أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / رسالة الديانات نشر ثقافة السلام والأخوّة والمحبة وترسيخها

رسالة الديانات نشر ثقافة السلام والأخوّة والمحبة وترسيخها


البطريرك لويس روفائيل ساكو


ينصب اهتمام الأديان على الإنسان وكل الإنسان، لان الإنسان هو فوق كل ما هو موجود في العالم المنظور، وهو القيمة العظمى بعد الله. والإنسان "صورة الله" في نظر المسيحية واليهودية، وخليفة الله على الأرض في نظر الإسلام. هذا المفهوم الأنثروبولوجي اللاهوتي ينطلق من الإنسان رجلا وامرأة بسبب تمتعهما بالعقل والحرية. ومفهوم الصورة أو الخليفة هو أن يتحلى الإنسان بصفات خالقه في كيانه وسلوكه. الله المحبة والسلام ويريد ان يعيش البشر في غاية السعادة، في واحة السلام والتنوع المتناغم، فيتمجد اسمه. يقول السيد المسيح رسول الأخوة الشاملة والمحبة والسلام: " أتيت لتكون لهم الحياة وبوفرة (يوحنا 10/10). والإمام علي قال: الإنسان إما أخوك في الدين أو نظيرك في "الخلق." ويحمل هذان القولان رسالة واضحة للأخوة والاحترام والتعاون و "اللاعنف".
الاديان تعيش وسط العالم بإيجابياته وسلبياته، بمخاطره ومخاوفه وأماله وتطلعاته. وتدرك ان رسالتها هي في تحقيق ما يريده الله منها لخير البشر أولاده. "الله لا يريد الحرب والقتل والدمار" والأديان جاءت لتدعو البشر الى عبادة الله وليس إلى التشدد والتطرف: "لا إكراه في الدين"، والى التعاون في الحياة العامة، وبناء المسكونة، وتحقيق السلام والأمان. رسالتها الجوهرية هي إشاعة ثقافة السلام والأخوة والمحبة وترسيخها، من خلال تعليمها ونشاطاتها المتعددة. وان كل خطاب تحريضي يتعارض مع جوهر الدين ورسالته. وكل تعد على الإنسان هو تعد على الله الذي خلقه. السلام حاجة ومطلب الناس: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام". والسلام هو المصالحة بين جميع البشر وهو ثمرة السلام مع الله، خصوصا وان احد أسماء الله الحسنى في الإسلام هو"السلام".

لقد تغيرت الأوضاع عما كانت عليه في السابق. عالمنا يطغو عليه، إما العزل عن الإيمان – الدين، وإما التطرف إلى حد الإرهاب. هذا أمر مؤسف.
ان الحرية طاقة إنسانية للخير والشر، وليست فوضى، الحرية المسؤولة والحقيقية هي اختيار الخير وتجسيده في فعل المحبة والاحسان. ودور الديانة تتمثل في تنشئة الناس على هذه الحرية- الحقيقة، وتفعيل الحوار للتعرف على الآخر المختلف: بماذا يفكر ويشعر ويأمل. والتأكيد على الأخوة عوض العنصرية القومية، او التشدد الديني او المذهبي الذي قاد الى حروب بين الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت وبين السنة والشيعة. الحرب تتقاطع مع الديانة. مشرقنا عطشان الى السلام ولتسع وتتضافر كل الجهود لإحلال السلام العالمي.
 من هذا المنطلق يتحتم على كل المرجعيات الدينية:
1-     تجديد الخطاب الديني وتكييفه مع متطلبات الزمن المعاصر بما يلائم حياة الناس وتحقيق خيرهم من دون ان يمس العقيدة والقيم الأخلاقية السامية.
2-    تنقية الفكر الديني من المغالطات والأفكار الشائعة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة. والمقصود هو وضع النص في سياقه الصحيح وليس تغييره.
3-     تعزيز المشتركات الإنسانية والايمانية والوطنية وإشاعة روحية التسامح والمودة واحترام حق التعددية الدينية والفكرية.

وهنا أود ان اشير الى ما قامت بها الكنيسة الكاثوليكية في مجال السلام والعلاقات:
اذكر رسالة البابا يوحنا الثالث والعشرين في 11/4/1963 "السلام على الأرض pacem in terris " ودساتير المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني 1962 – 1965 نور العالم، Lumen gentium وفرح ورجاء gaudium et spes
 والوثيقة عن الإسلام: "إن الكنيسة تنظر بعين التقدير للمسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحي القيوم الرحمن القدير الذي خلق السماء والأرض وكلّم الناس بالأنبياء، ويسعون بكل نفوسهم إلى التسليم بأحكام الله وإن خفيت مقاصده كما سلّم إبراهيم الذي يفخر الدين الإسلامي به"
 والوثيقة دعت إلى تناسي "المنازعات والعداوات" التي حصلت في الماضي وترسيخ التفاهم من "أجل جميع الناس ولتحقيق العدالة الاجتماعية والقيم الروحية والسلام والحرية."
وخطاب البابا بولس السادس في الأمم المتحدة 1964 "لا حرب بعد اليوم"، واستحداث الفاتيكان مجلسا بابويا للسلام والعدالة وتعيين الأول من كانون الثاني (يناير) يوما سنويا للسلام.

أمام موجة التطرف المستشري خصوصا في منطقتنا، بات ضروريا ان تقوم المرجعيات الشيعية والسنية بإصدار رسالة مشتركة قوية تضيء طريق السلام وأهمية ثقافة اللاعنف واحترام التنوع، وعدم الإساءة إلى أي أنسان مهما كان دينه او عرقه او لونه، تأتي هذه الرسالة ضمن حملة إعلامية لتوعية الناس حول أفكار داعش وأخواتها. وهنا أشيد بمواقف المرجعيات الرشيدة في النجف وأيضا مساعي مشيخة الأزهر.

 

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.