أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / رحيل الصديق حميد عيسى يلدكو وتدفق ينبوع الذكريات

رحيل الصديق حميد عيسى يلدكو وتدفق ينبوع الذكريات



في فترة قصيرة فقدت ساحتنا الثقافية في القوش كوكبة جميلة بدءً برحيل منصور بجوري ومن ثم الكاتب نوئيل قيا بلو لنفاجأ برحيل الألقوشي الأصيل نوئيل ساكو ، خجيجا ، ( ابو موفق ) الذي بقي على حبه لبلدته العزيزة القوش ووفاؤه لهويته الكلدانية وانتماؤه للوطن العراقي ، واليوم نودع صديقاً عزيزاً تعززت صداقتنا في دور الشباب وسنين الدراسة وهو المرحوم حميد عيسى يلدكو ، والذي كان يشعر بسعادة حينما يذيل قصائده وكتاباته باسم حميد ابو عيسى . في فترة ليست قصيرة من سنين مرحلة الشباب في حقل الدراسة الثانوية جمعنا صف واحد ورحلة واحدة ، وخارج الصف والمدرسة كان يجمعنا طموحات الشباب واندفاعهم إن كان في التصميم والإرادة القوية الحرة او مجالات الحب والربيع وترف الحياة ومباهجها في تلك المرحلة العمرية الرائعة . ويجمعنا ايضاً الهدف السياسي الواحد في حب الوطن العراقي والفكر السياسي اليساري الذي كان طاغياً وقتذاك .
الحديث عن الصديق الراحل حميد عيسى ذو شجون وذكريات ، لكن قبل ذلك نعرف القارئ الكريم لمن لا يعرف من هو حميد عيسى يلدكو ان نقول له إنه من القوش مواليد 1943 انهى دراسته الثانوية في القوش وسافر الى الأتحاد السوفياتي السابق في عام 1961 في بعثة دراسية واستقر في جمهورية بيلروسيا ( روسيا البيضاء) بمدينة مينسك وتخرج عام 1967 بدرجة ماجستير في الهندسة الميكانيكية ، وبعد عودته الى العراق بعد تخرجه خدم الأحتياط ( ملازم ثاني) في الجيش العراقي ، وبعد تسريحه من الخدمة تعين بعنوان مهندس في الشركة العامة للصناعات الميكانيكية ثم نقلت خدماته إلى المعهد المتخصص للصناعات الهندسية في بغداد وفي عام 1993 احيل على التقاعد بطلب منه وفي اوائل عام 1999 غادر العراق ليستقر اخيراً في اميركا ، ويعمل فيها بعد استقراره مدرساً للغة العربية في إحدى جامعات ولاية جيورجيا الأمريكية .
اثناء عمله في العراق الف كتب هندسية باختصاصه إضافة عشرات البحوث والدراسات والمقالات الهندسية نشرت في مجلتي الصناعة والصناعات الهندسية إضافة الى كتابته لدليل الأستعمال والإدامة للساحبات ( الجرارات ) العراقية عنتر 60 وعنتر 70 وعنتر 80 إذ كان اختصاصه ميكانيك المكائن الزراعية .
جمعتني مع المرحوم في اوقات الرحلة الواحدة في ثانوية القوش في الصف الرابع والخامس العلمي ، وكان المرحوم منصور اودا مدير المدرسة ومدرس الرياضيات بامتياز ، وكان جلال غريب ،الكردي، مدرس اللغة العربية ، والأستاذ حكمت ججاوي مدرس الكيمياء ، وحكمت زيباري إضافة الى افضل المدرسين القادمين من الموصل هرباً من موجة الأغتيالات التي كانت عاصفة في تلك الفترة من الزمن الردئ .
كنا مجموعة طلبة فيهم من تفوق وحصل على اعلى الدرجات وفاز بالدراسات خارج العراق ومنهم الراحل حميد عيسى ومنهم من قنع بمعدله المعتدل ليدخل إحدى الكليات او المعاهد العراقية او توجه للاعمال التجارية بعيداً عن هموم الدراسة . تمضي السنون تجر السنين وتمر كلمح البصر وها هي المدة التي تفصلنا عن تلك الأيام تناهز النصف قرن ونيف بالتمام والكمال وعسى ان يسعفني ينبوع الذكريات الجميلة الى سرد بعض الأسـماء التي قضينا معهم ردحاً من الزمن الجميل ليس الى نسيانه سبيل .
كانت الوجبة التي سأدرجها من اسماء الطلبة في ذلك الحين هم اول صف إعدادي في القوش ، وكان ثمة للفرع العلمي فقط ، فالتربية استطاعت ان تفتح صف واحد فقط إما أدبي او علمي ، وحسب اختيار الأكثرية من الطلبة الخريجين من المتوسطة في القوش ، فكانت الأكثرية الساحقة مع الفرع العلمي ، باستثناء بضعة طلاب ومنهم من انضم مع الأكثرية ومنهم من التحق في ثانويات اخرى فيها الفرع الأدبي ، ومنهم المرحوم نائف دنو . اما الطلبة الذين كنا في الصف الرابع العلمي هم :
كاتب هذه السطور حبيب تومي ، حميد بحو بوداغ ، كامل متي وزي ، ابرم حنا ، ياقو اوراها شبلا ، سعيد يوسف اسطيفانا ، نجيب يوسف اسطيفانا ، هرمز متي حيدو ، يوسف حنا شبلا ، يوسف عبو جولاغ ، كوريال يوسف بلو ، صبري بطرس شوشاني ، يوسف صادق خوبر ، بطرس عيسى قودا ، حنا موسى طعان ، سالم جبرائيل رزوقي ، سالم متي بتي ، ريجينة بولا يونان ، بنت حنا كجو ،(اخت المرحوم وديع كجو) . آسيا ؟ (لم تكن القوشية) ، رمزي يوسف قلو ، عبد حسقيال كله ، عابد شيشا كله ، وجدي موسى هيلو، بهجت فرج قس يونان ، عادل الياس حنو ، سمير حنا عازو .

