أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / مقالات عن القيادة الراعوية في ظلَّ جائحةٍ كورونا اللقاء العاشر: تجاوز المُعارضةِ

مقالات عن القيادة الراعوية في ظلَّ جائحةٍ كورونا اللقاء العاشر: تجاوز المُعارضةِ

مقالات عن القيادة الراعوية في ظلَّ جائحةٍ كورونا

اللقاء العاشر: تجاوز المُعارضةِ

المطران بشار متي وردة

رئيس أساقفة ايبارشية أربيل الكلدانية

المُقدمة

يعرفُ كلُّ مّن يتولّى مسؤولية القيادة أنّ الخطأ في إتخاذ القرارات والخطوات اللازمةِ واردٌ جداً، فيُمكن أن تكون نظرةُ القادة إلى الأحداث غامضةً أو معيبةً، أو لا يستوعبّو كلياً جسامةَ الحالةِ التي تختبرها الجماعةِ ويُخطأوا في مواقفهم كونهم لا يمتكلون دليلاً مكتوباً للقيادةِ يتوافق والظروف الإستثنائية التي يجدونَ أنفسهم فيها أحياناً، بخلافِ الإداريين الذين يتبعونَ القوانين والتعليمات المكتوبة سواءَ أكانت في المُشترعاتِ أو الدساتير أو التوجيهات الإداراية الصادرة عن سُلطات أعلى منهم.

ولكن، كيف سيتصرّف القائد إزاء مُعارضةِ الآخرين له؟ كيف سيتعامل مع أخطاءِ الآخرين الناتجة عن قصدٍ بدافعِ الخوف أو الغيرة والحسد، أو بغير قصدٍ؟ هل يُمكن أن تكون هذه الأخطاء فرصةَ نعمةٍ له وللكنيسةِ؟

أنكرَ بُطرس ربّنا يسوع ثلاث مراتٍ، وكانت نظرةٌ واحدةٌ من ربّنا يسوع المُقيّد من قبل حرسِ عظيمِ الكهنة كافيةً لتجعلهُ يواجهُ نفسه ويعترف بخطيئتهِ ويبكي بُكاءً مُراً (لو 22: 55- 62)، ولكنّ خبرةُ الإنكار هذه ومواجهتها على نحوٍ نزيهٍ ومن دون مُواربةٍ أو حُججٍ أو تبريراتٍ صارت فرصةً للنعمةِ، فجاءَ لقاءُ ربّنا يسوع في بُحيرية طبرية ليؤكِد فيها بُطرس لربّنا أنه تعلّم كيف يُحبُّ بتواضعٍ، ويقبل منه دعوة رعاية الكنيسة بإيمانٍ: “أنت تعرِف إني اُحبُك” (يو 21: 15- 19).

القيادة: تجاوز مُعارضة الآخرين وأخطائهم

نختبرُ في حياتنا جميعاً أزماتٍ مؤلمة سواء أكانَ ذلك على صعيدٍ العلاقاتِ التي تربطنا مع الآخرين أو إزاء توقعّات أو إنتظاراتٍ لم نحصل عليها في حياتنا، لنسمعَ نصحيةَ الحُكماءِ أو الأكبرِ منّا خبرة في الحياة تقول لنا: “السنوات القادمةِ كفيلةٌ بأن تشفي لك هذا الحُزن وهذه الحسرةَ التي تختبرهُ في نفسك، أعطِ لنفسك بعض الوقت! كلُّ جُرحٍ بحاجةٍ إلى وقت ليندمِل ويُشفى”. بمعنى: عليك أن تُعطي لنفسك فترة من الوقت لتنسى وتغفر وتتجاوز وتعفو لنفسك أو للآخرين أو للحياة ما حصل.

هنا علينا أن نسأل: لماذا علينا أن نتظرَ سنواتٍ قادمةٍ أقضيها نجتّرُّ فيها خبرة الألم والحزن كل يومٍ ونفقدُ نعمةَ اللحظة الحاضرة لنصلَ بعد سنواتٍ إلى قرارٍ: عليّنا أن نتجاوز هذا الألم ونعبرُ هذا الحُزن؟ لماذا لا نتّخذ هذه الخطوة من الآن، وأغفِر وأعفو وأتجاوز الماضي الذي ليس بإستطاعتي تغيره وأبدء عيش اللحظة الحاضرة وتغيرها من أجل مُستقبلٍ مُفعَم بالحياة. تماماً مثلما فعل ربنا يسوع مع تلاميذه فغفرَ لهم سوءَ الفهم ونقص الإيمان وتخليّهم عنه وقتَ الأزمةِ ونكرانهم له، ليبدأ معهم المسيرة من جديد بعد القيامةِ، مواصلاً البُشرى السارة التي أنعمَ فيها على المجدلية والسامرية وزكّا العشّار، فهو ربٌّ البدايات الجديدة.

