أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / أسباب المشاكل في الزواج والعائلة – القسم الثالث

أسباب المشاكل في الزواج والعائلة – القسم الثالث

الاب سالم ساكا


إضافة إلى المشاكل التي تنشأُ بين طرفي الزواج والتي ذكرناها في القسم الأول والثاني (مشاكل داخلية)، هناك تلك التي تؤثِّرُ عليهما وعلى عائلتهما تأثيراً مباشراً (مشاكل خارجية). من بين هذه المشاكل التي تُعاني منها العائلات بشكلٍ عامّ ومن ضمنها العائلة المسيحيَّة أيضاً، نُشيرُ في هذا القسم الثالث والأخير من مقالتنا إلى تلك المتعلِّقة بالإقتصاد والأخلاق والإعلام، وتلك المرتبطة بعلومِ الحياة وبتقاعُس الأهل والمربّين عن القيام بواجب التربية، إضافةً إلى الجهل الديني الذي يعاني منه إنسان اليوم مع شديد الأسف، أو فهم الدين بشكلٍ مغلوط، وإنتشار العلمنة السلبيَّة. لذا سنتطرق هنا وفي هذه الصفحات الى أهمّ هذه المشاكل التي هي كالتالي:

1- المشكلةُ الإقتصاديَّة:
وما ينتُجُ عنها من إزدياد البطالة وتكاثر نسبة الفقراء بسَبَب الحروب والصراعات التي تَضغُط على منطقتنا والتهجير القسري، وإتِّساع الشبكات أو الجماعات الإرهابية، وإنخفاض القُدرة الشرائية، وإرتفاع أسعار العقارات والشقَق السكنية. الأمر الذي أدّى إلى السعي للحصول على الأموال، وغالباً ما يكون بطريقَة غير شرعيَّة، وإستباحَة الوسائل غير الخُلُقية لكَسب المال، كالرشوة والسرقة والدعارة (الفساد المالي والأخلاقي). أضف إلى هذه كُلِّها، مأساة الهجرة، التي أفرغت بلداننا من أبنائها وقَسَّمَت العائلة عل نفسها وتوزَّعت إلى دول عديدة. طبعاً، كلّ ذلك، لا يساعد العائلات على اللّقاء فيما بينها وحول أبنائها لبناء العلاقات اليوميَّة.

2- المشكلةُ الخُلُقيَّة:
إلى جانب الصورة الإيجابية التي ما زالت غالبية عائلاتنا المسيحيَّة تحتفظ بها والحمدلله، فإنَّ عاملاً طارئاً يَدخُلُ إليها، يُشَوِّهُ وجهها ويحُطُّ من كرامتِها. نذكرُ على سبيل المثال، إنتشار عقلية الإباحيّة الجنسيَّة. إذ إنَّ الغالبية وخاصّة عنصر الشباب، وبجنسيه، تسعى بِنَهَمٍ وراء الجنس وتعتبرُه أمراً عاديّاً جدّاً يدخُلُ ضمن إطار الإنفتاح والتطوّر. ومسألة ضعف السلطة الوالدية، وتَفَلُّت العديد من الشُبّان والشّابات من ضوابِط العائلة والأخلاق والقيَم، والإنقياد وراء ما هو سَهل حتى ولو على حساب القيَم الدينية والإجتماعيَّة والخُلُقية. حيث إنَّ ما يُميّز شبيبة اليوم ومع الأسف الشديد، هو عبادتها لآلهة ثلاث: إله الجنس الذي يُخَدِّرُ عقولَهُم، إله المال الذي يجذبهم، وإله القوّة وهذا الأخير يظهَر بقوّة في الرغبة الجامحة بتحسين إداء الجسد من الناحية البيولوجيَّة من خلال النوادي والقاعات الرياضيَّة التي تُساعد على الإيصال إلى صورة "Muscles Man". وهكذا تَسَرَّبت، وتتسرَّبُ إلى عائلاتنا المسيحيَّة، قناعاتٌ ومبادىء وقِيَم غريبة وغير سليمة، تأخُذُ لها مكاناً في حياتها اليوميَّة، وتُصبِحُ قاعدةَ حياةٍ عِوَضَ أن تكونَ شذوذاً وإستثناءاً.

