أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / عن خلاص العالم

عن خلاص العالم

<وإنْ سَمِعَ أحَدٌ كلامي ولم يحفظه فأنا لا أدينَه لأنّي ما جِئتُ لأدين العالم بل لأُخَلِّص العالم. مَن أعرَضَ عَنّي ولم يقبل كلامي فله ما يَدينُه: الكلام الذي قلتُه يَدينُه في اليوم الأخير> يوحنا12: 47-48.
عندما يجري النقاش في عصرنا الحالي عن تحديات العصر والسُّبُل الناجعة لمعالجتها وايجاد حلول للكثير من مشاكل الحياة المستعصية، وغالباً ما يتمحور النقاش حول الأمور الإقتصادية والسياسية والإجتماعية. والمبادرون لمثل هذه النقاشات هم على الأرجح من أبناء الجيل الصاعد. وإنَّ أول ما يتبادر اليوم الى ذِهن البعض من هؤلاء الشباب هو تأكيدهم على عدم قدرة الإنسان على تغيير اسلوب حياته، بمعنى أن هذه المُعضِلة تكمُن في صميم الحياة، ويُنظر الى مثل هذا البعض بأنَّه ذو نظرةٍ تشاؤمية للحياة. أما البعض الآخر فيقول: لكي يستطيع الإنسان تغيير اسلوب حياته لا بدَّ له ليس فقط الحصول على حوافز اقتصادية او مالية بل أن يتحلّى أيضاً بمُثِل عليا ليستنير بها ضميرُه فيكون قادراً على مجابهة تحديات العصر.
إذاً نحن مع نقيضين من البشر لكُلِّ نقيض رأيه الخاص، وفي الوقت الذي أحترم رأييهما، فإن الألم يعصر قلبي بأن مثل هذه النقاشات او الحوارات تدور بعيدا عن ذِكر الإله! ولا يستنير المتحاورن بما رسمه الله من منهجٍ لخلاص العالم من مشاكله. وأنا بهذا أعبِّر عن رأيي الصريح وليس توجيه الإنتقاد فحسب. بأنَّ إغفالَ الله أو تجاهلَه لا يُساعدان على حَلِّ معضلاتنا. وما ذكرتُ هذه المقدِّمة التي يعيشها إنسانُ اليوم إلا لكي منها أدخل الى شرح موضوعي المعنون أعلاه الخاص بخلاص العالم استناداً الى تعاليم انجيل الرسول يوحنا.
لقد شكى يوحنا الرسول من موقف الكثير من اليهود المقاومين لرسالة يسوع الخلاصية < أتى يسوع بجميع هذه الآيات بمرأًى منهم، ولم يؤمنوا به، فتمَّت الكلمة التي قالها النبيُّ أشعيا: “يا رب، مَن الذي آمن بما سَمِعَ مِنّا؟ ولِمَن كُشِفت ذراعُ الرب؟” لم يستطيعوا أن يؤمنوا، لأنَّ أشعيا قال أيضاَ: أعمى عيونَهم وقسّى قلوبهم لئلاَّ يُبصِروا بعيونهم ويفهموا بقلوبِهم ويرجعوا فأشفيهم. قال أشعيا هذا الكلام لأنَّه رأى مجدَه وتكلَّم في شأنه >. يوحنا 12: 37 – 41.
كان محور رسالة المسيح المناداة برسالة الخلاص وفي سبيل ذلك لم يغفل حتى بقعة واحدة من كُلِّ انحاء البلاد اليهودية وما جاورها بدون افتقادها، مُعلِّماً الجماهير، مُجترحاً المُعجزات ومعطياً الآيات وصانعاً العجائب التي تشهد للملأ بأنَّه المُرسلً من الله لإنجاز مهمته الخلاصية المتعلقة بخلاص البشر. ظهر المسيح طبقاً لوصف الأنبياء، إنساناً مُتواضعاً مُحِبّاً لسائر البشر، وهو كلمة الله الأزلي المُتجَسِّد من أجل القيام بمهِمةٍ فريدة فائقة السمو! كانت رغبته من الأعمال الباهرة التي قام بها أن يؤمن الناس به تلقائياً لا عنوة ولذلك قال الرسول يوحنا: < أتى يسوع بجميع هذه الآيات بمرأًى منهم ولم يؤمنوا > يوحنا 12: 37.
شاهدَ وسَمِعَ أبناءُ الشعبُ اليهودي المُعاصِرون للمُرسل الإلهي يسوع وهو يُعلِّم كمَن له سلطان لم يسبقه إليه أيُّ مُرسل آخر من الذين عاصروا أسلافهم، مُعجزات شفاء المرضى المصابين بمختلف أنواع الأمراض، الشياطينُ يُطردون، العميانُ يُبصِرون، العُرجُ يَمشون، البُرصُ يَبرأُون، الصُّمُّ يَسمعون، الموتى يقومون والفقراءُ يُبشَّرون، ومع كُلِّ هذه الخوارق التي عاينوها لم يؤمنوا. إن ما دفعهم الى عدم الإيمان يا يسوع الفادي هو كشفكَ لواقع حالتهم الروحية، بكونهم للخطيئة أسرى وللشيطان عبيدا، ما أرادوا الإعتراف بملكٍ وديع متواضع، ليست مملكته من هذا العالم، دخل اورشليم ممتطياً ظهر حمار لا حصان ولا مركبة ملكٍ! أرادوا ملكاً أرضياً يُحرِّر بلادهم من استعمار الرومان، يسحق جحافلهم ويُعيد المجد لمملكتهم كما كانت في عهدي الملكين داود وسليمان!
نزولُ كلمة الله الأزلي من السماء وأخذُه جسداً بشرياً من مريم العذراء وحلولُه بين البشر تمَّ لغايةٍ نبيلة هي تنفيذ مهمة فريدة، إنقاذ البشرية الرازحة تحت سطوة الشيطان والخطيئة، لكنَّ رؤساء اليهود كانت نظرتهم عن المسيّا عكسية أرضية لا سماوية، فلم يؤمنوا بيسوع وتعاليمه المحيية التي ختمها بهذه الجملة الصريحة < مَن آمنَ بي لم يؤمِن بي أنا بل بالذي أرسلني. ومَن رآني رأى الذي أرسلني > يوحنا 12: 44-45. كما كانوا يتباهون بأنهم المؤتمنون على الوحي الإلهي وأنَّهم يعبدون إله الآباء ابراهيم واسحق ويعقوب الحقيقي. ولكنَّ يسوع لم يُنكِر ذلك حيث قال < أنا اعلم أنَّكم نسلُ إبراهيم ولكنكم تُريدون قتلي لأنَّ كلامي لا يجد إليكم سبيلاً. أنا اتكلم بما رأيت عند أبي وأنتم تعملون بما سمعتم من أبيكم. أجابوه: إنَّ أبانا هو إبراهيم. فقال لهم يسوع: لو كنتم أبناء إبراهيم لعملتم أعمال إبراهيم. ولكنَّكم تُريدون الآن قتلي، أنا الذي قال لكم الحقَّ الذي سمعته من الله، وذلك عمل لم يعمله إبراهيم. وأردف يسوع وقال لهم: لو كان الله أباكم لأحببتموني لأني من الله خرجتُ وأتيت. وما أتيتُ من نفسي بل هو الذي أرسلني. لماذا لا تفهمون ما أقول؟ لأنكم لا تُطيقون الإستماع الى كلامي > يوحنا 8: 37-43.
وواصل يسوع الكلام مُعيداً ما قاله في أوقات سابقة < جئتُ

