أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / أنسعى للبقاء ام نخشى الفناء

أنسعى للبقاء ام نخشى الفناء

في البدء
    من المؤكد نحن اليوم أمام مستقبل مجهول، وشعورنا بالوطن وبقدسية ترابه
والانتماء إليه أصبح في خبر كان بل حتى في خبر إنّ، لا بل نلوم الوطن ومَن أتوا ضيوفاً وكانوا جيراننا نلومهم على طردنا دون أن نقترف إثماً بحقهم بل هم في سنين عديدة كانوا يرتزقون من محبتنا واحترامنا، وهذا ما جعل الكثير من أبنائنا يستعطوا ليكونوا مسجَّلين في سجلات الرحيل لأجل راحة البال وحقيقة الحياة وكان ذلك مبتغى الإرهاب ونداء الأشرار، وحتى في رحيلنا نخاف هل سيقبلوننا نزلاء أو سنبقى دخلاء، وإنْ كُتب علينا أننا مهجَّرين ومهاجرين، وهل ستطول مدة بقائنا في الأرض التي أرادتنا ضيوفاً؟، وهل فعلاً سيكون رحيلنا إلى البعيد البعيد عبر البحار والمحيطات، عبر القارات والمحطات، فالأمر لا يكهن به حتى كُهّانه المصريين وسحرتهم، كما ليس من السهولة أن تُرسَم لنا مسيرة الحياة وقد نحتاج إلى سنين وأعوام… فلماذا، نعم لماذا؟، ألم نكن أصلاء بيوتنا وأحجار مساكننا، فلماذا الذي حصل؟

    البابا فرنسيس
    ندّد البابا فرنسيس بالاضطهاد الذي وصفه بـ “الوحشي” الذي يمارَس ضد الأقليات، وأدان البابا قتل وتشريد السكان في مدنهم وقال:”أمام أعيينا وأمام صمتنا، إنهم هيرودس المعاصرين الذين تلطّخت أياديهم بالدماء. أفكّر أيضاً في الأطفال الذي يُقتَلون في هجمات بالقنابل”. وقال ايضا بابل هي رمز للشر والخطيئة، وهي تسقط بسبب الفساد،هذا ما قاله البابا فرنسيس في عظته في القداس الالهي ليوم الخميس، 27 تشرين الثاني 2014، القديسة مرتا فقد كانت تعتبر نفسها سيدة على العالم وعلى ذاتها، ولكن عندما تكثر الخطيئة تضعف القدرة على المواجهة ويبدأ العفن والانحلال، وهذا ما يحصل أيضاً مع الأشخاص الفاسدين ذلك لأن الفساد يمنحكَ أولاً بعض السعادة والسلطة ويجعلك تفتخر بذاتك فلا يترك مكاناً للرب ولا للارتداد. ففساد الخطايا المتعددة، هوفساد الروح الوثني وروح العالم، وهذا النوع من الفساد هو الأسوأ. وهذه الثقافة الفاسدة تجعلنا نشعر بالاكتمال والاكتفاء كما ولو أننا في الجنة، ولكنها عفنة ومُنتَنَّة في داخلها. وفي صورة بابل يمكننا أن نرى كل مجتمع وكل ثقافة لا بل كل شخص بعيد عن الله وعن محبة القريب. فهل نحن شبيهون ببابل الفاسدة المكتفية بنفسها أو بأورشليم المتلهية.

    ملء العقول
    وستبقى لماذا.. تُزعج مضجعي وتبلبل أفكاري حتى أوراقي؟… لماذا كانت لماذا… كي نعيش هذه الحالة البائسة؟… أليست المقالات والبيانات والتعقيبات والردود وحضور المؤتمرات وإلقاء المداخلات وغيرها من الأمور أن تصنع لنا معجزة فتظهر وتشرح لنا لماذا حلّ بنا ما حلّ. فشعبنا التائه والمشرَّد، المسكين الضائع، المهجَّر والنازح، بدأ يتقزز من كل الأحداث والحوادث ومن رائحتها الكريهة، فربما حاملوها ليسوا مخلصين لقضيتهم أو لا يهمهم حمل الصليب الذي فُرض عليهم. فنحن اليوم لسنا بحاجة إلى مناصب وزيارات تعاطفية لمسؤولين وإداريين ودوليين إلى لاجئينا وإنْ كان هذا في باب القبول، ولكن ما نحتاج إليه إلى ترجمة هذه العواطف وهذه الاحترامات إلى أعمال حقيقية على أرض الواقع وفي صفحات الدستور، وهذه هي الشهادة للحقيقة، لأن الحقيقة _ وإنْ كان قسم منها في ملء البطون _ ولكن الحقيقة الثابتة هي في ملء العقول كي تملأ البطون. فأرضنا بيعت، ومساكننا نُهبت، وأديرتنا دُنّست، وكتبنا أُحرقت، وأسأل لماذا هذا كله؟، نحن لم نقترف شيئاً بحق الأشرار والصالحين، وهذه هي الحقيقة بعينها .

