أجراها الاب نويل فرمان السناطي
تقديم
لفت الانتباه، الثقل الاعلامي الذي رافق الزيارة الراعوية لغبطة مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك بابل على الكلدان الى ايران. ولعل الزيارة توحي بالمزيد من التساؤلات والاستيضاحات، الى جانب ما رافقها من تقارير اعلامية، شبه يومية. أسئلة طرحتها على غبطة البطريرك على هامش هذه الزيارة.
والحال، إزاء كل ما تلقفته من ايضاحات قد ينتظرها الكثير من القراء، وما تلقيته من عبر، كان يمكن ان يجعلني استرسل في التقديم، ولكن تعدد الاسئلة واستفاضة الاجوبة، وما يريده قارئ اليوم من اختصار، جعلني اجتر المشاعر، لعلها تجد طريقها يوما الى مقال بعنوان كعنوان: على هامش الزيارة الى ايران.
وأكشف للقارئ الكريم، ظروف هذه المقابلة، بالقول انها كانت في البدء مجرد أسئلة استيضاحية بنهم عراقي مسيحي شخصي، ارسلتها بدالة الى غبطته بعد الآيام الأولى من الزيارة، متوقعا انه سينكب عليها عند عودته في اليوم التالي، واذا بها زيارة لأبرشيتين، اسغرقت قرابة اسبوعين، واذا بي مع الوقت احول الاسئلة الى مادة لحوار صحافي، تخللته مداولات عبر الاثير، فكانت ما يسعدني ان اسميه اول مقابلة لي مع غبطته، فأترك القارىء مع صفحات هذا الحوار، وبدأته بهذا السؤال يشوبه بعض التوجس من امكانية الصراحة فقلت:
– لعل هذه الزيارة بأهميتها وتوقيتها وظروفها، تصلح ان تكون مادة كتاب وثائقي، وهي من باب أولى تستحث الكثيرين الى الرغبة في تسليط المزيد من الضوء عليها. نشكركم سيدنا البطريرك لموافقتكم على اجراء هذه المقابلة عن زيارتكم الراعوية لإيران، ومن ثم عشمنا بأن توافقوا على ما نطرح من أسئلة، وتتصرفون غبطتكم بما ترون من إجابة أو معالجة. سؤالنا الاول: اين تضعون هذه الزيارة على المستوى التاريخي للعلاقة بين بطريركية بابل وايران، ما عرف ببلاد فارس، ويحمل حاليا اسم جمهورية ايران الاسلامية.
الزيارة بوصفها لقاء وعيدا وزمنا قويا
* غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو: هذه زيارة راعوية بكل معنى الكلمة؟ زيارة لابرشيتين عريقتين (طهران واورمية) ولمسيحية متجذرة. لقاءاتي مع المؤمنين شدتني اليهم وادهشني ايمانهم وتعلقهم بالرب وبالكنيسة. كانت زيارة مسكونية زرت فيها جميع الكنائس وشددت على الوحدة والتعاون من اجل حمل فرح الانجيل. كذلك لقاءتي المتعددة بالمسؤولين في الجمهورية الاسلامية كانت فرصة لتبادل الهموم والتعبير عن الحرص في ارساء سلام عادل وثابت يعيش فيه المرء بكرامة من دون خوف ولا مشاكل. وكانت هناك آذان مصغية من طرفي ومن طرفهم. إني اعدها زيارة مهمة. لقد كان كل ذلك لقاء وعيدا وزمنا قويا!
-لدينا ضمن جماعاتنا ببلدان الانتشار، عائلات من أصول ايرانية، تتفاوت ظروف خروجهم من ايران واسبابها. لكن معظمهم ينظرون اليها بروح الانسلاخ، وبكونها بلاد اللاعودة، مع شعور بالانتماء يكاد يكون معدما، ماذا رأيتم في أبناء رعيتكم في بلاد؟
غبطة البطريرك: صراحة انه لأمر مؤسف ومحزن ان يفتقر بعض المسيحيين في ايران والعراق الى الصبر والصمود. اجدادهم واباؤهم كانوا اقويا وواجهوا صعوبات ومتاعب جمة لكنهم بقوا وارتبطوا بارضهم وتاريخهم وحافظوا على هويتهم. الصعوبات نجدها في كل مكان، ومن بقي من المسيحيين واجه الصعوبات وثبت، والله يعطينا قوة ونعمة. ثم لا ننسى: العالم يتغير. ولا توجد حالة ثابتة الى الابد سلبا او ايجابا..
