أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / يسوع والمرأة

يسوع والمرأة


قبل الفي عام يثور يسوع على العادات البالية، والنظرة الدونية للمرأة، ويرفض الظلم الشائع باسم الدين

البطريرك لويس روفائيل ساكو

كلما أقرأ قصة المرأة الخاطئة، أو الأختين مرتا ومريم أو السامرية، اشعر بتأثر عميق وبالتضامن مع المرأة في سبيل احترام كرامتها وحقوقها ودورها في المجتمع والكنيسة.
قبل الفي سنة يثور يسوع "المعلم" على العادات البالية، والنظرة الدونية للمرأة، والتوجهات السلبية تجاهها، ويرفض الظلم الشائع باسم الدين والتقليد، ويعلم الناس أن تصميم الله هو عكس ذلك… لا نجد في تعليم يسوع وتصرفاته أيّ شيء يعكس التفرقة القائمة في عصره بين المرأة والرجل. كلُّ أقواله وأعماله تعبرّ عن الاحترام العميق الواجب اعتماده في التعامل مع المرأة. وقد أطلقَ لقب “ابنة إبراهيم” على المرأة الحدباء، فيما كان مقتصرا على الرجال “أبناء إبراهيم”، لان لله علاقة مع الأشخاص، هو إله براهيم واسحق ويعقوب يقول الكتاب المقدس، وكما نردده في قداسنا الكلداني!
المرأة ليست جسداً، بل شخصًا، ينظر إليها يسوع نظرة احترام ومحبة. انه يهتم بواقع الشخص ويظهر جماله، رجلاً كان أم امرأة من دون أن يُعطي مكانة أعلى لأحد على الأخر. لان المكانة هي لمن يعطي ويحب ّويخدم. وأسلوبه في التحدث والتعامل معها يشكّل ثورةً واضحةً بالمقارنة مع عادات ذلك العصر. كلماتُه ومواقفُه تحملُ تعزيةً وتشجيعاً لكل فتاة وسيدة لترفع مستوى وعيها لشخصها واستكمال مشوارها كما ينبغي.
المشاهد التي يرويها الإنجيل ليست أحداثاً قبل الفي عام، بل هي واقع حال اليوم في مجتمعاتنا الشرقية. كم سيدة تأتي إلى البطريركية أو الكنائس لتعبر عن المها بدموع. وتشكي الظلم والتهميش والعنف الأسري الذي لا يقتصر على الجسد، بل يشمل العنف الروحيّ والمعنويّ واللفظيّ، أي من كل ما يقتل فيها الروح والكرامة.
صراحةً هذا يهزني كأب وراعٍ في الصميم، لأنني مؤمن يقيناً أنها إنسانة بكل معنى الكلمة، ولها مواهب وإمكانيات قد تفوق أحيانا ما لدى الذكر، وان الله خلقها متساوية للرجل، وابدعها على صورته ومثاله. إنها كاملة الإنسانية وليست عورة أو ناقصة العقل والدين، أليس إلى هذه الحقيقة والبداية الممتازة يعيدنا يسوع المعلم: "فَخَلَقَ اللهُ الإِنسانَ على صُورَتِه على صُورَةِ اللهِ خَلَقَه ذَكَرًا وأُنْثى خَلَقَهم. وبارَكَهمُ اللهُ" (تكوين1/27-28). إنها الأم والأخت وشريكة الحياة ورفيقة الجهاد، وماذا أكثر؟

 

