أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / مواعظ الأسبوع المقدس: الفصح، وجمعة الآلام وأحد القيامة

مواعظ الأسبوع المقدس: الفصح، وجمعة الآلام وأحد القيامة

مواعظ الأسبوع المقدس: الفصح، وجمعة الآلام وأحد القيامة

+ البطريرك لويس روفائيل ساكو

إن نصوص أناجيل هذا الأسبوع لم تكتب لتقرأ فحسب، بل لتفهم ويتأمل فيها على ضوء الكتب المقدسة وأوضاعنا الحالية لكشف معناها. بعمق وليس بسطحية، وتترجم إلى أفعال في حياتنا كأفراد وجماعة/ كنيسة

خميس الفصح: الحبّ هو كل شيء

 

القراءات
الأولى من سفر الخروج (12: 1 – 20) تروي خبر فصح العبرانيين أي عبورهم من أرض العبودية إلى أرض الحرية.
والثانية من الرسالة الأولى إلى أهل قورنثية (11: 23- 32) تقدم معلومات قيمة حول احتفال المسيحيين الأولين بكسر الخبز، أي بالقداس.
والثالثة من إنجيل متّى (26: 17 – 30) تروي خبر احتفال المسيح بالفصح الجديد.

يحتفل اليهود بالفصح كلّ عام في شهر نيسان. ويشمل الاحتفال تقديم أضحية، أي ذبح حمل وتناوله وقوفاً مع خبز فطير. احتفالٌ لا يُذكرهم بتاريخهم فحسب، بل يجعلهم يعيشونه في الحاضر، وفي حالة شكر عميق لله على كل ما صنعه من أجلهم. أما بالنسبة لنا نحن المسيحيين، فالمسيح هو الفصح الجديد، ويسمى خميس الفصح، وخميس الأسرار. وتحتفل به الكنيسة بإقامة القداس وغسل أرجل التلاميذ، لتذكّر المؤمنين باجتماع يسوع مع تلاميذه في العلية حيث أكل الفصح اليهودي معهم، ثم سلّم إليهم جسده ودمه الأقدسين ولا تزال الكنيسة إلى اليوم تحيي هذا الحدث العظيم “لذكره”.
ثمة ملاحظة مهمة جدا وردت في إنجيل يوحنا، وهي غياب الحمل الفصحى (الخروف) المذكور في الأناجيل الأخرى.. لان المسيح هو الحمل الفصحي الجديد وليس الحيوان.. اصنعوا هذا لذكري.. أي استمروا على هذا الاحتفال: التحول والعبور..، وامنِّوا ديمومته من خلال المحبة والخدمة وبذل الذات، والاندماج اليومي بالمسيح حتى لا يبقى مجرد احتفال عاطفي وسطحي وطقسي عابر، بل صلاة تحولنا إلى اهتداء عميق ومتواصل وخبز مكسور لأخوتنا بأمانة ووعي ومسؤولية.. احتفال مليء بقيم الخير والسلام والفرح والعيش المشترك.. بحيث يتحول فصحنا إلى أن: “نصير للكل كل شيء” (1 قورنثية 9/)22)، فننال مجدا وقيامة عظيمين.
إن الافخارستيا (صلاة الشكر/ القداس) تعبر عن الوحدة، وحدة البشرية جمعاء مع المسيح. فحبات الحنطة العديدة المطحونة والمعجونة التي تشكل الخبز الواحد إشارة إلى وحدة التلاميذ مع معلمهم.. وإلى وحدة المؤمنين مع بعضهم في الجوهر بالرغم من الاختلافات الظاهرة. لنقرأ نص ديداكيه الذي يعود إلى سنة 70م

 الاحتفال بصلاة الشكر
وعلى كسر الخبز: نشكرك يا أبانا على الحياة والمعرفة التي وهبتنا يسوعَ ابنك، فلك المجد إلى الأجيال.
وكما أن هذا الخبز كان منثورًا فوق الجبال، ثم جمع فصار خبزاً واحداً، كذلك اجمع كنيستك من أقاصي المسكونة إلى ملكوتك، لان لك المجد والقدرة بيسوع المسيح.
لا يأكلنّ أحد من سرّ شكركم إلا المعمّدين باسم الرب.. بعده… اشكروا هكذا: نشكرك أيها الآب القدوس من اجل اسمك المقدس الذي سكن في قلوبنا، ومن اجل المعرفة والإيمان والخلود الذي عرّفنا يسوع ابنك، فلك المجد إلى الأجيال. اذكر يا سيد كنيستك لتخلّصها من كل شـــــر وتكملها بمحبتك. اجمعها من الرياح الأربعة إلى الملكوت الذي أعددته لها، فلك المجد إلى الأبد. فلتأتِ النعمة و ليُطوَ هذا العالم.. من كان قديســاً، فلُيقْبِلْ ومن لم يكن فليَتُبْ، ” مارانا ثا” آمين. (9 و10).