– في بلد لا يتكلم رسميا العربية، ومع رعية لا تتكلم غبطتك لغة بلادهم الرسمية الفارسية، كيف كان التداول معهم بمستوى اللغة الكلدانية السوادية التي يتداولونها والمصفاة من العربية أو الانكليزية ولا بد وان تكون متأثرة باللغة الفارسية؟
البطريرك: جميل ان الكل يتكلم لهجة واحدة هي لهجة اورمية ( اورمجنايا) التي تختلف عن السورث الذي تعودنا عليه. دبّرت امري. اعتقد ان وحدة اللغة تساهم في وحدة القلوب والكنائس. شعرت انهم كنيسة واحدة بالرغم من اختلاف التسميات. مع المسؤولين في الحكومة كنت اتكلم العربية ولمن لا يعرف العربية قام بالترجمة مشكورين كل من المطران رمزي كرمو في طهران وفي اورمية المطران توما ميرم..
كنيسة واحدة وشعب واحد
– من خلال لافتة عن تقديم هدية لغبطتكم تم ملاحظة التسمية من قبل الجهة مقدمة الهدية، فوردت عبارة: الكنيسة الاشورية الكلدانية الكاثوليكية. ما هو المتداول بسلاسة في الساحة هناك عن انتماء ابناء كنيستنا. وبأي انطباع خرجتم عن مستقبل مسيحيينا في إيران ولنا فيها ابرشيتان كلدانية.
مار لويس: يقيني هو ان اننا كنيسة واحدة وشعب واحد بتسميات مختلفة قسمتنا اكثر كاكليريكيين كما كشعب.وفي ايران، التسمية (الكلدان والاشوريين الكاثوليك) تسمية دارجة تعبر عن العقيدة الواحدة وقد تبنتها ابرشيات اخرى مثل ابرشية مار بطرس الرسول في سان دييكو.. اما مستقبل المسيحيين فكلي رجاء بانه سيكون افضل وان الحرية الدينية قادمة لا محالة وان الانسان سيختار دينه ومذهبه كما يريد من دون ضغوطات.. ما نعيشه هو من القرون الوسطى.. لابد الا يكون اكراه في الدين وان تحترم الحريات الشخصية.
استقبالات حميمية وصادقة في كنيسة المشرق
– على مستوى اللقاءات المسكونية، فإلى جانب زيارتكم لكنيسة الارمن، كنيسة المليون ونصف شهيد، تم الالتفات الى الحضور المريح والهادئ والمشرق كما يتهيأ للناظر من خلال تواجد سيادة المطران نرساي بنيامين مع غبطتكم لأكثر من مناسبة، ما هي التطلعات المرشحة عن لقاءاتكم معه وكانت اشبه بلقاءات معايشة يومية؟
البطريرك: الاستقبالات في كنيسة المشرق كانت حميمية وصادقة.. شعرت انني في بيتي وقد التفوا حولي وكأني أبوهم، ان كان في طهران او اورمية، والشيء عينه عند الكنائس الاخرى! الحواجز يضعها الناس الضعفاء وليس الناس الذين يعتمر قلبهم ايمانا ومحبة. انا مسرور جدا ببوادر الوحدة بين كنيسة المشرق الاشورية والكنيسة الشرقية القديمة. هذه قوة!
– في لقاءات صحافية سابقة عن كنيستنا في ايران، كان واضحا بأن المعنيين في الزيارة كانوا دائما يحرصون على مراجعة نص المقابلة بحذافيرها قبل النشر، لئلا تعبر رسالة مضادة الى المراقبين في ايران، هل ثمة جدار ما زال قائما في هذا الجانب؟
مار لويس: لا أظن، على العكس كانوا مهتمين وحريصين بنقل المقابلات.. حاولت ان اكون موضوعيا وحريصا على الخير العام. المهم عبرت عما يختلج في قلبي.
-الاشياء الايجابية التي رأيتها غبطتك واشرت اليها من باب الانفتاح، الحضور المتنوع وحضور العنصر النسوي، وغير ذلك، هل كلها تتناظر مع كفة مقابلة ينظر فيها الى ايران بغير هذا المنظار؟
غبطة مار لويس: اعتقد ان الامر مرتبط بالمجتمع، بالعقلية وبالثقافة. انه نوع من النظام كما كان في السابق موجودا في بلدان اخرى،. ارى ان الايرانيين منفتحين. لاحظت ان الحضور النسوي موجود في كافة المجالات ومؤثر. وهذا سيساهم في التغيير.
