أخبار عاجلة
الرئيسية / المقابلات / البطريرك ساكو: حان وقت الانتقال من التسامح إلى المواطنة

البطريرك ساكو: حان وقت الانتقال من التسامح إلى المواطنة

إنّه لمقتنع بهذا، مار لويس ساكو، بطريرك بغداد للكلدان، الذي لم يخشَ، في اللقاء الذي جمعه بالواحة في عمّان، من انتقاد كلمة “تسامح”: «من المعتاد التحدّث عن الحاجة للتسامح مع المسيحيّين. ولكن ماذا يعني التسامح مع عراقيّ؟ كنّا هناك قبل الإسلام، ونحن في العراق اليوم أيضًا، نحن مواطنون. لا نطالبهم بأن “يسمحوا” لنا بالعيش في بلدنا. بدلاً من ذلك، في شرح مصطلحات المسألة يتعمّق الحوار. يتمّ التحدّث عن حقوق الإنسان، ولكن لا حقوق إنسان مسيحيّة أو إسلاميّة، بل هناك أساس إنسانيّ للجميع. لذلك إذا توصّل المسلمون للاعتراف بهذا الأمر، أمكننا أن نعيش معًا. لأنّ الدين سيبقى تجربة شخصيّة بيني وبين ربّي والمؤمنين الآخرين، ولن يتمّ استغلاله لأهداف سياسيّة. أنا واثق جدًّا من إمكانيّة حوار كهذا. إذا فهم المسيحيّون جيّدًا الإسلام، قد ساعدوا المسلمين على الانفتاح، وعلى القيام بقراءة أشمل للنصّ القرآني، عن طريق قراءته على سبيل المثال داخل سياق تاريخي، كما نفعل نحن عند قراءة الكتاب المقدّس».

إن النقطة في هذه المسألة تكمن بالتالي في المساحة الموجودة بين التسامح والمواطنة؟
المعيار الوحيد للتعايش هو المواطنة: أنا مواطن، بغضّ النظر عمّا إذا كنتُ مسيحيًّا أم مسلمًا. لهذا يجدر فصل الدين عن السياسة. إذا قبل المسلمون، على سبيل المثال، بإزالة كافّة الإشارات الدينيّة في الدستور، في السياسة، وفي تنظيم العلاقات بين المواطنين أيضًا، فلن تكون هناك مشاكل. حتّى على جواز السفر، وعلى الوثائق، لا يتعيّن ذكر الانتماء الديني، لأنّ هذا يخلق مشاكل. من جانب المسيحيّين، الذين هم اليوم أقليّة، هناك حاجز نفسي، فهم يعتقدون أنّهم غير مقبولين، وأنّهم حقًّا “مُتسامح معهم”، وأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. هناك قواعد تحدّ أيضًا من دورهم السياسي والاجتماعي، وما إلى ذلك. وهذا يحدث عندما لا يُتّبع معيار المواطنة المتساوية للجميع، بل يوضع الانتماء الدينيّ في المقام الأوّل.

كيف هي علاقتكم بجيرانكم المسلمين؟
عندما سقط النظام وجد المسيحيّون والمسلمون أنفسهم يحمون معًا الكنائس والمساجد. وقد تبنّى بعض الأئمّة في كركوك خطابًا منفتحًا على المسيحيّين في خطبة الجمعة، وإذا كان هناك إمام في مسجد مكتظّ يقول إنّ المسيحيّين مواطنون صالحون وصادقون، فإنّ هذا يساعد كثيرًا. هذا ما سمعتها، وأحيانًا طالبتُ به. التقط أحيانًا دلائل على أنّ العقليّة تتغيّر، فعلى التلفزيون، على سبيل المثال، عندما تكون هناك مقابلات بين إمام وشخصيّة مسيحيّة، يتحدّثون عن الحوار، وتُقدَّم المسيحيّة بطريقة مفهومة وغير مبهمة، فـهذا يساعد. أعتقد أنّه يمكننا تغيير العقليّة إذا كنّا متّحدين وكان لدينا أشخاص مهيّئون.