الجمعة العظيمة: لا يأس مع الحياة
” فلما كان لنا هذا الرجاء، فإننا نتصرف برباطة جاش عظيمة”(2 كورا 3/21)

القراءات
الأولى من سفر اشع يا 52: 13-15 ؛ 53: 1-12 تتكلم عن عبد الله المتألم “صورة له”
والثانية من الرسالة الى غلاطية( 2-17 ؛ 3: 1-14)
الانجيل مجمع من الاناجيل الاربعة يروي الام يسوع وصلبه.

 

الرجاء حركة من الداخل، تحمل قوة للتغيير والثبات والسعي حتى يحصل. ولا يوجد إنسان على وجه الأرض ما لم يختبر شيئا من الألم جسديا أو معنويا وهو الأصعب. فحرية الأنسان محدودة. فهو يعجز عن الإمساك بحياته أو السيطرة عليها وضمان وجوده!
العالم يعيش حروباً وصراعات وكوارث طبيعية وأمراض.. ونحن في العراق لقد اختبرنا في الخمسين سنة الماضية الألم بكل أشكاله ولا نزال نختبره اليوم بشكل أشدّ، لكن الضغوطات الاجتماعية والنفسية والوضع العام يجب ألا تُطفئ النور الفصحى فينا ولا تخنق الرجاء في قلوبنا. يجب أن ننظر إلى الحياة بمجملها ولا نقف عند محطة واحدة، بل أن ننظر إلى كل الحلقات، من دون أن ننسى أن القيامة في الحياة والحياة في القيامة! ومجتمعنا يقدس الحياة. إن رسالة المسيح منذ البداية كانت رسالة الرجاء.. الرجاء السعيد لبني البشر، والكتاب المقدس هو كتاب الرجاء، وصلواتُنا مفعمة بالرجاء، ولكلماتِها صدىً على حياتنا ومعنوياتنا! موت يسوع وقيامته تغذيان فينا الأمل والرجاء.

إن الثقة تفجر مستقبلا مملوء رجاء. لنقرأ سفر حزقيال النبي في بابل (بلدة جفل اليوم بقرب من مدينة الحلة) كيف يعلن أن هذه العظام اليابسة ستعود إليها الحياة (حزقيا فصل 27). إن الأمل يحرك بديناميكيته حياة الإنسان، وأن الأشخاص الذين لهم الأمل يتمتعون بقوة للعمل..
الرجاء فضيلة لاهوتية إلى جانب الإيمان والمحبة. رجاؤنا مؤسس على الله، على وعوده والثقة بقدرته الخلاصية.. رجاؤنا مؤسس على شخص يسوع المسيح المحب (كول 1/27، 1تيمو1/1). في المسيح يصبح تاريخنا تاريخا مقدسا، تاريخا – تدبيرا يحمل كل إنسان وكل الإنسان. وهذا الالتزام بالرجاء يُعطي توجيهه السليم بحسب تصميم الله ليؤدي إلى خليقة جديدة- سماء جديدة (2بطرس3/13، الرؤيا 21/1).
والرجاء الذي تكلم عنه يسوع تعزية لمن يعيش في الضيق، لمن فقد الأمل والرجاء: لا تخافوا، لا تضطرب قلبوكم.. عزوا عزوا شعبي ( اشعيا 40/1). الإنسان لا يمكنه إلا أن يرجو هذا المستقبل من الله، وله الثقة بانه سيتحقق (عبرانيين 11/1)..
إن الأنبياء وأيوب، ويوحنا المعمدان ويسوع اختبروا جميعا ما نختبره نحن اليوم. يسوع في غمرة عذابه صرخ: إلهي، إلهي، لماذا تركتني.. لو كان ممكنا أن تعبر عني هذه الكاس.. لكن لا إرادتي بل إرادتك. الأنبياء ويسوع يتكلمون عن السلام، والخلاص، والنور والشفاء والخلود وهذه أساس الرجاء.. ” كونوا في الرجاء فرحين وفي الشدة صابرين وعلى الصلاة مواظبين ” (روميّة 12/12).
رجاؤنا موجه نحو الانفتاح على مجمل الحياة. تعال أيها الرب يسوع، ولن نجد تعبيرا اقوى عن رجائنا من هذه الصلاة. فموته وقيامته يفتحان أمامنا ديناميكية للرجاء لنتطهر ونتجدد ونتقدس لكي تتألق سمة (علامة) المسيح المتألم والمائت والقائم على وجهنا كأفراد وككنيسة تألقا ساطعا.
لتكن هذه الجمعة حقا عظيمة لكل واحد منا كما كانت عظيمة ليسوع.. ولتكن عبورا من الإحباط واليأس والملل والخوف إلى حياة متجددة ملتزمة بواهب الحياة ومعناها.

