أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / الراعي والرعية

الراعي والرعية

لقد وجه راعي بطريركيتنا الجليل مار لويس روفائيل الأول ساكو رسالة لنا نحن أبناء وبنات أبرشية مار توما الكلدانية في استراليا ونيوزيلندة، مفتتحا رسالته بآية من إنجيل يوحنا تقول: (لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم. آمنوا بِاللهِ وآمِنوا بي)” (يوحنا 14/1)، وكم نحن اليوم بحاجة لكي تكون قلوبنا آمنة ولا تضطرب قلقة لأمور كثيرة لأننا غالبا ما نهتم بأمور كثيرة دون أن نفكر أننا بحاجة لواحد هو السيد المسيح والباقي يُعطى لنا ويزاد فلَسنا بحاجة سوى للإيمان.

ويزيد أبرشيتنا فخرا بأن زيارة الآتي باسم الرب إلى ديارنا في مستهل الشهر المخصص للصلاة من أجل أمنا العذراء مريم أن تكون زيارته هي الأولى كراعي رعاة الكلدان بعد أن أختاره الروح القدس لهذه المهمة الثقيلة، فنحن سنكون سعداء عندما نستقبله في كنيستنا متمنين أن يكون بيننا ومعنا دوما كي يكون الروح معينا لنا بوجوده معنا جنبا إلى جنب راعينا الجليل مار جبرائيل كساب كي تمخر سفينة الإيمان بأمان ويتقوى الإيمان بواسطة بطرس وممثله بيننا ويترسخ ويكون كصخرة لا يهمها هبوب أعتى الرياح وأقوى القوى التي يحاول الشرير زعزعة أيمان الذين يسيرون خلف ربهم ومخلصهم يسوع المسيح وقد نكون حاملين كلُ الصليب الذي تجمع بثقله عبر السنين على أكتافنا آملين أن نصل إلى جلجلتنا بأقل الخسائر ونحاول جاهدين التخلص من كل أشكال الاضطهاد وكأننا خلقنا للأمن والأمان متناسين بأن المسيح قد قال بأننا سنتعرض لكل هذا وربما أكثر.

ولو كان لدينا إيمان كحبة الخردل لوثقنا بأن يسوع يعرف كل ما نمر به من ظروف ويدعونا كي نذهب إليه جميعا نحن الثقيلي الأحمال والمتعبين وهو يريحنا، فقد عانينا الكثير ولكل منا تكونت قصة كبيرة لو تم كتابتها لأصبحت مجلدا ضخما أغلبه معاناة وقلق، وأقله هو الفرح والتعزية، لكن لو كان إيمننا قويا لوثقنا أن مخلصنا قد غلب العالم فعلينا التحلي والتشبث بالرجاء بإيمان قوي وراسخ. خصوصا ونحن نعيش في الله من خلال يسوع المسيح “ومتى اخضع له الكل فحينئذ الابن نفسه ايضا سيخضع للذي اخضع له الكل كي يكون الله الكل في الكل ” (1 قورنثية 15/28). إذا يقول لنا الرسول بولس بأن الله يكون الكل في الكل فماذا نخاف إذا؟

نعم فإن الحياة على قول أبينا البطريرك تولد وسط المحن والأوجاع، لكن لا بد لهذه كلها أن تأتي ونختبرها بأنفسنا كي نكون مؤهلين للقيامة الممجدة مع يسوع مخلصنا، وهذا لا يتم إلا بالموت على الصليب أي أن مصيرنا مربوط بقوة مع مصير كنيستنا ومصير العلمانيين فيها مربوط بمصير الإكليروس أي أننا جميعا نُبحر في ذات الفلك وعلينا مسؤولية أيصال هذا الابحار إلى بر الأمان ليس بالجلوس فوق تلة متفرجين على الكنيسة وهي تعاني وتواجه الصعوبات دون ان يكون لنا الدور بالمقترحات والآراء والأفعال أيضا.