أنا الى العالم نوراً فكُلُّ مَن آمن بي لا يبقى في الظلام > قال يسوع هذا مفصحاً عن واقع بشري غير مستقيم واليم معاً، إذ منذ عصيان الإنسان الأول ومخالفته لوصية الله خالقِه، طرأ تغيُّر على حالته الروحية التي كانت نيرة فغدت مظلمة، فمجيء المسيح كان لإعادة النور إليها.
وقبل أن يَدخُلَ يسوع الى مسرح الآلام التي من أجلها جاء الى العالم لكي ينتشله من هوَّة الخطيئة الساقط فيها، < ولِتكون به الحياة الأبدية لكُلِّ مَن يؤمن. فإنَّ الله أحبَّ العالمَ حتى أنَّه جاد بابنه الوحيد لكي لا يَهلِك كُلُّ مَن يؤمِن به بل تكون له الحياة الأبدية. ذَكَّرالناسَ ثانيةً بكلماته الأخيرة المُعَبِّرة عن كُنهِ رسالته الخلاصية الكبيرة قائلاً: < وإنْ سَمِعَ أحدٌ كلامي ولم يحفظه فأنا لا أَدينه لأنّي ما جئتُ لأَدين العالم بل لأُخلِّص العالم. مَن أعرضَ عني ولم يقبل كلامي، فله ما يَدينُه. الكلام الذي قلتُه يَدينُه في اليوم الأخير لأنَّي لم أتكلَّم من عِندي بل الآب الذي أرسلني هو الذي أوصاني بما أقول وأتكلم. وأنا أعلم أنَّ وصيته حياةٌ أبدية فما أتكلَّم به أنا أتكلمُ به كما قاله لي الآب > يوحنا 12: 47-50.
وأخيراً أيها الأحباء قراء مقالي التفسيري هذا، إنَّ البشر مهما كانوا صريحين في حواراتهم مع بعضهم البعض، ومهما كانوا على خُلقٍ دَمِثٍ ومُثُل عليا. كُلُّ ذلك لن يُجديهم نفعاً في حَلِّ مشاكلهم ومُعضِلاتِهم الحياتية بدون استعانتهم بالحكمة الإلهية، فقد قال المسيح الرب: < بمعزل عني لا تستطيعون أن تعملوا شيئاً > يوحنا 15: 5. فرحماكَ أيها الآب الأزلي، إمنح كُلَّ الباحثين عن الحقيقة ولا سيما أبناء الجيل الصاعد الرغبة والإندفاع للتأمُّل بكلام الإنجيل المُحيي والعمل به ليُثمِر في حياتهم الإستحقاق للتمتع بالحياة الأبدية آمين.

الشماس د. كوركيس مردو
في 14 / 8 / 2015

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.