نحن نؤمن جميعاً بتدبير الله الأبوي لنا، فكلُّ ما نختبره في حياتنا من أزماتٍ أو أخطاءٍ أو سوءِ فهمٍ أو عوزٍ في الإيمان سيقبلهُ الله برحمتهِ ويُباركهُ ليكون لنا فيها خيراً، فحَيثُ كَثُرَتِ الخَطيئَةُ فاضَتِ النِّعمَة (روم 5: 20)، والكلمةُ الأخيرة ستكون لله الصالحِ والذي يعملُ في الكلِ لخير الإنسانِ، الإنسان ذو الإرادةِ الحُرّة والذي يُسيءُ مراراً إستخدامها ويُجبِر الله على إنتظارِ عودةِ الإنسانِ إليه كما تابعَ يونان والذي إتخذَ طريقاً معاكساً للطريق الذي أرادهُ الربُّ له، ليُعيدهِ إلى نينوى. لنتأمل معاً كيفَ قرأ يوسف خبراتِ حياتهِ: خانهُ إخوتهُ حسداً وباعوهُ إلى الإسماعيليين، أغرتهُ إمرأةُ فوطيفارِ وإتهمتهُ زوراً، حُبسَ غدراً، تناسي زميلهِ في السجنِ له، غامرَ في مع فرعون في تفسيرِ حلمهِ، وعندما إلتقى إخوتهُ تجاوزَ لهم كل ما حصلَ له بسببهم ووصفحَ عنهم، ولم تجعلهُ هذه الخبرات المُحزنةِ ييأس ولم يُقدِم نفسه للملءٍ ضحيّة قرارتِ الآخرين، أو إنساناً مُحبطا من الحياة ومتمرداً على الله، بل قال لإخوتهِ: “لا تَخَافُوا. لانَّهُ هَلْ انَا مَكَانَ اللهِ؟ انْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّا امَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرا لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ لِيُحْيِيَ شَعْبا كَثِيرا” (تك 50: 19- 20).

منذ أن بدأ ربّنا يسوع بإعلانِ البُشرى السارّة من الجليل وصولاً إلى أورشليمِ، كشفَ لنا عن ميزةٍ مهمّة في القيادة: موالصة الرحلةِ بثباتٍ على الرغم من المُعارضةِ والحسد والتُهمِ الباطلةِ والإضطهاداتِ المُتكررةِ عليه. فكلّ قائدٍ ناجح سيتعرّض للحسد، والمعارضةِ التي تتنكّر ما أنعمَ الله عليها بها من مواهبَ، وتُشخّص أنظارها حسداً أو كُرها على القائد الناجح وتخلق أجواءً غير صحية في الجماعة مثلما حصلَ مع بولس ومُعارضيه في غلاطيّة، ولكّن بولس تمكّن من قراءة كلّ هذه المعارضة لخير الكنيسة وليس لصالحهِ وطلبَ من الجميع: لاَ نَكُنْ مُعْجِبِينَ نُغَاضِبُ بَعْضُنَا بَعْضاً، وَنَحْسِدُ بَعْضُنَا بَعْضاً.” (5: 26).

يعي القائد الراعوي نفسه إذاً خادماً لتدبير الله ويؤدي ذلك بكلِّ تواضعٍ مثلما قيلَ عن موسى: ” كَانَ حَلِيماً جِدّاً أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الذِينَ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ.” (عدد 12: 3)، ودعانا ربّنا يسوع لنكون معه هو الوديع والمتواضعُ القلبِ (متّى 11: 29)، فكِبْرِيَاءُ الإِنْسَانِ تَضَعُهُ وَالْوَضِيعُ الرُّوحِ يَنَالُ مَجْداً (أمثال 29: 23)، وإلهنا “شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ” (لو 1: 51- 25)، كما أنشدت أمنّا مريم. تجربة التسلّط والمكانة المتميزة بين الجماعةِ تدفّع البعض نحو الغيرة والحسد والعاوة والكراهية تجاهَ مَن هم في القيادةِ، وعلى القيادة أن تكون واعيةً لهذه التجربة الفاضحةِ والتي تُعد حجرة عثرةٍ صادِمٍ للجميع، وتحمل معها مشاعِر مُدمّرة في حياةِ الجماعة كونها تُبطِلُ التناغمُ بين أفرادها وتُعطّل الكثير من المُبادرات الهادِفةِ. لذا، وَجبَ على القائد الراعوي ان يكون متواضعاً ويُكرِمُ الجميع ويُقدِّر مواهبهم وإسهاماتِهِم، ويحتفِل بإنجازاتِ الجميع على نحوٍ علني، فيشعرُ الجميع بأنه مُشارِكٌ فاعلٌ في إنماء حياة الجماعةِ وإزدهارها.

ربّنا يسوع، وبطرس والتلاميذ وبولس وكثيرون غيرهم، عاشوا الحياة مؤمنينَ بتدبير الله الآبوي لهم، عارفين أنّ الله ينتظرُ منهم أن يخدموا تدبيرهُ بأمانةٍ، ويحبّونّ خدمتهم هذه لأنهم يحُبّون الله الذي أحبّهم أولاً، فليتزمونَ مسؤولياتهم بأمانةٍ. هذا الإيمان بالله يُعطي الإنسان الثقة والقوّة لمواصلةِ الحياة على الرُغمِ من الفشل والإحباط الذي يختبرهُ في علاقاتهِ، ليقول مع يوسف: “انْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّا امَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرا”.

 

عن Maher

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.