كريم ججو شمعون ، سليمان حنا شهارة ، عصمت بطرس اسطيفانا ، قيصر بيبو ، ايليا يونس كوزا ، اندراوس حنا . واعتذر لمن فاتني ذكر اسماءهم . ومن هؤلاء من اودع هذه الحياة وهم :
الفقيد المرحوم حميد عيسى يلدكو ، المرحوم جميل حبيب حنّيكا ، المرحوم سالم ايرميا ، المرحوم عابد ارواها زوري ، المرحوم بطرس سخريا ، المرحوم يونس موسى حنطيي ، المرحوم شليمون اسطيفو جمّا ، المرحوم بطرس موسى حكيم .
انطباعاتي عن شخصية المرحوم الصديق حميد عيسى انه محبوب بين اقرانه ويحب مباهج الحياة ويتفاعل مع جوانبها من الأحزان والأفراح والسياسة والعمل والدراسة والتفاؤل والمرح والصداقة ..
لقد جمع حميد عيسى في شخصيته مزايا كثيرة . سريع البديهية حاضر النكتة الخفيفة ، حلو المعشر . في قلمه الغزيز تمكن من تفعيل الفكر الهندسي العلمي مع الفكر الأدبي الإنساني وتفوق في المجالين ، حينما كان يرسل قصائدة الى موقع نادي بابل الكلداني في النرويج ألاحظ ترتيب الأبيات بتنسيق هندسي جميل ، واهم ما كان يطلبه منا هو ان تنشر قصيدته وهي مرتبة على نفس النمط التي يسطرها ، وكان يسعدنا ان نلبي طلبه في الأحتفاظ بجمالية الكتابة الى جانب عمق وجمالية المعنى .
في أحدى الدورات لنادي بابل الكلداني وقبل سفري من العراق بحوالي اقل من سنة إذ اصبحت سكرتيراً في الهيئة الأدارية ورئيس اللجنة الثقافية ، وكنا نصدر نشرة والتي اتخدت مؤخراً اسم صدى بابل ، وكنا نستلم نصوص من بعض الكتاب لغرض تدقيقها والموافقة على نشرها ووردنا نص من المرحوم حميد عيسى ، وحينما بدأنا في قراءته ظهر لنا جلياً اننا امام نص متكامل لكاتب قدير هو حميد ابو عيسى .
كتابات حميد عيسى متنوعة تتناول جوانب الحياة بعمق وجداني وتصور واسع تسعفها كتابة رشيقة بلغة مطواعة لكاتب مقتدر ، إن رحيل الأديب او الكاتب يُبقى ذخيرة يتناولها المتخصصون والكتاب وتبقى ضمن ثروة التراث ، ولهذا إن غابت ابدان هؤلاء المبدعون فإن اثارهم تبقى عالقة في النفوس . كان المرحوم حميد ابو عيسى غزير الأنتاج ويجمع بين العمق في المعنى ووعي واقتدار في كتاباته المختلفة ، وفي رحيله نقتبس شيئاً من اواخر ما كتبه وما افرزته قريحته ومشاعره الجياشة .
حميد ابو عيسى يكتب : سأقيمُ الحبَّ داراً للحياةِ
إعـتـقـوني
إرحـموني
واتركوني