لوحة النسوة حول يسوع

ان عدد النسوة اللواتي نجدهنَّ على درب يسوع ملفت للنظر، بدءًا بمريم امه التي بإيمانها وأمومتها شاركت بفدائنا، وإليصابات (لوقا 1/42) وحنة النَبِيَّة (لوقا 2/36-38) وصولاً الى السامريّة (يوحنّا 4/1-39)، والكنعانية (مرقس 7/24-30)، والمرأة المنزوفة (متى 9/20-22) والمرأة الخاطئة التي غُفِرَت لها خطاياها (لوقا 7/36-50)، والمرأة التي أضاعت درهمًا (لوقا 15/8-10)، والأرملة التي تُضايقُ القاضي بإلحاحها (لوقا 18/1-8)، وحماة بطرس (متى 8/14-15)، والمرأة التي وضعت في الخزينة كل ما كانت تملك (لوقا 21/ 1-4)، وأرملة نائين ( لوقا7/11-17)، والحدباء (لوقا13/10-17)، وأم ابني زبدى (متى 20/ 20-24)، والأختين مرتا ومريم (لوقا 10/38- 42، يوحنا 11/1- 45، 12/1-11) والزانية التي أرادوا رجمها فغفر لها: "وأنا لا أَحكُمُ علَيكِ. إِذهَبي ولا تَعودي بَعدَ الآنَ إِلى الخَطيئة". (يوحنا 8 / 1-11)، والمجدليّة المُبشِّرة بقيامته من بين الأموات (يوحنّا 20/11.1-/ لوقا 24/ 1-8)، والنسوة اللواتي تَبِعنَه وساعدنه بأموالِهِنَّ واللائي لم يتركنَه ساعة الآلام، كما فعل التلاميذ، مثل حنّة، وسَوسَنَة و "غيرُهُنَّ كثيراتٌ" (متّى 27/ 61.56، لوقا 23/26-32).

هؤلاء النسوة تأثرن بحنان يسوع لهن، ومحبته واحترامه واحتضانه وصداقته وقبلن تعليمه. واسهمن في نشر الأيمان ونموه. انه موقف مدهش ومؤثر أن تكون المرأة في الإنجيل ورسائل بولس شاهدة للعهد الجديد. وشهادتها لا يُمكن أن تُنسى، فقد قال يسوع عن المرأة التي مَسَحَت رأسه قبل آلامه بقليل: "الحقّ أقولُ لكم: حيثما تُعلَن هذه البشارة في العالم كُلِّه، يُحَدَّث بما صَنَعَت إحياءً لِذكرِها" (متى 26/13).

 

المرأة الخاطئة (لوقا 7/36-49) التوبة- التغيير
لنقرأ لقاء المرأة الخاطئة في انجيل لوقا (7/36-49)) ظهور غير متوقع. لوقا لا يذكر اسمها كما يفعل مرات عديدة، انه متعمد لتحريك الأسئلة فينا، حتى يساعدنا أن نرى أنفسنا فيهم. تدخل إلى بيت الفريسي (أحد المعتزلة الذين وصفهم بأولاد الأفاعي)، تدخل من دون أن تكون مدعوة؟ في أدبياتنا إنها متطفلة تقتحم المشهد!
ماذا دفعها إلى الدخول، شوقها لرؤية يسوع لمساعدتها على تغيير حياتها. تعبيرها بلغ الذروة "وتَبْكي، وجَعَلَت تَبُلُّ قَدَمَيه بِالدُّموع، وتَمسَحُهُما بِشَعْرِ رَأسِها، وتُقَبِّلُ قَدَمَيه وتَدهُنُهما بِالطِّيب" يسوع لم يوبخها، بل دافع عنها وحماها. وقارن حبها بجفاء الفريسي الذي أدان موقف يسوع منها، بالرغم من انه سماه "المعلم"، أي يعترف بسلطته التعليمية، لكن لا يسوع ولا المرأة اهتما به. المرأة غير مهتمة بكلام الناس ما دام يسوع لم يدنها، لأنه نظر إليها كتائبة فغفر لها وغمرها بحنانه كما فعل مع الزانية: "من منكم بلا خطية فليرجمها بحجر؟" (يوحنا 8: 6-7). هذه المرأة مثل الزانية احتاجت لاكتشاف ذاتها وكرامتها وهويتها أمام يسوع وقطع صلتها بماضيها المظلم لتنظر إلى الأمام، إلى المستقبل المنير الذي فيه الغفران والخلاص.