3- الأزمةُ الإعلاميَّة:
لا يخفى على أحد ما للإعلام المرئي، المسموع والمقروء، من تأثير إيجابي أو سلبي على العائلة. هذا الإعلام الذي هو "تقنيَّة رائعة"، والتي غالِباً ما عبّرت الكنيسة عن اقتناعِها بأنَّ وسائل الإعلام قدّمت الكثير حتّى الآن من الإستجابة للحاجات البشرية وبوسعِها أن تُقدِّم المزيد"(را. المجلس الحبري لوسائل الإعلام والإتّصال الإجتماعية، الكنيسة والإنترنت" الفقرة/1). إلاّ أنّه من الثابت أيضاً أنَّ "بامكان الناس أن يستخدموها عكس تصميم الخالق الإلهي ويحوِّلوها إلى هلاكهم بالذَات" (مرسوم حول وسائل الإعلام الإجتماعية، الفقرة/2، 1)؛ وهي أيضاً وبالرغم من أنَّها "عطايا إلهيّة" على حدِّ قول البابا بيوس الثاني عشر "راجع، إتّحاد وتقدّم"، العدد/2)، إذ تُقَرِّب البشر من البشر، وفقاً لقصد العناية الإلهيّة. لكن هذا، بدأ يخرجُ عن الإطار الذي نُصِّبَ من أجلهِ، خاصة عندما يُسيء إلى العائلة عبرَ ما يُقَدِّمه ويَنشرُه من برامج مُبتَذَلَة رخيصة وأفلام إباحيَّة. ونقصد بالإباحيّة الجنسيّة (Pornographie) في وسائل الإعلام كُلّ انتهاك يُرتَكب عن طريق استخدام التقنيّات البصرية السمعيّة بحقِّ السريّة الخاصّة التي يتمتّع بها الجسد البشري، ذكراً كان أم أُنثى، ومن شأنه أن يجعل من الشخص الإنساني والجسد البشري سِلعَةً مُغَفَّلَة تُسَخَّر لِقضاء حاجة سيّئة بقصد المتعة… والقاصرون والفتيَة هُم أَكثر الناس عُرضَةً للسقوط في آفة الإباحيّة الجنسيّة والعُنف السادي، التي تَسِفُّ بالحيوية الجنسيّة وتُفسِد العلاقات البشرية وتستعبِد الأفراد، لا سيّما منهم القاصرين والنساء، وتُقَوِّض الحياة الزوجيّة والعائلية وتُفضي إلى مسلكيّة لا إجتماعيَّة تُضعِف اللّحمة الأخلاقيّة داخل المُجتمع. لذلك فإنَّ الخطيئة هي إحدى العواقب الثابتة الناجمة عن الإباحية الجنسيّة" (را. المجلس البابوي لوسائل الإعلام، الإباحيّة والعُنف في وسائل الإعلام، جواب راعوي، الفقرة/9-11). وهناك أيضاً الموسيقى الصاخبة وأفلام تُرَوِّجُ للعُنفِ. إذ أنَّ النسبة الأكبر من الأفلام التي تُنتجها الأستديوهات العالميّة والمحلّيّة أيضاً تتضمّن مشاهد عُنف قويّة. كما لا يُمكننا أن نتغافل عن الصُوَر المُتحرِّكة الخاصّة بالأطفال التي بدورها تُرَوِّج للعنف بينهم بما تتضمّنه من مشاهِد عنيفة جارِحة. إنَّ ساعتان يوميّاً أمام شاشة التلفاز قادرة على تحويل الأطفال إلى مُجرمين، الأمر الذي يفترض من الأهل القيام بمراقبة جدّية ويَقظة على المواد التي يُشاهدها أطفالهم، "الذي من واجبهم ضمان استخدام مُتَبَصِّر ومسؤول لوسائل الإعلام من خلال تنشئة ضمائر أطفالِهم ليكونوا قادرين على الحُكم بطريقة سليمة وموضوعيّة، تُساعدهُم على اختيار أو رفض البرامج المُقترحَة عليهم"(را. يوحنا بولس الثاني، الأطفال ووسائل الإعلام تحَدٍّ للتربية، رسالة بمناسبة اليوم العالمي الحادي والأربعون لوسائل الإعلام، الفقرة/2). كلّ هذه، تُقَدِّسُ المِتعةَ المُحَرَّمَة وتُبشِّرُ بالإلحاد والمعاداة للمسيحيَّة. وهذا القول ينطَبِقُ بدورِه على الإنترنت والبريد الإلكتروني اللّذين، مع كونهما وسيلتان حضاريتان، لكنَّهما يُشَكِّلان خطراً على الشبيبة إذا ما أُسيء إستعمالهما: "الإنترنت هو نبعٌ لخيورٍ كثيرة، وهو يُبَشِّر بأن يُصبِح أَكثر إفادة. إنّما باستطاعته أيضاً أن يكون سبب شرورٍ كثيرة. ما سيكون عليه الإنترنت، خيراً أم شرّاً، هو أصلاً قضيّة تمييز، إختيار تحملُ إليه الكنيسة نَوعين من المُساهمة: التزاماً بكرامة الإنسان وتقليداً تليداً في ميدان الحكمة الأخلاقيّة" (راجع المجلس الحبري لوسائل الإعلام والإتّصال الإجتماعية، أخلاقيّات في الإنترنت"، فقرة/2).

