الثاني من الرسل:
مواجهة التهديدات بجرأة
الأب ريبوار عوديش باسه
قراءات الأحد الثاني من موسم الرسل:
الأولى من كتاب أعمال الرسل (٤، ٥ ـ ٢٢) تُظهِر إصرار اليهود على رفض الإنجيل ومضايقتهم للتلاميذ.
الثانية من الرسالة الأولى إلى اهل قورنثية (٥، ٦ ـ ١١) تدعو إلى التجديد الجذري في الفكر والقلب في إنجيل المسيح.
الثالثة من إنجيل لوقا (٧، ٣٦ ـ ٥٠) تروي توبة امرأة خاطئة، هذا يعني ان مجال رحمة الله لا حدّ له.
تفسير نص القراءة الأولى (سفر أعمال الرسل ٤، ٥ ـ ٢٢) وتأوينه:
بعد حدث حلول الروح القدس على الرسل (أع ٢)، يُسرَد في الفصل الثالث من سفر أعمال الرسل معجزة شفاء بطرس لمقعد فقير يستعطي أمام باب الهيكل (أع ٣، ١ ـ ١٠). وقد خصص طقسنا الكلداني للاحتفال بهذه الأعجوبة التي يجريها مار بطرس يوم الجمعة التي تقع في السابوع الثاني من موسم الرسل. كما يدعوها طقسنا بـ “جمعة الذهب”، لأن مار بطرس يردّ على الفقير المقعد الذي يطلب منه صدقة، قائلاً: “لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ امشِ” (أع ٣، ٦).
ما يلي هذه الأعجوبة ولغاية الآية ٣١ من الفصل الرابع هو عبارة عن ردود أفعال غاضبة من قبل رؤساء اليهود على ما جرى وما يُعَلَم من قبل المسيحيين، وإصرار الرسل على التبشير باسم المسيح. فمار بطرس لا يتوقف عن التبشير (أع ٣، ١١ ـ ٢٦)، والسلطات اليهودية تواصل مضايقتها له ولبقية الرسل (أع ٤، ١ ـ ٢٢). لكن الاضطهادات لا تثني بطرس الرسول من الاستمرار بإدلاء شهادته الإيمانية عن قيامة المسيح. وتختتم هذه الأحداث باِلتأم الجماعة المسيحية الناشئة (أع ٤، ٢٣ ـ ٣١)، لتصلي بقلب واحد شاكرة الربّ على كل نعمه، وطالبة منه بأن يمنحها الجرأة للتبشير باسمه: “٢٩ فانظُرِ الآنَ يا ربُّ إِلى تَهْديداتِهم، وهَبْ لِعَبيدِكَ أَن يُعلِنوا كَلِمَتَكَ بِكُلِّ جُرأَةٍ ٣٠ باسِطًا يدَكَ لِيَجرِيَ الشِّفاءُ والآياتُ والأَعاجيبُ بِاسمِ عَبدِكَ القُدُّوسِ يَسوع” (أع ٤، ٢٩ ـ ٣٠). ويستجيب الله لصلاتهم بمنحه إياهم روحه القدوس: “وبَعدَ أَن صَلَّوا زُلزِلَ المَكانُ الَّذي اجتَمَعوا فيه. وامتَلأُوا جَميعًا مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فأَخَذوا يُعلِنونَ كلِمَةَ اللهِ بِجُرأة” (أع ٤، ٣١).
إذن الأعجوبة التي صنعها مار بطرس وتبشيره هو ومار يوحنا باسم المسيح كانتا سبباً دفع اليهود لإلقاء هذين الرسولين في السجن ومحاكمتهما. لكن الاعتقال والمحاكمة والاضطهاد جعلها الروح القدس مناسبة لتكثيف التبشير باسم المسيح: “١١وعندَما تُساقونَ إِلى المَجامِعِ والحُكَّامِ وأَصحابِ السُّلطَةِ، فلا يُهِمَّنَّكُم كَيفَ تُدافِعونَ عن أَنفُسِكم أَو ماذا تَقولون، ١٢ لأَنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يُعَلِّمُكم في تِلك السَّاعةِ ما يَجِبُ أَن تَقولوا” (لو ١٢، ١١ ـ ١٢)، وجذب المزيد والمزيد من الناس للإيمان ببشارة الإنجيل وقبول المعمودية، حيث يذكر في النص بهذا الخصوص ما يلي: “٣ فبَسَطوا أَيدِيَهم إِلَيهما ووَضعوهُما في السِّجنِ إِلى الغَد، لأَنَّ المَساءَ كانَ قد حان. ٤ وآمنَ كَثيرٌ مِنَ الَّذينَ سَمِعوا كَلِمَةَ الله، فبَلَغَ عَدَدُ الرِّجالِ نَحوَ خَمسَةِ آلاف” (أع ٤، ٣ ـ ٤).
يقدم مار لوقا من خلال كل هذه النصوص نموذجاً للكنيسة التي يريدها الرّب يسوع. كنيسة تعلن بشجاعة وفرح عظيمين بشارة الإنجيل، مستمدة قوتها من الله، وواضعة ثقتها المطلقة به. كنيسة تصنع الأعاجيب باسم المسيح في سبيل مساعدة الفقراء والضعفاء، والمهمشين والمظلومين. كنيسة غنية بيسوع المسيح، وليس بالفضة والذهب. أما الصعوبات والعقبات، فينبغي على الجماعة المسيحية استغلالها لإعلان قيامة المسيح. ومهما عَظُمَت الضغوطات والمضايقات والاضطهادات والاعتقالات لن تستطيع إخضاع المؤمنين الحقيقيين بالمسيح على طاعة الإنسان عوضاً عن طاعة الله: “فأَجابَهم بُطرُسُ ويوحَنَّا: «أَمِنَ البِرِّ عِندَ اللهِ أَن نسمَعَ لَكُم أَمِ الأَحْرى بِنا أَن نسمَعَ لله؟ اُحكُموا أَنتُم»” (أع ٤، ١٩؛ قارن: أع ٥، ٢٩. ٣٢)، لا بل أن التلاميذ الحقيقيين للربّ يسوع المسيح يفرحون ويبتهجون بالشتيمة والاضطهاد من أجله، لأنهم بذلك يتبعون خطاه، ويعيشون تعاليمه: “١١ طوبى لكم، إِذا شَتَموكم واضْطَهدوكم وافْتَرَوْا علَيكم كُلَّ كَذِبٍ مِن أَجلي، ١٢ اِفَرحوا وابْتَهِجوا: إِنَّ أَجرَكم في السَّمَواتِ عظيم، فهكذا اضْطَهدوا الأَنبِياءَ مِن قَبْلِكم” (مت ٥، ١١ ـ ١٢).