"ودَعاهُ أَحَدُ الفِرِّيسيِّينَ إِلى الطَّعامِ عِندَه، فدَخَلَ بَيتَ الفِرِّيسيّ وجَلَس إِلى المائدَة. وإِذا بِامرأَةٍ خاطِئَةٍ كانت في المَدينة، عَلِمَت أَنَّه على المائِدَةِ في بيتِ الفِرِّيسيّ، فجاءَت ومعَها قارورة طِيبٍ، ووَقَفَت مِنْ خَلْفُ عِندَ رِجْلَيه وهيَ تَبْكي، وجَعَلَت تَبُلُّ قَدَمَيه بِالدُّموع، وتَمسَحُهُما بِشَعْرِ رَأسِها، وتُقَبِّلُ قَدَمَيه وتَدهُنُهما بِالطِّيب. فلَمَّا رأَى الفِرِّيسيُّ الَّذي دَعاهُ هذا الأَمر، قالَ في نَفْسِه: "لو كانَ هذا الرَّجُلُ نَبِيّاً، لَعَلِمَ مَن هِيَ المَرأَةُ الَّتي تَلمِسُه وما حالُها: إِنَّها خاطِئَة"… ثُمَّ التَفَتَ إِلى المَرأَةِ وقالَ لِسِمعان: "أَتَرى هذهِ المَرأَة؟ إِنِّي دَخَلتُ بَيتَكَ فما سكَبتَ على قَدَمَيَّ ماءً. وأَمَّا هِيَ فَبِالدُّموعِ بَلَّت قَدَمَيَّ وبِشَعرِها مَسَحَتهُما. َنتَ ما قَبَّلتَني قُبلَةً، وأَمَّا هي فلَم تَكُفَّ مُذ دَخَلَت عَن تَقبيلِ قَدَمَيَّ. أَنتَ ما دَهَنتَ رأسي بِزَيتٍ مُعَطَّر، أَمَّا هِيَ فَبِالطِّيبِ دَهَنَتْ قَدَمَيَّ. فإِذا قُلتُ لَكَ إِنَّ خَطاياها الكَثيرَةَ غُفِرَت لَها، فلأَنَّها أَظهَرَت حُبّاً كثيراً… فقالَ لِلمَرأَة: "إِيمانُكِ خَلَّصَكِ فاذهَبي بِسَلام

مريم ومرتا (لوقا 10/38-42): الإيمان والصداقة
نجد الأختين مريم ومرتا في مشهد يعبر عن صداقة عميقة ومكثفة. انه بيت عنيا، وهل هناك علاقة أعمق من اقتسام طعام المحبة حتى لو كان خبزاً وملحاً؟ هذه العلاقة ينبغي فهمهاَ بالعودة إلى إنجيل يوحنا (فصل12) أحياء أخيهما لعازر، ولربما جاء العشاء تعبيرا عن العرفان بجميله. نصوص بيت عنيا نصوص أيمان وصداقة، وموت وبكاء، قيامة واحتفال.. هذه العناوين تعبر عن علاقة حيوية وليس عن علاقة عابرة. علاقة تلمذة واتباع وخلاص وتاريخ. بيت عنيا هو أكثر من مكان، ما حدث فيه يرمز إلى مصير أكثر شمولية. انها القيامة والحياة للعازر، هي أيضا للأختين ولنا: الإيمان والصداقة هما القيامة في الحياة والحياة في القيامة: "كُلُّ مَن يَحْيا ويُؤمِنُ بي لن يَموتَ إلى الأبد. أَتُؤمِنينَ بِهذا" (يوحنا 11/25). الاعتراف بإيمان قوي بالرغم من المطبّات المؤلمة يسير نحو القيامة والحياة. هذا ما يجب أن نكتشفه!

 

العشاء عند لوقا 10/38-42)
هُم سائرون، دَخَلَ قَريةً فَأَضافَتهُ امَرَأَةٌ اسمُها مَرتا. وكانَ لَها أُختٌ تُدعى مَريم، جَلَسَت عِندَ قَد مَي الرَّبِّ تَستَمِعُ إِلى كَلامِه. وكانَت مَرتا مَشغولَةً بِأُمورٍ كَثيرَةٍ مِنَ الخِدمَة، فأَقبلَت وقالت: "يا ربّ، أَما تُبالي أَنَّ أُختي تَرَكَتني أَخدُمُ وَحْدي؟ فمُرها أَن تُساعِدَني"، فأَجابَها الرَبُّ: "مَرتا، مَرتا، إِنَّكِ في هَمٍّ وارتِباكٍ بِأُمورٍ كَثيرَة، مع أَنَّ الحاجَةَ إِلى أَمرٍ واحِد. فَقدِ اختارَت مَريمُ النَّصيبَ الأّفضَل، ولَن يُنزَعَ مِنها".

