أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / رسالة العائلةُ المسيحيَّة في حياةِ الكنيسة والمجتمع

رسالة العائلةُ المسيحيَّة في حياةِ الكنيسة والمجتمع

الاب سالم ساكا

كلُّنا يعرف وكما هو معروف لدى كلِّ المجتمعات، أنَّ العائلة تُعتبر الخليّة الأساسيّة لكلِّ مجتمعٍ، التي بدونها لا قيام له ولا ثبات. هكذا أيضاً تُعتبر العائلة المسيحيّة في الكنيسة والمجتمع. فلا كنيسة بدون عائلات مسيحيَّة فهي تحيا بحياتها وبها تُــجسِّد رسالتها. إذ في اشتراك العائلة في حياة الكنيسة ورسالتها يُبنى ملكوت الله في تاريخِ البشر. ولكن القول صحيح أيضاً بأنَّ لا عائلة مسيحيَّة من دون الكنيسة. فالكنيسة أمٌّ تولد العائلة المسيحيَّة وتربّيها وتبنيها وذلك:
1- عن طريقِ الكرازة بالانجيل: فالكنيسة هي التي تعطي للعائلة هويَّتها الحقيقيَّة، أي ما هي وما يجب أن تكون في تصميم الله.
2- من خلال الاحتفال بالأسرار: فالكنيسة هي التي تُغذّي العائلة وتقوّيها بنعمةِ المسيح لتتقدَّس في عيشها لوصيَّة المحبة الجديدة: "أحبّوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم…" ( يوحنا ١٥/١٢-١٣) ولتُمجِّد الآب.
3- في قلبِ الكنيسة تصبح العائلة جماعة "مُخلَّصة" بحبِّ المسيح ونعمته وتتحوَّل الى جماعة "مُخلِّصة" إذ تشترك في وظيفة المسيح النبويَّة والكهنوتيَّة والملوكـيَّة.
4- في الكنيسة، كلُّ عائلة تصبح كنيسة بيتيـَّة، ودعوة المسيح المستمرَّة لنا هي، أن نجعل من عائلاتنا كنائس حقيقيَّة، ويتحقَّق ذلك عندما تصبح العائلة المسيحيَّة فعلاً:

