاق يتميز بالتعاون المسكوني الصادق (بعيدا عن المجاملة) والفعال مما يقوي الوجود المسيحي ويثري نشاطاتنا ويحافظ على خصوصياتنا الذاتيّة.

6. تنافس بعض الأحزاب المسيحية وتطرفها القوميّ الصريح، وانحيازها الى هذا الجانب أو ذاك قد أضعف أداءها في الدفاع عن حقوق المسيحيين، وخلق حالة من الإحباط عندهم. وبهذا الصدد أحيل القاري اللبيب الى قراءة المقال النقدي لنائب رئيس برلمان إقليم كوردستان السيد جعفر ئيمنكي على المواقع الالكترونية.

 تطلعات ومقترحات

 هناك محطات كثيرة اخرى يمكن التوقف عندها، ولكن المجال لا يسمح بذلك، ويظل السؤال المصيري هو: كيف الوصول الى رؤية واضحة ومعالجات عملية بعيداً عن العقلية الاتكالية: الجلوس في اماكننا نراقب وننتظر والمنطقة تغلي وتزحف نحو مستقبل مجهول الملامح.

1.تشكيل لجنة من المهارات (لوبي): من اكاديميين وخبراء ومفكرين وإعلاميين.. لدراسة كلّ التحديات والمخاطر التي تواجهنا ككنيسة وشعب، وبلورتها في سبيل رسم خارطة الطريق للمرحلة المقبلة. وهنا أشير الى أهمية شفافيّة الجانب المالي وحسن ادارته. وقد يكون هذا تمهيدا لعقد مجمع – مؤتمر عام لجميع الكلدان كما حصل عام 1995 والذي ظلَّ حبراً على الورق!

2. الكنيسة الكلدانيّة بحاجة الى المزيد من القيادات لتدير مفاصل حياتها ومؤسساتها بشكل جديد يتناسب مع متطلبات الزمان والمكان (اليد الواحدة لا تصفق) كما يقول المثل. فلا يمكن الاكتفاء بالطقوس والخدمات الروحية التقليدية، واهمال الجوانب الثقافية والاجتماعية. اننا نحتاج الى اسلوب جديد للتفكير والتعامل بشجاعة وقوة إزاء التحديات، ومن هنا تأتي أهمية إشراك العلمانيين الملتزمين من كلا الجنسيين من خلال تشكيل مجالس ابرشية متوزعة الى لجان متخصصة، كما تتطلب القوانين حتى تأتي القرارات جماعيّة وشاملة، وعن رؤية واضحة وحكيمة.
 
3. تشجيع الشباب الكلداني والمسيحي عموماً على التشبث بالوطن ودعوتهم الى الانخراط في مؤسسات الدولة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان فيكون لهم حضور مؤثر. كما ادعو الى تشجيع الرابطة الكلدانية والتنظيمات الأخرى لتقوم بدورها في الحفاظ على تاريخنا بإرثه ولغته وتقاليده. إن أخطر ما يمكن أن يتعرض له المسيحيون هو الانكفاء والانسحاب من الساحة. وقد يكون من المفيد بناء حراك شعبي لأبناء شعبنا في الداخل والخارج وبخطة مدروسة لحماية حاضرنا ومستقبلنا بالتعاون مع المواطنين الاخرين. وهذا يعيد الينا التفاؤل والثقة في تحقيق السلام والاستقرار وقيام مجتمع مدني في مواطنة واحدة مشتركة تحترم حقوق وكرامة الكل.

4. تثبيت المسيحيين في العراق من خلال تشجيع المغتربين على التواصل والاستثمار عندما يستقر الوضع، وهذا يحتاج منذ الان الى الدراسة ووضع خطة شاملة تشارك فيها شخصيات فكر وسياسة ورجال أعمال ومجتمع مدني وقطاع خاص.

5. تشكيل فريق طوارئ ومتابعة متكوّن من أشخاص من كلا الجنسين مشهود لهم بالغيرة والمقدرة والحكمة، بغية التعامل المباشر مع الحالات الحرجة.
 
هذه افكار أضعها على الطريق، ودعوة الى التفكير والتحليل، وخصوصًا اننا نعيش حقبة تاريخية غير مسبوقة في عصرنا، على امل التعاون مع الكنائس والتنظيمات المسيحية الأخرى، خدمة للخير العام، فإن آباءنا وأجدادنا أعطوا لبلدانهم الكثير من القيم الحضاريّة، ثقافيّةً واجتماعيّة ًواقتصاديّةً، واليوم جاء دورنا لنثبت أننا جديرون بهؤلاء الفرسان!

 

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.