أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / الأنجلة الجديدة

الأنجلة الجديدة

إن موضوع الأنجلة الجديدة هو مهم جداً أولاً للمسيحيين وبعده لغير المسيحيين. للأولين لكي يثبتوا في الأيمان ولن يتراجعوا ، ولكي يتعّمقوا فيه ويتمسكوا بالرب يسوع مخلّصهم ولكي يرجع الملايين منهم إلى جذورهم لأنهم ابتعدوا وتركوا ينابيع ماء الحياة ليشربوا من المياه الآسنة. فعليهم أن يرجعوا إلى الذي مات من أجلهم وهو يصرخ ويقول: “تعالوا إليّ أيها المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم” (مت 11: 28).

ولغير المسيحيين لكي يدخلوا إلى حضيرة الخراف الناطقة، ليلتقوا بالذي قال: “جئت لتكون لهم الحياة ويكون لهم أوفر” (يو 10:10).

ولكي يفهموا كلامه الآخر : “فمن آمن واعتمذ يخلص ومن لم يؤمن يدان” (مر 16: 16) ولهذه الغاية أرسل يسوع تلاميذه – وكل الذين يؤمنون به – قائلاً: “… تلمذوا كل الأمم وعمذوهم باسم الآب والأبن والروح القدس” (مت 28: 19).

هذا العمل “الأنجلة” هو عمل كل الكنيسة، وبصورة خاصة عمل أؤلئك الذين أعطيت لهم هذه المهمة من الكنيسة لكي يُبشروا (باسم المسيح) وبملكوت الله. الذين تركوا كل شيء وحملوا صليبهم وتبعوا الرب يسوع وأصبحوا المنادين بالملكوت الجديد صارخين: “توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات” (مت 3: 2؛ 4: 17 ؛ مر 1: 15).

إن “الأنجلة” لها اساليبها ووسائلها الخاصة لكي تكون فعاّلة وجذابة ومنتجة. قبل كل شيء تتأسس فوق النعمة، الروح القدس، الذي ينوّر الأنسان، ليفهم ما يريده الله منه وليس ما يُريده هو نفسه، والتلميذ لكي ينور عقله ويفهم ما يجب أن يفهمه ويفتح قلبه لكي يمتلئ من النور الألهي ومن تعليمه الحقيقي.

بعد هذا توجد حياة المعلّم الصادقة والمملوءة من الحياة الالهية “القداسة” لكي تستطيع أن تُؤثر إيجابياً بالتلميذ لتكون مطابقة حقيقية بين القول والفعل، بين الكلام والحياة “… تعلّموا مني فأني وديع ومتواضع القلب…” (مت 11: 29). كان الرب يسوع يعمل ويعلّم: “… أما الذي يعمل ويعلم فهذا يُدعى عظيماً في ملكوت السماوات” (مت 5: 19؛ مر6: 30).

هناك ضرورة لندخل إلى ذواتنا ونقوم بفحص ضمير جدّي وتأمل عميق لأننا كلّنا قد ضللنا وابتعدنا عن ربنا وعن تعاليمه وخاصة عن وصيته الجديدة التي أعطاها دستوراً للذين يتبعونه: “احبوا بعظكم بعضاً…؛ بهذا يعرفون أنكم تلاميذي إذا كنتم تحبون بعضكم بعضاً”. أين تواضعنا؟ أين وحدتنا؟ أين محبتنا الصميمة والشاملة لألهنا الذي أحبنا وبذل إبنه الوحيد من أجلنا؟ اين محبتنا لبعضنا البعض؟ (يو3: 16؛ 13: 1؛1بطر1: 22؛ يو 13: 34). هذه المحبة المتبادلة ، اساس التبشير، كانت تجلب الناس إلى المسيح وإلى الله (يو13: 35).

كان السينودس السابق عن كلمة الله وهذا مهم جداً للأنجلة الجديدة: عيش الكلمة قبل التبشير بها، لتكن هذه الكلمة نوراً لعيوننا ولعقولنا وتصبح برنامجاً لمسيرتنا وهي ستنور المعلم والتلميذ وتكون واقعية و عملية تقود الكنيسة ورعاتها. إنها كلمة الحياة تُحيي من يتعلق بها، تجعل حضور المسيح بيننا حقيقة تلده في كنائسنا، ما عدا الأفخارستيا، لأننا باسمه نجتمع فهو حاضر بيننا يقوينا ويقودنا… المهم أن نتعلق به.

هناك انتشار مستمر لعقلية تُنقّص من أهمية الدين معتبرة إياه من الزمن الغابر، يجب أن يُهمل لأن لا فائدة منه ولكونه عائق للتقدم الأجتماعي والعلمي في العالم.. وهناك اللامبالاة القتالة وعدم الأهتمام الصامت مقابل متطلبات الأيمان، هذا هو الألحاد المقنّع. إنه إلحاد عملي، إن هذا الألحاد المعاصر قد انتشر في كل المجتمعات، هناك شعور منتشر للشك في القيم الدينية، وعدم التديّن الناتج من الأكتشافات العلمية ومن التقدم المادّي ومن المشاكل والأختلافات التي نشأت في الكنيسة.. كل هذا أثّر سلبياً على إيمان المسيحيين البسطاء وعلى الذين كان لهم إيماناً سطحياً، ومحيطياً وتقليدياً.

