القداس الكلداني الثاني المُجدَّد
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
كما هو معلوم ان البطريرك ايشوعياب الثالث الحديابي (649-659)، قام بتنظيم طقوس كنيسة المشرق مع الراهب عنانيشوع واخرين، وقد ابقى على ثلاث رتب قداس: اداي وماري وهي من بين أقدم رتب القداس في المسيحية، وهي ألاساس في كنيسة المشرق، وبحسب المختصين في الليتورجيا إنها تعود الى القرن الثالث، ورتبة ثانية منسوبة لنسطوريوس بطريرك القسطنطينية (386-451)، وثالثة منسوبة لثيودورس اسقف مصيصة (350-428). وثيودورس يلقب في كنيسة المشرق بـ “اللاهوتي الاعظم”. وقام ايشوعياب باتلاف عشرات الرُتب الاخرى التي كانت موجودة، نذكر على سبيل المثال رتبة لمار افرام وأخرى لنرساي.
الرتبتان لنسطوريوس وثيودورس هما رتبتان بيزنطيتان، كُتبتا في الاصل باللغة اليونانية، وهذا هو السبب انها طويلة وفضفاضة. جلبهما معه البطريرك آبا الكبير (540-552) عندما زار القسطنطينية، مع ترتيلة قدوس الله (Trisagion- ܩܕܝܫܐ ܐܠܗܐ ) وهي نشيد ثالوثي، بصيغة الغائب بقي في كنيسة المشرق من دون تغيير، بينما غيَّرها السريان ليوجهوها الى المسيح باضافة عبارة “ذاك الذي صلب من أجلنا”.
كان البطريرك آبا عالماً، ويعرف اللغة اليونانية فقام بترجمتهما الى السريانية، او استفاد من مضامينها لتاليف انافورا (الصلاة المركزية في القداس) بالسريانية، وبحسب الخط اللاهوتي المشرقي!. كما اعتنى بجمع مؤلفات ثيودورس وترجمها الى السريانية (ذخيرة الاذهان جز 1 الموصل 1905 ص171-175).
رتبة قداس ثيودورس (ܩܘܕܫܐ ܬܪܝܢܐ) يُحتفل به في زمن البشارة الى أحد السعانين، بينما رتبة قداس نسطوريوس يُحتفل به في خمس مناسبات فقط: عيد الدنح، تذكار يوحنا المعمدان، تذكار الملافنة اليونان، اربعاء الباعوثا وخميس الفصح.
القداس الثاني حاليا والثالث سابقا!
تطورت الليتورجيات عبر الزمن، خصوصاً في القرن السادس – السابع، من صلاة بسيطة وقصيرة تُلهب قلب المشاركين فيها، الى طقوس طويلة وكاملة. النص اليوناني للرتبتين غير موجود، وما لدينا هو النص السرياني.
هذه الانافورا المنسوبة في الكتب الطقسية المطبوعة عند الكلدان والاشوريين الى ثيودورس، هي على الارجح لنسطوريوس بحسب بعض المختصين في الليتورجيات، (الاب منصور فان فوسيلن النوافير المشرقية ن بغداد 2018 ص 87)، ويشير اليها نرساي في الموعظة 17 في شرحه للقداس.
هذه الانافورا تتميز بالصلوات الطويلة بالرغم من انها أقصر من انافورا ثيودورس. فيها تتكرر الافكار والعبارات، وخطها اللاهوتي هو ثيودوري: وتذكر بخصوص الروح القدس، الانبثاق من الآب وليس من الآب وألابن. تتضمن افكاراً لاهوتية وكريستولوجية، تُظهر اهم محطات حياة المسيح التي نسميها التدبير ܡܕܒܪܐܢܘܬܐ̤، وافكاراً اسكاتولوجية، وتختم بحلول الروح القدس الذي يغير الخبز والخمر الى جسد المسيح ودمه. هذه الأنافورا تنفرد وحدها بسرد قصة العشاء الاخير: “فأخذ خبزاً بيديه المقدستين، وبارك وكسرَ وأكلَ… هكذا أيضاً مزج الكأس من الخمرِ والماء، وباركَ وشكر، وشرِب وأعطى تلاميذَه .. “
التأوين
هذه الانافورا القديمة لم تكن تُستعمل كثيراً كونها طويلة واللغة غير مفهومة، بالرغم من أنها تحمل أفكاراً لاهوتية بديعة، وتُظهر فاعلية الله في الصلاة، وتساعد المؤمنين على التأمل والخشوع.
من حفزني على الاهتمام بهذه الرتبة ودراستها وترجمتها هو الأب منصور فان فوسيل المخلصي Vincent Van Vossel ، خصوصاً أننا اليوم نستعمل رتبة أداي وماري وحدها. وقد اعتمدتُ على بعض الدراسات العلمية، واخذتُ بنظر الاعتبار المتطلبات الراعوية الحالية، لان العقلية والثقافة تغيرت، فرفعتُ التكرار قدر الإمكان، وايضاً الصلوات الفردية للكاهن (ܟܘܫܦܐ) التي تعود الى القرن الثالث عشر والرابع عشر، من دون ان يتشوه المعنى. وقد حاولت ان تكون اللغة مفهومة وبسيطة لمساعدة المؤمنين على فهم النصوص والمشاركة فيها. وبعد دراسة اباء السينودس لها وللرتب الاخرى عام 2018 و 2019 وتصحيح الاخطاء واجراء التعديلات، جاءت لؤلؤة ثمينة، وقد صادق عليها الكرسي الرسولي.