    قديم وجديد
    أمام هذا كله ولا زلنا حتى الساعة لسنا بمستوى يؤهلنا تجاوز مشاكلنا الداخلية وتعويض خسائر شعبنا وإيجاد مجال للثقة والرجاء بالعودة والبناء من جديد، ولسنا بمستوى من الإيمان في خلع الإنسان القديم ولبس الإنسان الجديد (أفسس 24:4). وإذا كان هذا لحد الساعة فمن العبث الحديث عن حقوقنا وعن وحدتنا، فالصلاة الموحَّدة لا تنبع من الشفاه بل تلهج بها القلوب، وليست صفاتها القوة والتأسف بل دليلها دموع الألم والحب كي تصل إلى الفداء وله ينبغي أن يكبر ولي أن أنقص (يو30:3). فكلنا نريد أن نكبر، ولا أحد منا يريد أن ينقص لتظهر الحقيقة والكلمة، وفي البدء كان هو الذي علّمنا أن نثق به حتى الموت (يو27:16). فنحن لسنا بحاجة إلى شفقة كمستَعطين في شوارع العالم، بل حالنا يجب أن يكون كبقية أطياف ومكونات وأصلاء البلد، لذلك علينا أن ندرك جيداً كيف نمدّ الأيادي نحن في الداخل وأبنائنا في الخارج فنكون صوتاً واحداً وحقيقة واحدة في محاربة فساد المحسوبية والمحاصصة، وكفى الخنوع والخضوع باتّضاع _ وليس بتواضع الذات حيث تعليم السماء _ لأشخاص مزيفين يرسمون لنا مسيرتهم وعلينا أن نكملها حرفياً شئنا أم أبينا وإلا كنا من الضالّين.

    واقع اليم
    نعيش اليوم واقعاً مريراً، بل قاسياً، بل اضطهاداً بالحق والحقيقة. فهل لا زالت الكبرياء والأنانية تتسلط على بَنات أفكارنا؟، هل لسنا بعدُ بالمستوى الذي يؤهلنا تجاوز مشاكلنا الداخلية وبجوانبها المتعددة؟، هل لا زال هناك عدم الفهم والتحزبات والمحاصصة والصداقات والمحسوبيات والاصطفافات الضيقة من آل البيت أو من الأقرباء والتي أضاعت على الواقع حقيقته فأصبح الفساد نزاهة، والكذب حقيقة، والمراوغة والإلتواء سبيل النجاح، والغش علامة الفوز بالآتي… أليس الواقع الأليم هذا من صنع أنانياتنا وكبريائنا ومحسوبياتنا؟، ألا نتحمل جميعاً المراتب الدنيا إلى العليا وكل واحد جزء منه، إنه خلل لا نعرف دواءه وإنْ كنا نعرف داءه، وحدّث ولا حرج في ذلك، فالحقيقة ستُبان إنْ الآن أو لاحقا.

    طال ليلنا
    ما أطول ليلنا ولا أعلم إن كان ينجلي، فقوى معروفة بأهدافها من مشرقنا أو من غربنا تريد اقتلاعنا من هذا المشرق، مهد المسيحية، أصلاء الأرض وأصيلو الحضارة، وأقولها _ والخوف والفزع يدغدغ أفكاري ومسارات دمائي _ إنها تنجح ونجاحاً باهراً، مرة في الرحيل وأخرى في الأرض الموعودة، وثالثة في الخطف والسلب والنهب وأخرى بأفكار بائسة ويائسة مليئة بعدم الثقة والرجاء حتى وإن كان الإيمان إيماناً بالمسيح الرب إضافة إلى الشكوك، إنها مكائد ومؤامرات تُحاك أمام عيوننا ويقرأونها على مسامعنا ولا أعلم هل كنا ندرك مداها كي نمدّ أيادينا إلى مَن ينقذنا فنحن شعب لا نعرف إلا بساطة المسيرة سذَّجاً نصدّق الكل وكل شيء من غير فهم ولا حيطة ولفقرنا نستَغَل وليس مكائد الحياة لبقية الشعوب كما يقول المثل “يقتلونه ويسيرون في جنازته”… يقتلونهم ويغسلون أياديهم علامة لبراءتهم، يقتلونهم ويعلنون أنهم المدافِعون عن حقوقهم وهم الأَولى بالمعروف والركوع والخضوع والخنوع، وهم المستمعين صراخ الفقراء “بالروح بالدم نفديك يا باشا”. ويبقى السؤال: لماذا ولماذا ولماذا؟… إنها لماذا بقدر دموع الرجال حيث تحت أقدامهم اهتزت الأرض فزعاً واضطربت خوفاً… إنها لماذا المسيح حيث قال لخادم قيافا:”لماذا تضربني؟”… نعم، لماذا تضربني؟.