جماعةٌ مؤمنة تحمل بشارةَ الخلاص:
1- تكون العائلة جماعة مؤمنة عندما تعي تصميم الله والمشروع الذي سبق ورسمه لها. هذا يعني بأنَّ العائلة المسيحيَّة، مثل الكنيسة، يتحتَّم عليها أنْ تصغيَ الى كلام الله وتعلن هذا الكلام في حياتها كلَّ يوم، وفي هذا الإعلان تعيش دورها النبوي (لوقا 2/20، أعمال الرسل 2/43-47).
إنَّ إستعداد العروسين للزواج لهو مسيرة إيمان، خلال هذه الفترة يكتشف العروسان من جديد وعد عمادهما، ويرسِّخان في نفسهما هذا الوعد، ويلتزمان عن وعي طريق المسيح في حالة الزواج؛ تبادل عهد الزواج (كلمة نعم المتبادلة بين العروسَين) أمام الربِّ، هو إعلان إيمان في الكنيسة ومع الكنيسة بتصميم الله على العائلة، واستعداد للطاعة له؛ والحياة الزوجية، في كلِّ أحوالها ومجمل تفاصيلها، هي مجال لإكتشاف هذا التصميم الإلهي وإصغاء دائم لكلام الله الذي ينير كلَّ فرح وألم، وكلَّ حدث من أحداث حياة الزوجين.
2- تكون العائلة جماعة مؤمنة عندما تكون في خدمةِ البشارة: بقدر ما يكون إصغاء العائلة لكلمةِ الله قوياً، وبقدر ما تُجسِّد هذه الكلمة في تفاصيل حياتها، تكون العائلة جماعة تحمل بشارة الخلاص في العالم (متى 28/19).
لا شكّ إنَّ مستقبلَ البشارة يرتكز في جزئه الأكبر على العائلة – الكنيسة. فالعائلة المسيحيَّة تُقدِّس المجتمع الذي تعيش فيه وتحوِّله ليكون حسب تصميم الله، وتعلن في حياتها فضائل ملكوت الله وتشهد للرجاء الآتي "أنتم ملح الأرض" (متى 5/13)… "أنتم نور العالم" (متى 5/14).
العائلة فسحة مميَّزة يتلقّى فيها الأولاد والشبّان تربية مسيحيَّة حقيقية، فيها يُتمِّم كلُّ واحدٍ واجبه بحسب الدعوة التي تلقّاها من الله.
العائلة مدرسة تُربّي أولادها على القيم السامية، على الخدمةِ بفرحٍ، على القيام بواجباتها بتفانٍ وإخلاص، على المشاركة الواعيَّة في سرِّ صليب المسيح…؛ إنَّها أفضل مدرسة تعدّ المدعوين لتكريس حياتهم في خدمة الملكوت، "العائلة مصنع الدعوات".
كما وأنَّ عمل البشارة يحمل دوماً صعوبات وآلاماً للرسول، كذلك في العائلة يجب أنْ يواجهَ الآباء والأمَّهات، بشجاعةٍ وحكمةٍ وثبات، الصعوبات التي يلقونها في توجيه أولادهم وتربيتهم على الإيمان.
" إحملوا البشارة الى الخليقة كلِّها": هذه الوصيَّة وجَّهها المسيح أيضاً الى العائلة المسيحيَّة، وتعيشها عندما يبتعد أحد أعضائها عن الإيمان، أو يسلك سلوكاً منافياً لإيمانه، فعلى أفراد العائلة أن يعطوه مثلاً مُعاشاً يساعده في بحثه عن الحقيقة وفي التزامه مُجدَّداً بالمسيح. عندها تكون العائلة المسيحيَّة قدوة وشهادة للعائلات التي إبتعدت عن الإيمان… أو غير مؤمنة. عندما تُكرِّس جزءاً من وقتها للرسالة… عندما تربّي أولادها على السخاء واكتشاف حبِّ الله لكلِّ الأمم والشعوب.

جماعةُ حوارٍ مع الله:
العائلة المسيحيَّة تأخذ جذورها في الأسرار المسيحيَّة والمشاركة في الاحتفال بها، وتبني ذاتها جماعة حوار مع الله في صلاة دائمة. إنَّ ذبيحة الافخارستيا تُمثِّل عهد الحبِّ بين المسيح والكنيسة، هي ينبوع للزواج المسيحي. ففي ذبيحة العهد الجديد الأبدي يجد الزوجان مصدر نعم لقيام عهدهما الزوجي ونموّه. وبالمشاركة في الافخارستيا يصبح أعضاء العائلة جسداً واحداً (المجمع الفاتيكاني الثاني، "دستور في الليتورجيا المقدَّسة"، العدد/٧٨). أمّا "إذا كان لا يزال للخطيئة سلطان عليهم، فلا يدعوا اليأس يدخل قلوبهم، بل فليلتمسوا بتواضعٍ وثباتٍ رحمة الله التي تُعطي لنا فائضة في سرِّ التوبة" (البابا بولس السادس، "الحياة البشرية"، العدد/14). ولكي يحوّلوا كلَّ حياتهم اليومية الى "ذبيحةٍ روحيَّة ترضي الله" (رومية 12/1)، يجب أن تصبح حياتهم حياة صلاة، حياة حوار مع الله الآب بالمسيح يسوع وفي الروح القدس. ومن مميِّزات الصلاة العائلية أنَّها:
"مشتركة": الزوجان معاً، الوالدون والأولاد … "إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأكون بينهم " (متى ١٨/ ١٩-٢٠).
– "حياتيَّة": موضوعها حياة العائلة بكلِّ ما تحمله من أفراح وأحزان، من آمال وصعوبات… فيها تتحوَّل كلُّ أحداث الحياة العائليَّة الى حضور الهيّ محبّ… الى فسحات للشكر والتضرّع والاستسلام لمشيئة الله…
– "تربويَّة": من خلالها يتربّى الأولاد على الصلاة، فيكتشفون على قدر نموهم الانساني سرَّ حضور الله في حياتهم، ويتعلَّمون إقامة حوار دائم مع حضوره المحبّ. لا بديل عن شهادة الوالدين الحياتية في التربية على الصلاة. أيُّها الوالدون هل تُعلِّمون أولادكم الصلاة؟… صباحاً ومساءً، قبل الطعام وبعده، وفي المناسبات الأخرى…؟  
– "جماعيَّة": صلاة العائلة مدخل إلى صلاةِ الجماعة وإحتفالاتها، أعني الصلاة الليتورجيَّة.
أيّها الوالدون، هل تجعلون من عائلاتكم كنائس مُصغِّرة وتشاركون مع أولادكم في الإحتفالات والأسرار؟

