الحياة، والموت والقيامة !
الكردينال لويس روفائيل ساكو
في تجاعيد وجه الانسان محفور مجمل تاريخه
جدلية الحياة والموت هي كجدلية الخير والشر. ان واقع حياة الانسان متعدد العناصر والحاجات: بايولوجية، ونفسية، وروحية، واجتماعية، واقتصادية، ورغبات ودوافع، وانفعالات ومشاعر وقيم، وعلاقات كلها تؤثر على وجوده وبقائه. الانسان الناضج والواعي يخلق توازناً وتناغماً بين كل هذا الكم من العناصر حتى يعيش بسلام وراحة البال. وإنْ اخفق فتتحول حياته الى بؤرة صراعات تنتهي بالكارثة. وافضل مثال هو قايين وهابيل (تكوين فصل 4). قايين لم يقتل اخاه فحسب، بل قتل نفسه. لقد شوّه جوهر ومعنى العلاقات التي تنظم الحياة: علاقته بالارض، بالله، بالعائلة، بالاخوة. واللعنة التي هوت على رأسه ناتجة عن فعله المخل بالتناغم الذي حوله الى فوضى!
يعلن الكتاب المقدس في اكثر من مكان ان الحياة هي اثمن عطايا الله لنا، وان الموت باشكاله المتنوعه:الجسدية والروحية يعدُّ فشلا. الحياة والموت في صراع مستمر فينا. وما علينا إلاً ان نعرف كيف نتعامل مع هذا الواقع اليومي، وكيف نوجه نشاطنا كله نحو الحياة التي نعبر عنها بالحب والعمل والعطاء والخدمة، فيغدو وجودنا ينبوع الحياة.
يعرض الكتاب المقدس امامنا انموذجا كاملا للحياة هو السيد المسيح، “أنا هو القيامة والحياة” (يوحنا 11: 25)، انه حياتنا كلنا وقيامتنا كلنا، نحاكيه في حياته موته وقيامته. علينا ان نعرف اننا لسنا هنا عبثا ولسنا وحدنا! وجودنا مشروع حياة لنا وللاخرين وهو رسالة متجددة للرجاء.
الجسد لا يعني الهيئة الظاهرية للشخص فحسب، بل الصفات الاساسية التي تظهره للخارج، اي الجوهر- الروح غير المنظور. الموت، هو واقع لا ترده قوة. حقيقة يجب ان نعرفها والا نهرب منها، لكن تذكرها يحفزنا على التواصل في العمل والخير.
من المؤكد ان الباب المؤدي الى الحياة بمعناها الشامل ضيق كما ينبهنا يسوع الى ذلك، لكن النهاية سعيدة لمن يعرف ويسعى اليها: “ما أَضْيَقَ البابَ وأَحرَجَ الطَّريقَ المُؤَدِّيَ إِلى الحَياة” (متى 7/14).
القيامة، يجب الا نفهمها بمثابة انعاش جثة، ولا مجرد خلود نفس، ولا تقمصاً في حياة أخرى مبهمة. القيامة في الكتاب المقدس اعمق وأشمل. فالجسد هنا يشير الى الشخص في وحدتة وكماله، ولا يعني العناصر المادية فقط، بل كل ما يرتبط بهوية الشخص وبعمق. جسدي هو انا. والحياة الجديدة التي يرجوها المسيحي لا تخص نفسه، بل شخصه، اي كل ما هو عليه، وبكل ما انجزه واكتسبه في حياته. وفي تجاعيد وجهه محفورٌمجمل تاريخه، أي كل ما يحمل شخصه من علاقة وانجازات مع ذاته والعالم والاخرين ومع الله. هذه القيامة هي اساس رجائنا الخاص، وقد تحققت في يسوع والانتقال في حالة مريم العذراء، وهي عربون قيامة كل منّا.
القيامة ليست اختطافا الى مكان جغرافيّ موجود وراء عالمنا، بل القيامة هي الدخول في عالم الله، وفي بُعده ومجده. انه نمط جديد من الوجود يفوق احساسنا وادراكنا، لكنه يبقى اساس رجائنا. والسماء لاهوتيا هي البعد الذي ينشأ عندما تصل الخليقة الى ملئها، أي الى عند الله. السماء هي الوجود عند الله.