 

4- أزمةُ علومِ الحياة:
من الممكن أيضاً أن تقعُ العائلة المسيحيَّة ضحيَّة علوم الحياة. فتقبَل كلَّ ما يُقدِّمُه العلم في هذا المجال، دون الإستنارة بتعليم الكنيسة. تقبلُ بوسائل مَنعِ الحَملِ وسيلَةً لمنعِ الحَمل، وبالإجهاضِ وسيلَةً لتفادي حياةٍ أُخرى قد تُشَكِّلُ عبئاً إضافياً، أو قد لا تتطابق مع معيار الصحَّة. وربَّما تَقبَلُ بالموت الرحيم أيضاً وسيلَةً لتفادي الألم أو لتخفيفِ الأعباء المادية المُتَرَتِّبة عن فترة إستشفاء طويلة.
على العائلة المسيحيَّة خاصّة يقع واجب معرفة بأنَّ حياةَ الإنسان مُقدَّسَة منذ لحظة تكوُّنها في الحشا إلى لحظةِ موتِها. هذا ما تُعلِّمه الكنيسة. لذا لا يجوز إمتهانُ كرامة الحياة البشرية وإختصارها والتلاعُب بِها وإستعمالها كشيءٍ من الأشياء أو كَوسيِلة لِجَني الأموالِ والرِبحِ السريع. وهُنا لا بُدَّ من التنديد بما يقوم به العديد من الأطباء من إعتداءاتٍ على الحياة البشرية الناشئة، "من أجلِ كسبِ مزيدٍ من المال"، ولكن في الوقتِ نفسه، بتصرُّفات الأزواج المُشينة، هم الذين أُعطوا السُّلطة من الله للمُحافَظة على الحياة، وبتقاعس المسؤولين المدنيين والكنسيين عن مُجابَهَتِها.

5- تقاعُس الوالدين عن التربية:
وأحياناً إناطة هذا الواجب الخطير والمهمّ إلى أشخاصٍ غير جديرين للقيام به بشكلٍ جيد وصحيح. الأمر الذي أدّى إلى فقدان السلطة الوالدية، وعدم قدرة الأهل على السيطرة وإدارة الشؤون العائلية. فمن الطبيعي أنْ ينعكسَ هذا الأمر سلباً على سُلَّم القيَم عند أبناء هذه العائلات، الذين استفادوا من ضعف السلطة الوالدية لعيش الحريّة المفسودة والإستسلام للرذيلة وحياة الطَّيش. إنَّ الوالدين مدعوّون دائماً إلى قبول مسؤوليَّتهم التربوية، التي لا يمكن تفاديها، وأنْ يُحقِّقوها بوعي وبحماس وبشكلٍ معقول ومناسب.

6- الجهلُ الدينيّ:
يُشَكِّل الجهل الديني المادّة الكبرى التي تُوَلِّد المآسي التي تتعرَّض لها العائلة المسيحيَّة. ويؤثِّر على طريقة الحكم على الأمور، ويُسَهِّلُ تَسرُّب مفاهيم خاطئة عن الزواج وغاياته وميزاته. ويستَبيحُ ممارساتٍ في الحياة الزوجيَّة منافية للآداب والأخلاق والقِيَم. والتأثُّر السريع بالبِدَع والتيارات المذهبية الأخرى، واللّجوء إلى "النسبية" في الحكم على الأمور.
إنَّ ضعف الإيمان والإلتزام الديني، وإنعدام الحياة الأسرارية، وبخاصَّة سِرَّي التوبة والإفخارستيا، قاعدة الحياة الزوجية والعائليَّة، لهم تأثيرات سلبية جداً على العائلات المسيحيَّة، بحيث يتركها أكثر إنعزالاً إزاء الصعوبات والأزمات التي تواجهها. إنَّ الإيمان ومع الأسف الشديد بدأ يفرغ من محتواه عند البعض من عائلاتنا، ويصيرُ فاعلاً فقط بقدر ما يخدم القضية التي تلتزم بها. إنَّ الجهل الديني حقاً يؤدّي إلى تقويض الوثاق الزوجي، فتتكاثر الحالات المؤدِّية إلى إنحلاله، الأمر الذي يتركُ آثاراً سيِّئة وسلبية، معنوياً ومادّياً، سواء كان على الأزواج أنفسهم أو على أطفالهم.

 

 

 

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.