 عيد القيامة: حياة جديدة في نور قيامة المسيح

 

القراءات
الأولى من سفر إشعيا (60: 1 – 7) تتناول مستقبل اورشليم المدينة المقدسة ليس فقط من الناحية السياسية ولكن من الناحية الروحية فالمسيح آت ونوره سوف يشرق عليها والظلمة تتبدد إذا عرفت أن تكتشفه وتتبعه. المدينة المقدسة هي كنيسة العهد الجديد.
والثانية من الرسالة إلى رومية (5: 20 – 21، 6: 1 – 14) كتبها بولس نحو سنة 58 يدعو المؤمنين أن يكونوا واحدا، متخطين الضيق والألم بإيمانهم ورجائهم بالحياة الجديدة التي منحها المسيح للجميع.
والثالثة من إنجيل يوحنّا (20: 1 – 18) تروي خبر القبر الفارغ وظهور المسيح لمريم المجدليّة التي يدعوها لتكون شاهدة ورسولة.

القيامة أُمنية كلِّ أنسان، وهي أساسُ رجائه. لقد خلقنا الله على صورته ومثاله، وبالرغم من التشويه الذي سببناه ونسببه فينا، فإننا مدعوون إلى كمال الله ” كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل”(متى 5/48)، فلا بد َّمن النضوج والانفتاح والمحبة وبذل الذات على خطى المسيح القائم، وقيامته عربون قيامة كل المؤمنين، حتى لا تبقى حبة الحنطة ميتة!
القيامة أو الحياة الجديدة التي يرجوها المسيحي لا تخص نفسه (بحسب الثنائية الفلسفية: الروح والجسد)، بل شخصه، أي بكل ما أتاح له أن يصبح ما هو عليه.
لنقرأ نصوص الترائيات ونتأمل بها بعمق وليس بسطحية.
إن التقليد المسيحي حول القبر الفارغ أصيل في بشارة الكنيسة الأولى. وثمة توافق حوله بين الأناجيل. ومن سياق الرواية يتبين أن المجدلية [المرأة] هي أول من اكتشفت القبر فارغاً، ثم اكتشفه بطرس، والتلميذ الحبيب الذي لا يذكر اسمه الصريح، لأنه يرمز إلى كل مؤمن محب الله كما في حال ثيوفيلس محب الله (لوقا 1/ 4)، فالبلاغ الإنجيلي موجه إلينا.
ويبدو من ردَّة فعل الرائيين أمام القبر الفارغ: انهم تفاجأوا وصدموا كونهم لم يتوقعوا حدوث ذلك. ويعزو إنجيل يوحنا (20/13) السبب إلى عدم الفهم، لان الروح لم يكن قد منح بعد! والروح هنا يرمز إلى موهبة الفهم- الحكمة والرؤية التي يمنحها الروح القدس للمؤمن!
من سياق كلام المجدلية مع البستاني- يسوع (نرى أن الإنجيلي يربط المشهد بمشهد بالفردوس – سفر التكوين*)، يظهر أنها لم تعرفه بسبب حالته الجديدة، فهو في مستوى أخر من الوجود. وعرفته فقط عندما ناداها باسمها، هذا الاسم يعرفه المسيحيون الأولون، هو الاسم المعطى في المعمودية الولادة الجديدة: سمعان يصير بطرس، وشاؤول بولس.. الخ. وفي غمرة فرحها حاولت بعفوية متدفقة أن تعانقه ولكن هيهات، فيسوع في حالة جديدة، في حالة انتقال إلى الآب السماوي لا يمكن أن يمس، وعوض ذلك يحملها رسالة تبليغ تلاميذه بالحدث السار: ” اذهبي إلى إخوتي فقولي لهم أنى صاعد إلى أبي وأبيكم والهي وألهكم” (20/17). فالمرأة ناقلة للإنجيل ومبشرة كرفيقها الرجل.