الديمقراطية الغربية غير ملائمة للتطبيق في البلدان الشرقية
– سؤال لغبطتك التصرف بشأن الاجابة عنه بنعم أو لا أو بأي شرح، أو بالترك: هل رجعتم من هذه الزيارة وفي ذهنكم تصور عن ان نهج جمهورية ايران الاسلامية، هو مشروع وجاهز للتصدير؟
غبطة البطريرك: انا لست مؤمنا بالانظمة الجاهزة والتي تفرض خصوصا في عالمنا اليوم. انظر ماذا فعل الامريكان بمشروع الديمقراطية. الديمقراطية الغربية غير ملائمة للتطبيق في البلدان الشرقية. أعتقد ان لكل بلد ثقافته ومجتمعه وهو قادر ان يختار النظام الذي يلائمه.. يمكن ان تكون هناك قواسم مشتركة للشيعة في كل مكان، كما للسنة وللمسيحيين من دون الدخول في التفاصيل الدقيقة والا المشاريع الجاهزة تخلق مشاكل غير متوقعة!
– هل لنا أن نسأل مع هو انطباع ايران، عن المشروع العالمي والاقليمي لإزالة الوجود المسيحي من المنطقة؟ هذا ان كان لنا أن نسأل أو نعبر الى السؤال اللاحق؟
– ايران لا تعمل من اجل ازالة الوجود المسيحي كذلك الدولة في العراق. قد تجد هنا وهناك اشخاصًا متشددين او تيارات متطرفة تزيل كل من لا يسير وراءها.. الكل يقول ان المسيحيين اصلاء وهم ورود ولهم دور في الحضارة العربية والاسلامية.
– هل كان يكفي لقاؤك، غبطة البطريرك، بالمستويات الرفيعة الدينية في الدولة الاسلامية ليعوض عن عدم لقائك برئيس هذه الجمهورية بصفتك اعلى مرجع ورئيس ديني لكتلة مسيحية مهمة في العراق المجاور؟ وبصفتك جليس البابوات والمتحدث في البرلمان الاوربي ومجلس الامن؟ أم ان اهتمام غبطتك كان منصبا على الزيارة الراعوية.
المشكلة فنية. ان زيارتي تزامنت مع زيارة فخامة رئيس الجمهورية العراقية كما حصل ايضا في تركيا، وانا مسرور بمن التقيتهم.
-هل لنا ان ندرج هذه الزيارة ، على المستوى الرسمي، في خانة الزيارة لجهة لدى البطريركية معها علاقات ودية ان لم نقل دبلوماسية، و نتعامل معها بفن الممكن.
وهل شدت الى غبطتك دالة من المودة والحميمية من جانب اي من الرموز الدينية التي التقيتها؟
الجميع اشعرني بالمودة والاحترام وشكرني على طروحاتي.
مقارنة بإيران، في العراق لا توجد دولة ثيوقراطية
– هل كنت تشعر بالارتياح بالتعامل والتداول مع رموز دينية من منطلق موقعهم الرسمي والسياسي في الدولة،؟ وتحديدًا هل ثمة ما يميزهم عن المدنيين المسؤولين في الدولة، أم ان لهم في قيادة الدولة موقف وفي المسجد موقف.
اعتقد يوجد تطابق.. هو نظام ديني تحسه في كل مكان.
من خلال تعاملك ولقاءاتك مع رجال دين في العراق، بموقع رسمي في البرلمان، او في وزارة الأوقاف، هل وجدت في ساستنا من رجال الدين، نسخة أمينة لنظرائهم في الدولة الجارة.
هناك اختلاف بين ما موجود في العراق وما هو قائم في ايران.. ثم ان الوجود المسيحي في العراق اكثر كثافة ومشاركة في كافة مفاصل الحياة.. في العراق لا توجد دولة ثيوقراطية.
لا للحروب على وجه الارض والى الأبد
سؤال أخير سيدنا، وشكرا لسعة صدرك: ما هو انطباعك في ايران وانت تزورها كعراقي، هل كان يوحي لك تعاملهم بشأن العراق الجار، هل كان يعتبر من قبلهم كبلد صديق شقيق، او بلد حليف، أم أن ثمة بينهم علاقة جار ومجرور.
تكلمت عن حسن الجوار وعن ان ايران قوة اقليمية يمكن توظيفها لإرساء السلام والاستقرار ودعوت الى المصالحة بين الشيعة والسنة والى احتضان المكون المسيحي. شعرت ايضا بثقل الحرب الايرانية العراقية في كل مكان: صور للشهداء وشوارع ومحلات تحمل اسماؤهم كما شعرت بالأسرى العراقيين الذين ماتوا او فقدوا وعائلاتهم وصليت ان تنتهي الحروب عن وجه الارض والى الابد..