كي يزيلَ الحـظ ُّ عـنّي
شـؤمَ عـمـرٍ نالَ مـنّـي
بلْ حَـضَـنّي واحتواني
خـانـقـاً كــلَّ الأمـانــي
في الأواتي مِنْ زماني
إنـَّـنـي حـــيُّ وفـانـــي
رغـمَ حـبّـي لـلأغـانـي
مِـنْ أصـولِ العـنـفـوانِ
إنـَّـني آلـيـتُ أنْ أغـزو مكاني
بالـزهـورِ وعـطورِ الأقحوانِ
وأقـيـمُ الحـبَّ داراً بـالــمـجانِ
للجـمـوعِ الخاسـرينَ بالـرهانِ
وسـأبني قـلعـةً مِـنْ حـبِّ قاني
تجـلـبُ الحظَّ السعـيدَ والتهاني
أوگستا في 8 أيار 2011

وفي مكان آخر نقرأ له قصيدة مترجمة من اللغة الروسية وهي في الفتره التي داهمه المرض وبدأ الصراع ، والقصيدة التي يمتزج فيها الحزن مع الأمل والإرادة وهي للشاعر الروسي الكبير كونستنتين سيمينوف ، وقد يتساءل المرء ، لماذا يترجم هذه القصيدة بالذات ؟
هل ان هذه القصيدة تعبر عن هواجسه ؟ وهو يروم ان يبقى على تفاؤله وعلى قوة إرادته امام جبروت المرض ، فظل يصارع المرض العضال لفترة ليس قصيرة ، فإنه يقول انتظريني :
دعي الإبنَ والأمَّ يصدِّقا
بأنـَّـني غير موجودْ
وليتعبَ الأصدقاءُ انتظارا
ويجلسوا حول النار
كي يشربوا الخمرَ المرَّ على ذكرى روحي
إنتظري ولا تتعجَّلي المشاركةْ
إنتظريني وسوف أعودُ
بالرغمِ عن أنفِ الموتْ

إنتظريني وسوف أعودُ
ولكن إنتظري كثيراً
إنتظري عندما تُغرِقُ الحزنَ
أمطارٌ صفراءْ
إنتظري عندما تعصفُ الثلوجُ
إنتظري في القيظِ
إنتظري عندما لا ينتظرُ الآخرونْ
إنتظري عندما تنقطعُ رسائلي
مِنَ الأماكنِ البعيدةْ
إنتظري عندما يسأمُ كلُّ مَنْ إنتظر
إنتظريني وسوف أعودُ
ولا تتمنّي خيراً لكلِّ مَنْ حفظ غيباً
بأنَّ وقتُ النسيانِ قد حانْ
دعي الإبنَ والأمَّ يصدِّقا
بأنـَّـني غير موجودْ
وليتعبَ الأصدقاءُ انتظارا
ويجلسوا حول النار
كي يشربوا الخمرَ المرَّ على ذكرى روحي
إنتظري ولا تتعجَّلي المشاركةْ
إنتظريني وسوف أعودُ
بالرغمِ عن أنفِ الموتْ
19
أيار 2011 * قصيدة الشاعر الروسي الكبير كونستنتين سيمينوف
ترجمتُها عن الروسية .
المغفرة والرحمة لروح الصديق العزيز حميد عيسى يلدكو ، ونتضرع الى الرب يسوع ان يسكنه فسيح ملكوته السماوي وأن يلهم عائلته وذويه الصبر والسلوان .

حبيب تومي / اوسلو في 03 / 02 /

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.