أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / حوارات الهيراركية الكنسية راقية ببصماتها الروحية

حوارات الهيراركية الكنسية راقية ببصماتها الروحية

انخرطت الكنيسة تدريجيا في ركب المعلوماتية، وظهرت عدة وثائق رسولية تؤشر هذا المسار. ومنذ زمن، ومع توفر الحريات الافتراضية في الانترنيت، التحقت بطريركيتنا الكلدانية بهذه المسيرة، خصوصا بعد تأسيس موقع مار أدي الالكتروني. وجاء غبطة البطريرك مار لويس ساكو، بعد خبرة متمرسة في الاعلام والتأليف، باحثا وكاهنا ورئيس أساقفة، بانتقالة نوعية فاجأت جمهرة من المتلقين. ولا ريب ان دخول مضمار الاعلام، مع ما يوفره من سرعة ايصال وتواصل، له مواجهاته المتبادلة، التي كانت ستكون بطيئة في الاعلام الورقي، وإذا بها شبه فورية. على أنها تقتضي التوقف فيما يوحيه لنا الاعلام المسيحي على مستوى التحاور مع السلم الهيراركي في الكنيسة، فجاء هذا المقال بحثا عن البصمات الروحية التي يمليها التحاور على مستوى الكنيسة ومعها.
 
ذكريات ذات صلة مع مار لويس ساكو
لا اخفي على القارئ اللبيب، معرفتي بالبطريرك مار لويس، منذ تلمذتي الاكليريكية. واعتقد اني اصبحت ألم مع الزمن، بأي حيز يعطيه مار لويس للرأي الآخر. فوجدت الحيز يتدرج عنده بأريحية وتلقائية وتواضع كلما حمل على كاهله حملا مضافا في الخدمة الكهنوتية والحبرية. ومن المعروف أن خدمة الكهنوت، في مقدمة الخدمات التي لكونها تتعامل مع رسالة انجلة سامية، لا تتقبل من صاحبها ان يستأسد كلما ازداد حمل خدمته.
عندما عرفت غبطة البطريرك في البدء في أيام التلمذة كان قد سبقني بصف دراسي، مع فارق اكبر في العمر. وكانت لي صعوبة شخصية مع الزملاء، لم يكونوا مسؤولين عنها، إذ دخلت الاكليريكية بوزن 27 كغم وما يناسبه من قامة، فلم يكن هينا تبادل النقاش الديمقراطي مع من بهذه المواصفات وزنا وقامة. فكيف إذا كان التلميذ لويس يلقى الكلام كما في قلبه وبلا رتوش.
واذكر طرفة في هذا المضمار، تعود الى زمن اشتراكي مع التلاميذ الاكبر مني وذلك بارتداء الجبة السوداء. فكانت لي عطلة صيفية في مسقط الرأس، وكان التلميذ (لويس) في زيارة لتلك قرية خواله، بصحبة الاب (الاسقف) الراحل ميخائيل جميل. وكنا يوما نسير من قرية سناط الجبلية الى قرية جانب من أبنائها والملحقة بها من طرف الدشت- السهل، واسمها دشتتاخ. فوجدتني مرة في مقدمة القافلة، بين السابلة والفرسان، وإذا بامرأة كردية تضع طفلا على طريقي، في اسلوب شرحه له أحد متعهدي القوافل (الكرواني – او القرونايا) ان ذلك هو لطلب البركة، فصليت صلاة ومضيت، ولكن الزميل لويس، وهو المتقدم علي بالسن والحكمة، القى على مسمعها تعليقه التلقائي والفكه: ما بالك تلقين الطفل امامه، فهذا ليس بقسيس، بل مجرد تلميذ، فتبلعمت.
 