جماعةٌ في خدمةِ الانسان:
علامة الفداء والخلاص في الحبِّ الزوجيّ المسيحيّ هو الإنفتاح على الآخر والاستعداد لخدمته. العائلة المسيحيَّة مدعوَّة لتعيشَ على مثال الكنيسة وصيّة المسيح الجديدة في خدمة الله والقريب. وبدافع من هذه الوصيَّة، تحيا العائلة المسيحيَّة روح الضيافة والاحترام والخدمة في علاقاتها مع الآخر الذي ترى فيه كرامة الانسان وصورة الله.
تعيش العائلة أولاً هذه النظرة في علاقاتها الداخليَّة بين أفراد العائلة وبين أعضاء الجماعة الكنسيَّة. ولكن محبة المسيح تتخطَّى الحدود الى أنْ يصبحَ "كلُّ انسان أخاً لي"، وبنوعٍ خاصّ الفقير والضعيف والمتألم… المحبَّة المسيحيَّة تعرف كيف ترى في هؤلاء وجهَ المسيح: "كنتُ جائعاً فأطعمتموني وعطشاناً فسقيتموني…" (متى ٢٥/٣١-٤٦).
"من وظائف العائلة المسيحيَّة أيضاً تربية الانسان على المحبَّة وعيش هذه المحبَّة في جميع العلاقات مع الآخرين، كي لا تنغلق العائلة على ذاتِها، بل تبقى منفتحة على الجماعة، مدفوعة في ذلك بحسِّ العدالة وهمّ الآخر …" (نداء مجمع الأساقفة، عام ١٩٨٠، العدد/١٢)، من هنا إذن، يتحتَّم على العائلة المسيحيَّة أن تكون مدرسة حبٍّ وانفتاح على الآخرين.
في نهايةِ حديثنا هذا، نلتمس حماية عائلة الناصرة لجميع عائلاتنا المسيحيَّة، ولنجد فيها مثالاً لعائلاتنا المسيحيَّة. عاش ابن الله في الخفاء. عائلة فريدة عاشت صامتة في قرية صغيرة في فلسطين. قاست الفقر والاضطهاد والظلم والتهجير تماماً مثل عائلاتنا، لكنَّها مجَّدتْ الله دائماً. عائلة الناصرة لنْ تتوانَ عن مساعدة عائلاتنا المسيحيَّة، وكلِّ عائلات العالم، في الأمانة لواجباتها اليوميَّة، في إحتمالها صعوبات الحياة وتجاربها، في إنفتاحها السخيّ على حاجات الآخرين، في تحقيقها لتصميمِ الله بفرحٍ وسعادة بالرغم من الصعوبات والتحدّيات التي واجهتها. فلنصلِّ لأجل عائلاتنا كي يمنحها الربّ أنْ تكونَ حقيقةً جماعات إيمان حيّ تحمل البشارة الى الخليقة كلِّها، جماعات صلاة وحوار مع الله وجماعات محبَّة تتجسَّد في خدمةِ الإنسان.              

 

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.