    العمل غائب
لماذا ونحن نحتفل بالذكرى الأليمة لمرور سنة على طردنا وتهجيرنا، السادس من آب (أغسطس) 2015، والعمل الدولي غائب وبدون تنسيق وغير مبالٍ بمسيرتنا المؤلمة، فأحبارنا الأجلاء كانوا يوماً أمراء على منصاتهم وصرخوا وأعلنوا بأعلى أصواتهم “يا قوم، يا عالم، هناك شعب يموت، هناك شعوب تُستأصل من جذورها، هناك أصلاء يُطرَدون من أرضهم، ورؤساء كنائسنا وغبطات آبائنا ركبوا البحر والجو والبرّ وقابلوا واستقبلوا كبار الدنيا ومخططي المؤتمرات والأوطان ومنسقي الأزمنة وسمعوا وعوداً وتمنيات ولا زال لحد اليوم لم نشهد حلاً أو بشارة بحلٍّ سريع وشامل لقضيتنا، فإن كانت قضية فلسطين قد باعها أعرابنا أخاف نحن أيضاً لا نبيع قضيتنا بسكوتنا وقبولنا بواقع كُتب على جباهنا وأُودع في قلوبنا وما علينا إلا أن نخضع خانعين أو خائفين ولكن ثقتنا مهما ملك اليأس على قلوبنا فرجاؤنا بمسيرتهم الشاهدة يكون انتعاشاً ليس إلا!… ولكن أقولها خائفاً أن لا تطول حتى قضيتي كما طالت قضية فلسطين حينذاك سيخرس لساني إلى الأبد.

الاضطهاد لماذا
نعم، نستمر بسؤالنا: لماذا كُتب علينا الاضطهاد، ولماذا حتى الساعة نخاف فنهرب ونتزعزع، والإعلان يُعْلِمنا أنها مؤامرة إقليمية دولية؟… ما يخيفنا بعدما حلّ ما حلّ بنا، هل حققت المؤامرة أهدافها وهل اكتمل مخططها، أم لا زالت هناك زوايا مظلمة في مسيرة نعتبرها حقوقية للإنسان وحياتية للشعوب؟، لماذا نحن قبل مائة عام مجازر ومذابح بسبب مصالح أهل الحروب البائسة، فيها كان المسيحيون ضحايا وكِباش فداء؟… وهاهو التاريخ يعيد نفسه بصورة بشعة في زمن منظمات تدّعي إنسانيتها فهي تتحسّر علينا ولا حلّ في يديها، فقد كُتب علينا أن ندفع ضريبة الشر لوحشية الإرهاب، ضريبة الماء والحياة، بل حتى ضريبة الهواء، ولا أعلم إنْ كانوا في مسيرة إنسانية أم في حقيقة حيوانية شريرة بائسة.

لنتّقِ الله
لماذا نحن شعبٌ ممزَّق بأحزابنا وأهدافنا، بتعددنا، بأعلامنا وراياتنا، أليس من الحقيقة أن نرجع إلى صوابنا وإنْ كان ماضينا لم يعلّمنا حقيقة مسيرتنا وعيش إيماننا؟، أليس من الواجب اليوم _ ونحن في هذه المحنة متخبّطون _ أن نتَّقِ الله في شعبنا المظلوم على أمره؟، أليس من الواجب أن نرجع إلى صوابنا لكي يتفقد الله بقيتنا الباقية أو ما تبقّى من شعبنا ليزيد المحبة ويفيضها في النفوس أجمعين، فنتصافح ونتنازل ونغفر ونتوحّد هدفاً ورايةً وعلماً؟، ألسنا نحن الذين زرعنا أصول الحضارة وعلامة التاريخ في أرض الأجداد وأصبحنا اليوم _ بسبب عدم تمسكنا ووحدتنا وشرذمتنا _ خرافاً أمام أشرار الدنيا في الدواعش الإرهابية حاملي عنوان الهمجية وقطع الرؤوس والسقوط الأخلاقي، وجعلوا بلدنا خراباً وعاثوا به فساداً وجعلونا أسفل السافلين، وأصبحنا في فوضى لا توصَف؟… فلا نعلم لمن نمدّ أيادينا ليخلصنا من الغرق، فبحرنا هائج وأنفسنا ترتعد خوفاً، وإيماني يقول أنْ لا أحد يخلصنا إلا يد الرب القدير.

الخاتمة
    كل يوم نتساءل: أنقبل المجازفة أم نخاف الموت؟، أنسعى للبقاء أم نخشى الفناء؟، أنحمل الصليب أم نرفض الصلب؟، كل شيء نراه، موتاً، فناءاً، صلباً. وحتى مسيرة الأيام كلها رعب، والسؤال: لماذا ولماذا؟… إنها كلمات وفقرات وألفاظ تقودنا وتسعى لتهديم حائط رجائنا وكسر معنويات إيماننا. إنها كلمات تقتلنا قبل قتلنا، بل أحياناً كلمات تنافي مسيحيتنا وربما كلمة الشكوك وقطع الرجاء هي العليا، نعم رفض الرجاء وإبعاد الإيمان، وفي النتيجة لا حياة، بل بعيدة عن حقيقة الحياة الأبدية. ولكن ما أدركه أن ربي وإلهي كتب لنا النصر بالصليب بل هو انتصر بالصليب وأرادني أن أشاركه الانتصار بالقيامة فنكون صوت الإيمان، فإن كان الصليب صلَبَ الموت فنحن بإلهنا المسيح الحي أبناء قيامة، أبناء الحي بين الأموات، نعم وآمين

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.