عدم الأهتمام لفقدان الأيمان. إنه التراجع عن المسيحية ولهذا على الكنيسة أن تدرس الواقع والأسباب لهذه الحالة لكي تحمل الرسالة الأنجيلية ثانية إلى هؤلاء الأشخاص وهذا هو التبشير الجديد للمؤمنين الذين فقدوا إيمانهم، وبعده أن تُعلن البشرى السارة لجميع البشر.

هناك أسباب كثيرة ومتنوعة حملت كثيراً من المؤمنين إلى التراجع في الأيمان. ومن بين هذه الأسباب الجمود والرتابة التي كانت تتسم بها حياة المسيحيين في الكنيسة، والبعد الذي كان موجوداً بين الكنيسة والمجتمع الذي هو في حالة التقدم المادي والعلمي.

كثير من المسيحيين بقوا مغلقين في أنظمة وصيغ خارجية وقاسية ونظرية ومعقدة، هكذا استمرت حياتهم القاحلة والبعيدة عن العالم الذي يعيشون فيه، هكذا وُلد فيهم رد فعل سلبي دفعهم إلى التحرر من كل شيء وإلى عدم الأهتمام في الدين والأيمان، فعوض أن يكونوا شهوداً للمسيح ولأنجيله لكي يحملونه حيثما يعيشون، اصبحوا حجر عثرة وعلامة الشك والتديّن الفارغ وهكذا اظهروا عدم اخلاصهم وعدم مطابقة حياتهم لما يكرزون به. هناك، خاصة، تفشّي للاّ أخلاقيات التي تُحطم القيم الأنسانية وتوصل بكرامة الأنسان إلى الحضيض.

اسباب أخرى لهذا التدنّي الديني تستحق الذكر وهي التمدن السلبي وزيادة الهجرة والضياع المستمر وتغيير العمل والمحيط وزيادة الحاجات الجسدية بحيث يتشتت فكر الأنسان ويتعلّق بالماديات، ثم وسائل الأعلام التي تعمل سلباً لمحو كل ما يتعلق بالأيمان وزرع كثير من الأمور المضرة بالأيمان للمراهقين والشباب.

إن الشاهدة الأولى لهذه الأنجلة هي العائلة ولهذا يجب أن تُبشّر ويزرع فيها الايمان القوي وبكل قناعة لكي توصل هذا الأيمان لأولادها. ثم يأتي دور الكنيسة التي تحقق هذه الرسالة بواسطة كهنتها ورهبانها وراهباتها ومكرسيها ومكرساتها ومعلمو ومعلمات التعليم المسيحي فيها. على شرط أن يتهيّأوا جيداً لهذه الرسالة المهمة جداً في حقل الأنجلة الجديدة. وبعد ذلك يأتي دور المدرسة التي تبني فوق ما أُسّس سابقاً من العائلة والكنيسة.

إنه واجب الكنيسة أن تكرز بالأنجيل ليس فقط للذين لا يعرفون المسيح ولكن خاصة للذين عرفوه ثم فقدوه، أو إنهم على وشك أن يفقدوه. إن أعضاء المسيح الحقيقيين يجب أن يعيشوا في حالة الرسالة المستمرة والتي لا يمكن أن تتحقق بدون معرفة عميقة للمسيح ولوصاياه، هكذا فقط يمكن أن يكونوا متناسقين متفقين مع الأسم الذي يحملونه. “أن يعملوا ويحفظوا كلما أمرهم المسيح” (مت28: 20) وبهذا سيتّضح بأن تبّاع المسيح ليسوا من هذا العالم، وان كانوا يعيشون فيه.

إن المحيط العالمي في خطر جسيم بأن يفرغ من القدسية، من المبادئ والقيم الدينية، ولهذا على الكنيسة بأسرها بأن تأخذ وعياً بذاتها وتقدم نفسها كعلامة الخلاص الحقيقية بين البشر، فعليها أن تحمل البشرى السارة لأبنائها وغيرهم من الذين لا يمارسون الأيمان.

إن مسؤول الأنجلة الجديدة هي الجماعة المسيحية بأسرها، كما كان المسيحيون الأوائل. إنهم جميعاً ومعاً، يزرعون الأنجيل بين البشر في حياتهم اليومية. إن الجماعة الخورنية بجميع تنظيماتها وبمختلف وسائل الرسالة، كقوة واحدة مجدَّدة وديناميكية يمكنها أن تخلق محيطاً جديداً وتحقق تكريس الجماعة وتنمية إيمانها وتحريك افرادها للبحث عن المسيح.

هذا هو واجب الأساقفة، كما يقول المجمع الفاتيكاني الثاني في الدستور حول: “عمل الأساقفة الراعوي” (عدد13).

إن حالة الأنجلة الجديدة عندنا، مع محاولات الكنيسة المستمرة، لا تُبشر بالخير، هناك ضعف وتقهقر مستمر بسبب الظروف الأمنية والهجرة وعدم ثبات المؤمنين والأكليروس، وأحياناً ما يُسبب هذا هو مثلنا الغير الصالح للمؤمنين، وعدم تماسكنا ولكوننا لا نعمل معاً وتباعدنا وزيادة الأنقسامات بيننا.

الرب يحفظ الكنيسة ويُرجعها إلى قوّتها السابقة وحياتها الأيمانية الحارة لتصبح شعلة ومثالاً ونوراً للجميع.

المطران شليمون وردوني

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.