أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار البطريركية / سلسلة جثالقة – بطاركة كنيسة المشرق –  الحلقة 14

سلسلة جثالقة – بطاركة كنيسة المشرق –  الحلقة 14

سلسلة جثالقة – بطاركة كنيسة المشرق –  الحلقة 14

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

البطريرك إيشوعياب الاول الأرزني (582-596)

بعد وفاة البطريرك حزقيال، وقع خلاف بين الأساقفة حول من يخلِفه. البعض راح يرشِّح أيوب المعلّم في مدرسة ساليق، التي أسسها مار أبّا الكبير. ويمتُّ ايوب بصِلة القرابة إلى نرساي الملفان. والبعض الآخر راح يقترح العالم، إيشوعياب أسقف ارزون. ولما لم يتوصل الأساقفة الى الإتفاق، تدخَّل الملك هرمزد الرابع (579- 590)، فالزم الأساقفة بتنصيب ايشوعياب. وهذا ما حصل، ولبس البطريرك الجديد قبعة بنفسجية اللون.

 ولد إيشوعياب في مقاطعة بيت عربايي (الممتدة من نصيبين الى مدينة بلد-أسكي موصل في محافظة نينوى). وتلقى  العلم في مدرسة نصيبين في أيام رئيسها العلّامة ابراهيم بيث ربان. ثم تولى ايشوعياب بعده ادارة المدرسة، من 569-571. في هذه السنة تم اختياره اُسقفا على أرزون، التي تقع شمال غرب سعرد (على الحدود التركية العراقية).

عندما كان إيشوعياب اُسقف أرزون، قام قائد جيوش الروم موريقي (Mauritius، والذي صار فيما بعد ملكاً 582-602)، باجتياح منطقة ارزون الحدودية سنة 579-580 وسبى العديد من سكانها، ونفاهم الى قبرص، حيث وطَّنهم1. ومعظم هؤلاء المنفيين كانوا تابعين لكنيسة المشرق. في عهد البابا اُوجين الرابع (1431-1447)، انضم معظمهم الى الكنيسة الكاثوليكية اثر مناقشات مجمع فلورنسا – فيرارا (1438-1445) وحمل اسقفهم طيمثاوس، لُقَّب اُسقف الكلدان، لكن هذا الإتحاد لم يدم طويلاً اذ انصهر هؤلاء الكلدان في الكنائس المسيحية هناك بسبب صعوبة التواصل مع كنيستهم الأم.

أرسل الملك هرمزد الرابع إيشوعياب سنة 587 الى حلب، للقاء ملك الروم موريقي الذي كن قد شنَّ عدة حروب على الفرس، من أجل أن يعقد معه معاهدة صلح دائمي بين الروم والفرس. وحمَّله هدايا ثمينة للملك. التقى البطريرك إيشوعياب موريقي في حلب، وأفلَح بعقد معاهدة سلام بين المملكتين. وبهذه المناسبة استفسر منه الملك موريقي عن إيمان كنيسته، فشرح له إيشوعياب انه إيمان الرسل، وان كنيسته متجذرة في التقليد الرسولي، عندها طلب منه أن يحتفل بالقداس، بحسب التقليد المشرقي حتى يتناول القربان من يده. وتمَّ ذلك. بعده عاد إيشوعياب الى المدائن مسروراً بنجاح مساعيه، والتقى الملك كسرى برويز وشرح له ما حدث2.

في  السنوات الأخيرة لبطريركية إيشوعياب، حصل انقلاب على العرش الملكي الفارسي، قاده بهرام قائد الجيش الذي خلع الملك هرمزد الرابع، وتوَّج مكانه ابنه كسرى أبرويز(591-628). لم يساير إيشوعياب العاهل الجديد في مطامعه. ولكي يتخلص من الإحراج ، قَصَدَ الحيرة (الامارة المسيحية) عند النعمان بن المنذر حيث مكثَ الى وفاته، وتفرَّغ لادارة كنيسته. توفي إيشوعياب سنة 596، ودُفن بتشييع مَهيب في دير هند الصغرى بالحيرة.

البطريرك إيشوعياب شخصية ثقافية وروحية متميزة، قام بإصلاحات مهمة من خلال مؤلفاته، وعقده مجمعاً كنسياً عاماً سنة 585، حيث شرَّع 31 قانوناً وقَّع عليها 32 أسقفاً، فضلاً عن البطريرك نفسه. حُفِظت هذه القوانين في مجموعة قوانين كنيسة المشرق (شابو ص 390-470 وحبي 351-435). وعلى هامش المجمع، وجَّه البطريرك رسالة شديدة اللهجة الى شمعون مطران نصيبين، وغريغور مطران رواردشير واساقفتهما لتغيبهم عن الحضور.

تناول المجمع قانون إيمان كنيسة المشرق وحدَّدَ بوضوح عناصره اللاهوتية، ودافع عنه ضد البدع والاتهامات. تتلخص صورة الايمان هذه بعبارة يوردها المجمع: “نؤمن بإله واحد، الآب القادر على كل شيء، وبربٍ واحد، يسوع المسيح، ابن الله، وبروح قدس واحد، منبثق من الآب”. هذه الصورة مطابقة لصورة إيمان مجمع قسطنطينية (381)، مع بعض رتوشٍ تتطلبها اللغة السريانية.

