تأمّل في إنجيل عيد القيامة
لاقوة تهزم الموت وتُعطي حياةً جديدة ,إلا قوّة الحبّ. عندما يتغلغل الحبّ إلى أعماق الإنسان , يحرّره من كلّ القيود والظلمات والعبوديات , ويجعله سيداً حرّاً قويّاً , ابناً لله.
عندما يلمس حبّ يسوع قلب الإنسان , يغيّره , يجذبه إلى طرق الاهتداء والعشق الإلهي , والفرح الانجيلي المُبشّر بحياة القائم من الموت. لقد كانت مريم المجدليّة إمرأةً أسيرةً في سجون الافتتان الجسدي والمتعة الغرائزيّة وظلمة الخطيئة , فتحوّلت بفعل نور الحبّ الإلهي إلى حريّة أبناء الله. إنّ الحبّ العميق العفيف المحرّر , الذي انطلق من قلب يسوع , واخترق قلب المجدليّة العاطفيّة , حوّلها إلى إمرأةً شغوفةً بالحبيب المخلّص . لقد تحوّلت إلى تلميذة , تتبع خطى يسوع , سائرة معه نحو الصليب , فعايشت ألمه وموته , ولكنّها لم تستسلم للموت , بل بقيت تنشد حبيبها , واثقة من انتصاره على الموت. كانت تبكي بكاءاً إنسانيّاً صادقاً , وإذا بها تختبر لقاءاً مفاجئاً مدهشاً , فيه يقول يسوع القائم من الموت :”لماذا تبكين , أيتها المرأة , وعمن تبحثين ؟”, فظنته البستاني , ولكنّ مناداته لمريم بأسمها,أخرجتها من حزنها وبحثها وألمها.
إنّ صوت يسوع , يدعونا جميعاً لنختبر قيامته في حياتنا بقوّة الحبّ الفصحي , ولكن لابد لنا من اختبارٍ مشابه لاختبار المجدليّة , فيه يكون حبّنا ليسوع دافعاً للسير نحو قبره ولقائه حيّاً ممجداً , فلانتوقف عن البحث حتى نجده شخصيّاً .فلا نبقى عند علامات الحجرالمدحرج عن القبر واللفائف الممدودة والمنديل , رغم أهميتها , بل نترك لصوت الله أن يدخل إلى اعماق قلوبنا , فيقودنا إلى معلّمنا وربّنا.. لاشك أننا نحتاج إلى علامات تضيء طريقنا لاكتشاف قيامة يسوع , فتعطينا رجاءاً بقيامتنا , ولكن الله لايتركنا , بل يرسل من سمائه استنارة ملائكيّة, تخرجنا من جمودنا وتقوقعنا الأرضي , وتقودنا إلى شخص القائم الممجد وملكوته الأبدي.
إنّ المجدليّة مريم هي نموذج للإنسان الذي لايتوقف عند حدود الحزن والبكاء , والخوف والانغلاق , بل يمضي إلى لقاء القائم من الموت , فيختبر فجراً خلاصيّاً , يشع سلاماً وفرحاً وانفتاحاً وشجاعةً. وهكذا, فاختبار القيامة, يعني أن يقودنا الحبّ إلى الاتحاد بفصح المسيح , فنعبر من حالة الرضوخ للهموم والمشاكل والصعوبات إلى حالة الخلاص والتمجيد والشكر لله وإعلان بشارة الانتصار على الموت بالقيامة. وهكذا ليست القيامة إعلاناً عقائديّاً أو احتفالاً طقسيّاً أوشعاراً كلاميّاً , بل هي اختباراً حياتيّاً يوميّاً لحضور الربّ في قلب موتنا الروحي والنفسي والاجتماعي والكنسي , فتكون الغلبة لحياةٍ , تأتينا من حياة القائم من الموت.