بعد الهجمات على الكنائس، كيف هي حال العلاقات مع المؤسّسات؟
في هذه الحقبة لم تقع هجمات ضدّ المسيحيّين. أنا أعيش الآن في بغداد، وأزور دائمًا الكنائس وتُقام القداديس، وأشجِّع الناس على ألاّ يخافوا. “لا تخافوا”، خطاب يسوع، أكرِّره مرّات عديدة. ولكن ذلك لا يحدث عبر الكلمات فقط، فنحن نساعد المسيحيّين في العثور على منزل، على عمل، ولدينا علاقات بالحكومة والسلطات الدينيّة السنيّة والشيعيّة. لدينا علاقة جيّدة برئيس الوزراء الذي جاء للقائنا. فقد نظّمتُ مأدبة عشاء لكلّ الحكومة تحت عنوان “عشاء المحبّة”، واستخدمنا نشيد المحبّة للقدّيس بولس، الذي استمعوا إليه للمرّة الأولى. تربطنا علاقة جيّدة حتّى بالوزراء والبرلمانيّين، لكنّ الكثير يتعلّق بنا أيضًا. لدينا تراث غنيّ بالتاريخ والثقافة، وكانت لدينا لعدّة قرون مدارس ومستشفيات وأديار، ويمكننا أن نقدِّم مساهمة لهذا البلد. لا يجب أن نتوانى عن ذلك.

ماذا عن العلاقات ما بين المسيحيّين من مختلف الكنائس؟
نحن متّحدون، أي إنّ الحركة المسكونيّة هي مسكونيّة حقّة، وليست شكليّة. فنحن دائمًا معًا، حتّى عندما أذهب لزيارة رئيس الوزراء أو رئيس الجمهوريّة، يأتي معي كلّ الرؤساء الروحيين المقيمين في بغداد، من أجل التأكيد أمام السلطات على أنّنا متّحدون حقًّا. كأولويّة، إذن، عقدنا المجمع الكنسيّ (السينودس)، واخترنا أساقفة جددًا أقوياء ومثقّفين. ومعًا علينا مواجهة مسألة الهجرة وكيفيّة مساعدة الناس على البقاء. قمت في الأشهر الأخيرة بزيارة أربعين قرية ومدينة، كانت قبل خمس أو ست سنوات فارغة. لقد امتلأ بعضها الآن بالناس والشعب فَرِح. كانوا قد ذهبوا إلى تركيا أو إلى مناطق أخرى من البلاد، والآن عادوا، هناك حياة كلّها ديناميّة، لكنّهم بحاجة إلى المساعدة، ونحن نحاول أن نقدّمها.

كيف تنظرون إلى سوريا من بلادكم؟
لقد دُمِّر كلّ شيء، وهناك الآن فوضى وفساد، فالأمن منعدم والبلاد تتّجه نحو التقسيم. إذا كانت الدبلوماسيّة الدوليّة صادقة وتريد الخير لسوريا والعراق فيجب أن تبحث مع العراقيّين والسوريّين عن حلّ سياسي. يتحدّثون عن الديمقراطيّة والحريّة، لكنّها مجرّد كلمات وشعارات. لا يمكن تطبيق أو تحقيق الديمقراطيّة بالعصا السحريّة.
السوريّون يمكنهم القيام بذلك بمفردهم ولا يريدون أيّة مساعدة، لأنّ هناك تأثيرات كثيرة في الداخل: هناك الأمريكيّون والروس، وإيران وتركيا والمملكة العربيّة السعوديّة وقطر. أنا أعتقد أنّه من الممكن أن يجلس طرفا النزاع معًا، والقيام بإصلاحات وإيجاد حلّ لإشراك الجميع في اللعبة السياسيّة، هذا ممكن إذا تواجد فريق محايد، ربّما أيضًا فريق ديني، مسيحي أو مسلم، ليست لديه مصالح، ويبحث حقًّا عن المصالحة. هذا ينطبق أيضًا على العراق، الذي لا يزال يعرف القتل والعنف. عندما ذهبت للقاء رئيس الوزراء العراقي قلت له “علينا نحن القيام بالمصالحة”، وهو وافق قائلا “أشجِّعكم على ذلك”، لأنّنا مستقلّون ولا مصلحة لدينا.

عن Yousif

شاهد أيضاً

البطريرك ساكو يحل ضيفاً على قناة الشبكة العربية للأخبار

  البطريرك ساكو يحل ضيفاً على قناة الشبكة العربية للأخبار الأب بسمان جورج فتوحي اجرى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.