دافع المجمع بقوة عن ثيودورس اُسقف مصيصة (+ 428) الذي أعلنه “مفسرالكنيسة ܡܦܫܩܢܐ”. وقد تبنّى خطَّه اللاهوتي، واعتمده في التدريس. أعتقد كان هذا نتيجة ترجمة أعمال ثيودورس من اليونانية الى السريانية في مدرسة نصيبين، في حين لا يذكر نسطوريوس.

شَجَب المجمع بدعة “المصلين”، كما كان قد فعل مجمع حزقيال، وقد أشرنا اليها في الحلقة السابقة. سَنَّ المجمع قانوناً بوجوب التثقيف المسيحي، كذلك تناولت بعض القوانين شؤون الكنيسة وتنظيم حياة الاكليروس لكي تكون سيرتهم لائقة بخدمتهم. وصنَّف تراتبية الدرجات الكهنوتية كالاتي: الشمامسة بأصحاب الوزنة الواحدة، والقسس بثلاث وزنات والأساقفة بخمس وزنات، وهي اشارة الى ما ورد في مَثَل الوزنات في الانجيل (متى 25/ 14-30). وتطرق أيضاً الى موضوع مخالفة بعض رجال الدين للقوانين الكنسية، وحدَّد عقوبات صارمة بحقهم وفقاً لنوع المخالفة. كذلك تناول موضوع الزواج والإرث ومواضيع ترتبط بالاخلاق المسيحية.

رسالة راعوية بالغة الأهمية

 الأهم من كل ما مر هو إصداره رسالة راعوية شاملة، وجَّهها الى يعقوب اُسقف داراي (البحرين) وهي جواب على الاسئلة المتنوعة التي كان قد طرحها عليه الاسقف المذكور. تتضمن الرسالة قضايا لاهوتية وروحية وطقسية وأخلاقية وقانونية بالغة الأهمية، لذا اُدرجت في مجموعة قوانين كنيسة المشرق.

الجانب الروحي

يدعو إيشوعياب الاكليروس والمؤمنين الى أن يكونَ إيمانهم نابعاً من قناعة داخلية، وأن يتَّسم بالتجرد والتحلي بالفضيلة، والمواظبة على الصلاة وقراءة الكتاب المقدس. ويطالب رجال الاكليروس بالالتزام اللائق بالخدمة الكهنوتية، واحترام القوانين الكنسية للإرتقاء بالروحانية.

الجانب الليتورجي

يشرح إيشوعياب رتبة القداس والمعمودية، وكيفية الاحتفال بهما بخشوع وتقوى وفق التقليد الرسولي المتَّبع. وتتضمن الرسالة نصوصاً نستعملها إلى اليوم.

  1. التحية: السلام معكم، و”لتكن نعمة ربّنا يسوع المسيح، ومحبّة الله الآب وشركة الروح القدس معكم جميعا” (2 قور13/ 14). هكذا وردت عنده، بينما في قداسنا نقول “معنا جميعاً”. وجواب المؤمنين: “معكَ ومع روحك”.
  2. تبادل السلام: يقول المنادي: أعطوا السلام الواحد للآخر.
  3. ترتيلة: قدوس، قدوس، قدوس…(اشعيا 6/ 3)3.
  4. يذكر رسم علامة الصليب على عناصر التقدِمَة (الخبز والخمر) وليس فقط باللسان.
  5. رتبة الكسر والمزج: “يوسَم جسد ربنا يسوع المسيح بدمه الغافر باسم الآب والابن والروح القدس. والصلاة التي تتبعها : “لقد افرزت وتقدست…” ويصف كيف يمسك المحتفل القربانة: “يأخذ القربانة العليا بيديه، ويقَّبلُها، ثم يضعها فوق عينيه، وهو مرتفعُ بروحه وعينيهِ الى السماء قائلا: “سُبحانك أيُّها الخبز الحي والمحيي النازل من السماء.. “.
  6.    صلاة أبانا الذي..
  7.   المناولة: يأخذ المُحتَفل القربان ويتناوله قبل الاُسقف والجمهور. والمُحتَفل هو من يُناوِل القربان، وعند وجود عدد كبير من المتناولين يمكن للاُسقف الحاضر والشماس الانجيلي أن يساعدوا في إعطاء القربان..

_____________

  1. 1. Goubert, P. Byzance avant lIslam, 1, Paris 76 ; Jean dEphese, Hist. Eccl. Vi, Paris 1923-26, p.38,237 .

طالع ايضا  التاريخ السعردي  ص 437

  1. طالع كتابنا Les rapports diplomatiques, p.102-104
  2. في الرسالة التي نشرها المستشرق شابو في مجامع كنيسة المشرق يذكر قدوس، قدوس، قدوس (ص 432) الذي اعتمد عليه الأب حبي في مجامع كنيسة المشرق (ص 405)، بينما يشير المطران جاك اسحق الى قدوس الله-ܩܕܝܫܐ ܐܠܗܐ – (القداس الكلداني، دراسة تحليلية، بغداد 1982، ص 87) التي لم اجدها في الرسالة. وترتيلة قدوس الله ترجمها مار ابا الكبير الى السريانية، وأدخلها في الليتورجيا. ان  المطران جاك اعتمد على مقال لللايطالي  فورلاني، الذي لا اعلم الى ماذا استند!!

Furlanim G. Il trattato dIsoyahb d’Arson su Trisagion,in rivista degli Studi Orientali (1916-1918) p. 687-715

 

عن patriarchate

شاهد أيضاً

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم في ضوء الجمعيّة السينودسيّة القاريّة للكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة 12-18 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.