علينا ترجمة أيماننا على أرض الواقع ولا يكون حضورنا في الكنيسة فقط حضور بالجسد المادي وتأدية لواجب أو وصية بل حضور فاعل ومسؤول وكل منا يجب أن يعتبر الكنيسة بيته وهو الكل في الكل فيها، وأن الكنيسة ليست غبطة البطريرك أو المطران او الكهنة بل أن الكنيسة هي كل هؤلاء وجميعنا نكون حجارة حية في بنيان الكنيسة ولا يجب أبدا أن ننظر إليها كبناء مادي بحت. والحجارة الحية ليست جامدة بل تتفاعل مع غيرها كي يكون البنيان مرصوصا بقوة ومتماسك وهكذا يكتب إلينا البشير يوحنا في (17: 21-23) بقوله: “ليكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الاب في وانا فيك ليكونوا هم ايضا واحدا فينا ليؤمن العالم انك ارسلتني. وانا قد اعطيتهم المجد الذي اعطيتني ليكونوا واحد كما اننا نحن واحد. انا فيهم وانت في ليكونوا مكملين الى واحد وليعلم العالم انك ارسلتني واحببتهم كما احببتني“، إن حياتنا في الكنيسة لا تقاس بالمدة الزمنية بل بمقدار استغلالنا للمواهب التي وهبها الله لنا ويكون عملنا وفعلنا بالمحبة التي لا تسقط أبدا.

وهذا المنطق يقودنا للرجاء بأن الآتي لابد أن يكون أحسن لأن بعد الموت تكون القيامة ويكون الفرح لأننا بهذا الإيمان سنغلب العالم كما غلبه معلمنا الإلهي، ولِما لا طالما أننا أغصان في كرمة الرب (الكنيسة) المفتداة بدمه الزكي، فما علينا سوى الشهادة لهذا الإيمان بالقول والفعل ونقوّي أخينا الآخر إذا تزعزع إيمانه وعلينا بالأصالة والتجدد والوحدة فيما بيننا وأن لا نقف بالضد من الأفكار التي يأتي بها غيرنا بل نفكر بها ونسير عليها طالما أنها للبنيان لا الهدم، وعلينا أن نعيش حياة الصلاة ونكون مستعدين لخوض التجربة فربنا يسوع كان يختلي للصلاة كلما كان سيواجه أمرا جليا ومهما، علينا بالمحبة لأن هذه الفضيلة هي قمة الفضائل الأخرى وتتقدم على الإيمان والرجاء، وبهذه سنكون فرحين وصابرين على الشدائد.

وفي الختام أستعير سطور رسالة غبطته الأخيرة متمنيا أن نكون معا شعبا مؤمنا وقويا ومتحدا بالمسيح ومع الرعاة كي نكون أهلا لكي ندعى قديسين، حيث جاء في خاتمة الرسالة: إذا حققنا هذا فستكون لنا القيامة ويغمرنا مجدُ الله، يقينًا أن الكلمة الاخيرة ستكون لثالوث الحبّ، وليس لمثلث الموت، لأن عندما تلتقي ِنعَمُ الله بِنَعَمِ الانسان، يتفجرُ الأمل ويزهر الحب وتخصب الحياة ويغدو كل شيءِ حسنا وجميلاً.

ومعا نقول لغبطته أننا في هذه البقاع البعيدة جدا عن جذورنا سنعمل جاهدين كي نكون سبب لفرحة في السماء ونتحد معك ومع رعاتنا الآخرين بالصلاة والتضرع إلى الله كي تعمّ بركاته الجميع وتزدهر كنيسته وينتشر الإيمان بقوة منه وبشفاعة أمنا العذراء مريم. فما علينا سوى القول: أهلا بالآتي بأسم الرب وستكون قلوبنا كلها مستعدة لكي تحتضن زيارتكم وتعمل جاهدة كي تكون ناجحة ومثمرة.

الشماس عبدالله النوفلي

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.