 

مشهد الأختين وإحياء لعازار (يوحنا 11/1-45)
وكانَ رَجُلٌ مَريضٌ وهو لَعازَر مِن بَيتَ عَنيْا، مِن قَريَةِ مَريَمَ وأُختِها مَرْتا. ومَريَمُ هيَ الَّتي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِالطِّيب ومسَحَت قَدَمَيهِ بِشَعرِها. وكانَ المَريضُ أَخاها لَعازَر. فأَرسَلَت أُختاهُ تقولانِ لِيَسوع: "يا ربّ، إِنَّ الَّذي تُحِبُّه مَريض".. وكانَ يسوعُ يُحِبُّ مَرْتا وأُختَها ولَعازَر، فلَمَّا سَمِعَت مَرتا بِقُدومِ يسوع خَرجَت لاستِقبالِه، في حينِ أَنَّ مَريَمَ ظَلَّت جالِسَةً في البَيت. فقالَت مَرْتا لِيَسوع: "يا ربّ، لَو: كُنتَ ههنا لَما ماتَ أَخي. ولكِنِّي ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَسأَلُ الله، فاللهُ يُعطيكَ إِيَّاه". فقالَ لَها يسوع:" سَيَقومُ أَخوكِ". قالَت لَه مَرْتا: "أَعلَمُ أَنَّه سيَقومُ في القِيامَةِ في اليَومِ الأَخير". فقالَ لَها يسوع: "أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا وكُلُّ مَن يَحْيا ويُؤمِنُ بي لن يَموتَ الى الأبد. أَتُؤمِنينَ بِهذا؟". قالَت له: نَعَم، يا ربّ، إِنِّي أَومِنُ بِأَنَّكَ المسيحُ ابنُ اللهِ الآتي إِلى العالَم". قالت ذلك ثُمَّ ذَهَبَت إِلى أُختِها مَريَمَ تَدعوها، فأَسَرَّت إِلَيها: "المُعَلِّمُ ههُنا، وهو يَدعوكِ". وما إن سَمِعَت مَريَمُ ذلك حتَّى قامَت على عَجَلٍ وذَهَبَت إِلَيه…فما إِن وَصَلَت مَريَمُ إِلى حَيثُ كانَ يسوع ورَأَته، حتَّى ارتَمَت على قَدَمَيه وقالَت له: "يا ربّ، لو كُنتَ ههُنا لَما مات أَخي)". فلَمَّا رآها يسوعُ تَبكي ويَبكي معَها اليَهودُ الَّذينَ رافَقوها، جاشَ صَدرُه وَاضطَرَبَت نَفْسُه.. فدَمعَت عَيْنا يسوع. قالَ هذا ثُمَّ صاحَ بِأَعلى صَوتِه: "يا لَعازَر، هَلُمَّ فاخرُجْ". فخرَجَ المَيتُ مَشدودَ اليَدَينِ والرِّجلَينِ بالعَصائِب، مَلفوفَ الوَجهِ في مِنْديل. فقالَ لَهم يسوع: حُلُّوهُ ودَعوهُ يَذهَب".

 

خلاصة
‏ نستنتج من كل ما سبق أن للمرأة مكانة كبيرة لدى يسوع ويجب أن تكون لها نفس المكانة في الكنيسة بحيث لا تشعر أنها كائن أدنى، هذا ما يؤكده البابا القديس يوحنّا بولس الثاني في رسالته الرسولية عن كرامة المرأة " Mulieris dignitatem" إنَّ الكنيسة تسبّح الله من أجل كافّة النساء ومن أجلِ كلِّ واحدةٍ على حِدَة…. تشكرُ الكنيسة من أجل كلِّ مظاهر "العبقريّة" النسويّة التي تجَلَّت على مرّ التاريخ، وسطِ كلّ الشعوب والأمم؛ تشكُر لكلّ المواهب التي يجود بها الروح القدس على النساء في تاريخ شعب الله، لكلّ الإنجازات التي حقّقتها بِفضلِ إيمانِهنَّ ورجائِهنَّ ومَحبَّتِهنَّ: تشكُر لكلّ ثمار القداسة النسويّة" (رقم 31).

 

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.