وبعد الكهنوت، جاءت مع الاب ثم الحبر لويس روفائيل ساكو نوع زمالة في الخدمة الكنسية، كشماس انجيلي وعامل في صحافة الفكر المسيحي. فكان ذلك بنعمة الرب منطلقا للتزامل الاعلامي على درب الكلمة.
وكانت المراسلات مغنية، تعبر عن الاحترام المتبادل للرأي والرأي الآخر والمقترحات. وهنا ايضا أذكر، أني بحسن نية، نوهت يوما في مقال للمجلة، بحدث في كنيستنا كنت رأيت فيه حالة مرحلية إيجابية، وكنت بالطبع أكتب عن ذلك الحدث الكنسي، في غير الزاوية التي يعرفها الاسقف ساكو كعضو للسينودس الكلداني، ليكتب لي هامشا على المقال: ما هذا الاطناب يا نؤيل.
وتمر السنوات لأرى رجل الكنيسة في خدمته الحالية، لأجدني أخاطبه، بما يستأنف روح الزمالة الاعلامية على درب الكلمة، مكحلة بمنادى (غبطتك) عذبة الاجترار.
وعلى ذكر صفة (الغبطة) لا بد ان الكثيرين يلحظون معي ما نقرأه في الشبكة العنكبوتية، من قبل الذين مع استخدامهم صفة الغبطة مخاطبين البطريرك، ربما وصلوا الى حدّ هابط، قد لا ينتبهون اليه، في متن مقالاتهم بخطابات اقل ما يقال فيها، أنها تخلو من الكياسة، إن لم تكن جارحة، على ما أشار إليه إعلام البطريركية.
وهنا لا بدّ من الإذعان أن ثمة صعوبة في مقال عن شخص يختلفون معه في الرأي أو يتقاطعون معه انطلاقا من مواقفهم الستراتيجية والتعبوية. الصعوبة ليست في الصياغة، حاشاهم من ذلك، بل أجدها في صرف شيء من الوقت لمراجعة المقال وتصويبه، بحيث يكون مقبولا دبلوماسيا، مع ذكر زبدة الموقف المختلف وكل ما يقصدون بشأنه ولكن بأسلوب راق. هذا هو الفرق بين أن يعبر المرء كاملا، للبطريرك، او لأي كاتب آخر، عن رأي مخالف تماما، وبين أن يكون الاسلوب جارحا انسانيا. ولا أجرؤ على الظن، ان يكون ثمة مغانم او ترقيات اصطفافية في استخدام الاسلوب الجارح.
ووصف كل هذا يختصر في العبارة المنسوبة لفولتير بنحو مثير للجدل وتقول: سوف أستميت دفاعًا عن آرائي، لكني سأضحي بحياتي حتى تستطيع الدفاع عن آرائك.
Je défendrai mes opinions jusqu’à ma mort, mais je donnerai ma vie pour que vous puissiez défendre les vôtres.
واذا بتنا نلحظ مثل هذه المماحكات ما بين الاحزاب لاقتسام الكعكة الواحدة، او الفوز بحصة الاسد فيها، بشتى أنواع الخطابات. لكن الأمر يختلف على مستوى الكنيسة والتعامل مع شؤون شعبها، كمؤمنين، بأن  تحمل الحوارات بصمة روحية ترتقي بها وتسمو، لا سيما مع حبر، ليس لديه اصطفاف مناطقي أو تخندق سياسي.
 
وينسحب الأمر علينا كعموم كتاب، أكنا من وسط الاكليروس او الشماسة، أو غيرهم، ونكتب في شأن يخص الكنيسة وبتماس مع الحديث عن شعبها المسيحي المؤمن. نحن بحاجة إلى ان نتنفس الصعداء، لنعبر عن أنفسنا مع الثقة بأننا لا نقصد استهداف أحد بهذه المفردة أو تلك. فعصرنا يقف بالضد من الارهاب أيا كان نوعه، فكيف به ان كان تسمويا او تعبيريا.
ذلك أننا مقبلون على مرحلة، فهمنا فيها، توجهات البطريركية بشأن شعبنا وجذوره وأصوله، كنسيا وقوميا، لنجد أنفسنا ممن يعدون هذا الشعب، واحدًا في الجذور المشتركة ضمن شعب أصيل في البلاد النهرينية، فنتداول الحديث عن انتماء شعبنا وجذوره الاصلية، بتعبير حر، يحترم حرية من يستخدم أي تعبير آخر، سواء كان ممن يعتبر الاخرين أنهم منه، او كان ممن ّيعد نفسه منفصلا عنهم في بلادنا النهرينية. ولأن مقال اليوم لا يتعلق في الشأن التسموي تحديدا. فإن هذا الشأن سيكون موضوع مقال قادم بمشيئة الرب. ليكون فاتحة المقالات اللاحقة التي ستتوخى الافصاح دون التمويه.
 
وليسمح لي حضرة الكاتب المختلف مع غبطته، في هذا الشأن وذاك، تأكد يا سيدي من قناعتي بأن كل ما تتفضل بكتابته، مما يدخل في خانة التعبير عن الاختلاف حضاريا وديمقراطيا، سيلقى إذنا صاغية ومحترمة. وليس لدي شك أن اعتبار الكاتب المختلف سيبقى محفوظا ليس فقط في نطاق تخندقه قوميا او سياسيا، بل ايضا سيحظى بالاعتبار عينه في خورنته، ان كانت له خورنة، أو إن كان ضمن سرب متناولي القربان الأقدس، الذين ينظر اليهم بكونهم المحلقين كل بإرادته الطيبة نحو السمو الانساني والروحي.
 
 

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.