هناك عدة عبر نستلهمها من القبر الفارغ:
1. إن النسوة مهتمات بتحنيط الجسد، وقلقات بشأن من يدحرج لهن الحجرة الكبيرة. تفكيرهن بشري قاصر، فالتحنيط هو عملية الإبقاء في الموت، والقلق بشأن الحجر يتعارض مع الإيمان الذي ينقل الجبال؟ (متى 17/20). يسوع لا يحتاج إلى التحنيط، والحجرة الكبيرة دحرجت لان الله يفاجئنا، لذا لا ينبغي أن نستسلم للإحباط واليأس من وضعننا، بل الذهاب إلى الأبعد للدخول في مستوى أخر من العلاقة “علاقة حميمية – تصوفية “، أي أن نرى الأشياء ونقيسها بمنظور جديد، وأن نكتشف المعنى العميق للأحداث والحياة.
3- المرأة في نور القيامة، صار لها حالة جديدة، علينا التعامل معها بمستوى أخر. تكتشف – تختبر – تشهد، أليست هي علامة رجاء وخلاص، برؤيتها وصبرها وإيمانها وحبها الغامر!
4. بقيامة المسيح يشعر الإنسان انه غير مخلوق للموت، للقبر، للنهاية التعيسة، بل للحياة والتجدد والغلبة والفرح، وقيامته عربون قيامتنا، وتفتح أمامنا افقأ واسعة للحياة، نعيشها في الحب والفرح. وانطلاقاً من القيامة نفهم معنى الجسد، العاطفة، الجنس، الشركة، العائلة ونقيّمها، ويغذّيها الرجاء المتطلع إلى المستقبل في حياة صلاة وانتظار وعيد واحتفال. هذا ما نلمسه في سيرة مريم المجدلية هذه الإنسانة الخاطئة والتائبة، تكتشف القبر الفارغ – القيامة، وتبدأ تنتعش وتسرع لتعلن البشرى. إنها لا تفكر بشيء آخر. هذا ما نسميه في عالم التربية والنفس بالإنسان البالغ – العميق. وثمة شرطان أساسيان لهذه الجدة: إيمان شخصي عميق هو نتيجة بحث واكتشاف وخبرة، وليس نتيجة الموروث والتقوى الشعبي الجامد والمكرر! وهذا الجهد الشخصي وحده غير كافٍ إذا ما يتم في الجماعة (الكنيسة)، ومعها ومن خلالها. وخير مثال لهذا المسار نحو الجماعة، هو توما الرسول الذي لم يقدر أن يختبر قيامة المسيح إلا عندما انضم إلى التلاميذ. وفي غمرة فرحه مثل مريم صاح: ربي وألهى..
السؤال المطروح على كل واحد منا في هذا العيد هو: هل أنا سعيد بكوني مسيحياً؟ هل أدرك تماماً أن أعيش مسيحياً سعيداً وسط ألمي وشدائدي، أي أن أبحر ضمن الجماعة إلى الأبعد في طريق الحياة الذي يمر أحيانا عبر الصحراء وليال مظلمة (الصعوبات) وهي جزء من ولادتي الجديدة؟ أنا مسيحي، هل يساعد فرح القيامة الذي فيّ، الآخرين على اكتشافه زادا لطريقهم؟
معكم جميعًا أرفع الصلاة لكي يمنح المسيح القائم من الموت القوّة لإيماننا لنكون قادرين على أن ننشر بحماس متجدد الخبر السار الذي يتردد صداه من القبر الفارغ: المسيح قام حقًا قام.
عيد قيامة مجيد لكم ولعائلاتكم ولبلدنا بحياة حرة كريمة وسلام واستقر كل عام وأنتم بألف خير.

___________
* نجدى صدى عميقا لهذا المشهد في ترتيلة القيامة “أو كنانا كما شبير برديساخ” أيها البستاني ما أجمل بستانك، فيه قبر بخدر مزدان، القبر عليه الحراس والخدر حوله الملائك، هنيئا لك يا مريم لأنك تناديني بستاني.

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.