أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / تأمل في حياة داود النبي والملك

تأمل في حياة داود النبي والملك

أحب مطالعة أسفار القضاة والملوك خلال الصوم الكبير لأغني نفسي بالتعمق في في مراحل حياتهم وكأني أعيش معهم هذه المراحل كلها.

هو من سبط يهوذا غير الكهنوتي، ويهوذا هذا ليس هو الابن الأكبر ليعقوب أبي الأسباط بل وليس الأصغر، إنه في الوسط. ليس فيه ما يلفت النظر وكأنه غير موجود. كان لأبيه يسى عشرة بنين كلهم جميلو الصورة حسني المنظر. كل واحد منهم يصلح من ناحية المنظر لأن يصبح ملكا أو شخصا مهما في الدولة الملكية الفتية.

داود كان الأصغر وفي مرحلة الحداثة يرعى الغنم، لم يكن الحال ميسورا ولم يكن أبوه من الوجهاء، بل إنسان بسيط ومواطن عادي يكسب قوته بعرق جبينه.

ليس في العائلة كلها ما يلفت النظر حتى اسم أمه غير معروف، عائلة كثيرة الأولاد تكد في جمع رزقها ولا هم لها في الحياة سوى نيل بركة الرب في القليل الموجود لتعيش بكرامة، تسد عوزها من تعب أفرادها.

ومع هذه الأمور كلها لا أدري ما دفع الرب لاختيار تلك العائلة بالذات ليكون أحد أفرادها ملكا وهو داود. لم يكن بجمال إخوته الكبار بل أقلهم هيبة في الشكل والمنظر لكن … للرب نظرة لا نستطيع تفسيرها على أي أساس. اختار شاول ملكا وهو من سبط بنيامين الأصغر في الأبناء والأقل عددا في العشيرة.

نظرة الرب هذه يصعب تفسيرها أو فهمها فهو قد اختار أرميا النبي قبل تكوينه في البطن ويختار فارص ابن يهوذا جدا للمسيح دون زارح أخيه التوأم.

الرب يرى الإنسان قبل تكوينه جنينًا في الرحم، ويعرف ما بالقلب قبل التكوين كيف لا وهو مبدع الكون وخالق كل الموجودات بكلمته سبحانه من إله تعجز الكلمات عن وصفه والأوصاف عن كينونته وغزارة رحمته التي لا تُحد.

يختار الرب داود راعي الأغنام قليلة العدد التي تقتات على أعشاب تخرجها أرض تدر لبنا وعسلا ومهما كانت قليلة فالرب قادر على طرح البركة في القليل.

لم ينظر الرب لشكل داود أو صورته الغضة فهو من خلقها لكنه ينظر للقلب والخصال كيف لا وهو فاحص القلوب والكلى.

فماذا نظر الرب؟

ببساطة لا أدري فالرب ينظر ما يشاء لكني بالروح أستطيع التكهّن.

بالروح رأى الرب قلب داود لنجده في النهاية يقول ( وجدت قلبي على قلب داود عبدي ) ، رأى في قلب داود الراعي الصغير بذرة إيمان يمكن رعايتها لتكون شجرة إيمانية يقل نظيرها بل ورأى حسن تدبيره لرعيته الصغيرة وشجاعة نادرة في حماية ذلك القطيع الصغير من أنياب الأسد والدب وهي خصال يمكن للرب تنميتها واستثمارها لرعاية قطيع أكبر من أعداء أشد.

واكتملت تلك المواهب والقدرات حين تم مسح داود بالدهن المقدس على يد صموئيل النبي فقد حل عليه روح الرب وابتدأ العمل.

سمعت قبل أيام حديثا لقداسة البابا شنودة الثالث يقول فيه أنا لست من أسيوط نفسها بل من قرية صغيرة ليست على الخريطة.

تأملت الكلام وخطر ببالي داود وقلت في نفسي ما زالت يد الرب تعمل في هذا المجال في هذه الأيام وما زالت يد الرب تعمل بنفس الأسلوب كيف لا وهو نفسه أمس واليوم وإلى الأبد.

واليوم ما زال الحصاد كثير والعملة قليلون فلو نظر الرب إلينا اليوم نحن شعبه الخاص هل يجد بين شبابنا ما وجده في داود ؟ هل يجد خصالا فطرية فينا تجعل يده تعمل على صقلها وتهذيبها ؟ هل يجد فينا الشجاع الذي يدافع بكل الوسائل عن عقيدته ومسيحيته عموما ؟

لست أدري في هذا الزمان الذي أصبحت فيه الشجاعة عنفا والتدبير بخلا والمروة نادرة في زمننا زمن المادة وتقييم الإنسان بكم يملك.

كم منا رعاة حسبوا الدخول للكهنوت مغنما ماديا ونسوا أن الله هو المدبر والذي يرعى طيور السماء هو يعتني بنا.

كم من أناس يركضون ويلهثون في هذه الحياة طمعا في خيراتها ونسوا لحظة يطلب الرب منهم النفس والروح.

يا ليت الرب هذه الأيام ينظر لقلوبنا كما نظر لقلب داود حيث يجد فيها ما يستثمره لمجده القدوس.

يا ليتنا نسلم إرادتنا بالكلية له لكي يمسك يدنا بيده العزيزة ويرتب حياتنا الحاضرة والعتيدة.

مبارك اسمك يا إله الكون فمنك الموهبة ومنك البركة … أنت يا ربي قونا في محبتك واجعل شعبك يلتمسك فيجدك أقرب إليهم من أنفسهم فملكوت الله فينا لا نبحث عنه خارجا ولاسمك القدوس كل مجد على الدوام. آمين

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.