أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار البطريركية / ايُّ اُسقفٍ للقرن الحادي والعشرين؟

ايُّ اُسقفٍ للقرن الحادي والعشرين؟

ايُّ اُسقفٍ للقرن الحادي والعشرين؟

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

الاُسقف- Episcopus، لفظة يونانية مستعربة تعني الساهر على “التعليم الصحيح”، أما في السريانية فتبقى لفظة ” آبون-ܐܒܘܢ ” هي المفضَّلة، لان الأولوية في حياة الاُسقف هي للابُوّة المسؤولة والمُحِبَة. الاُسقف وهو أعلى رتبة كهنوتية في الكنيسة، يرسم من قبل ثلاثة أساقفة وفق التواتر الرسولي وتعبيرا عن الشركة. انه  شخص محوري في الكنيسة. تكون أبرشيته حية عندما يكون هاجسه الرسالة وتعليمه شهادة حياة مؤثرة، ويكون اُسقف المعية ، ومؤمناً بمواهب الآخرين.

الأسقف خليفة الرسل

عندما إختار يسوع الإثني عشر رسولاً من بين تلاميذِه العديدين، أفرزهم للرسالة وأولاهم السلطة:فقالَ لَهم ثانِيَةً: السَّلامُ علَيكم! كما أَرسَلَني الآب أُرسِلُكم أَنا أَيضاً. قالَ هذا ونَفَخَ فيهم قائلا: خُذوا الرُّوحَ القُدُس” (يوحنا 20/ 21-22). وأوصاهم: “اذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم ان يحفظوا جميعَ ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كلّ الايام والى انقضاء الدهر (متى 28/ 19-20).

نستدل من هذا حضورَه الدائم في الكنيسة من خلال الروح القدس، ومساعدتَه الرسل وخلفاءَهم في مهمة التعليم والتدبير، والاحتفال بالليتورجيّا، واختيار خدام جدد بِـ “وضعِ اليد”.

 نجد ذلك في الرسائل الراعويَّة لبولس، وفي نصوص الآباءِ الاوائل. أذكر هنا رسائل اغناطيوس الأَنطاكي (استشهد عام 107)، التي ترسم صورةً شبه كاملةٍ للنظام التراتبي في الكنيسة في نهاية القرن الثاني وبداية الثالث. يقول: “اني لأرجو أن تفعلوا كلَّ شيء برئاسة أسقفكم كرمزٍ لله، والقسس كرمزٍ لمجمع الرسل، والشمامسة الذين أُحبّهم كمؤتَمنين على خدمة يسوع المسيح” (مغنيسة 6/1). ويؤسس دور الأسقف ومكانته على اعتبارات لاهوتيّة: “أن طاعتكم لا توجه إليه (الاُسقف)، بل إلى الله الاُسقف الجامع أبي يسوع المسيح. ينبغي أن تكون طاعتُكم خاليّةً من كل شائبة، لأن إحترامنا هو لله الذي احبّنا فإذا خدعنا الاُسقف، نكون قد كذبنا على الاُسقف غير المنظور” (مغنيسة 3/2). وحدة الجماعة تتمثل في الطاعة للأسقف: “عليكم أن تكونوا برأي واحد مع أسقفكم في كل ما تفعلونه. ان مشيّختكم المحترمة جديرة بالله، ومرتبطة بأسقفها ارتباط الأوتار بالقيثارة. من المفيد أن تكونوا في وحدة لا تشوبها شائبة، فهي وحدة دائمة مع الله “(أفسس 4/1، تراليان 6، فيلادلفيا 3). الاُسقف هو الشخص المختص بمنح الأسرار، وله وحده السلطة في إنتداب أشخاص آخرين للخدمة: “لا يفعلنَّ أحد منكم شيئاً، بدون إرادة الاُسقف. سرّ الشكر هو الذي يتممه الاُسقف أو من أوكلَ إليه ذلك. بدون الاُسقف لا يجوز العماد ولا ولائم المحبة “(ازمير 8/1-2) و “على الرجال والنساء الذين يتزوجون أن يكون اتحادُهم على يد الاُسقف حتى يكون الزواج بحسب الرب” (إلى بوليكربس 5/2).

 اُسقف اليوم

عالمنا الحالي تغير ثقافياً واجتماعياً وجغرافياً ودينياً وغدا “قرية رقمية”، لذا تحتاج الكنيسة اليوم الى اشخاص قياديين، لهم كاريزما خاص، كاريزما يمكّنهم من القيام برسالتهم الراعوية على أحسن وجه في هذه الظروف الصعبة، ببعد نظر وحكمة، وهِمّة عالية، وعين ساهرة ويقِظة، بصدق واستقامة. أشخاص لهم رؤية عن المجتمع، يعرفون تركيباته واختلافاته، وقادرين على التخطيط والبرمجة، يعرفون إلى من يقودون أبناء أبرشيتهم، وكيف يقودونهم.

فيما يلي بعض الصفات الاساسية الضرورية التي ينبغي ان يتحلى بها الاُسقف في كنائسنا حتى يكون لها حضور وللكنيسة دور مؤثر. وقد اصدر مجمع الاساقفة بروما، لائحة  جديدة بصفات الاسقف المنتخب. من المؤكد لا احد  منا هو كامل، لكن يجب ان يكون ثمة سعيّ متواصل نحو هذه الرسالة الوجدانية، والتي ليست بالامر السهل.

  1. ان يتمتع الاسقف بكاريزما بحسن التدبير(القيادة) والتعليم- التبشير، وتقديس النفوس.

ينبغي إختيار الاساقفة من بين الكهنة الذين لهم كاريزما الرسالة، اي من بين الكهنة الذين لهم ثقافة عالية، وروحية عميقة وإنفتاح كبير، ممن لهم مبادرات جريئة، ونجحوا في إدارة خورنتهم او ادارة المعهد الكهنوتي. الروح القيادية leadership  مطلوبة عند الاسقف بكونه المسؤول الاول في الابرشية، وخادم الشركة collegiality في الكنيسة البطريركية (السينودس) وفي الكنيسة الجامعة. يؤكد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في دستور عقائدي ” نور الامم– Lumen gentium  ان الاُسقفية هي أعلى درجات الكهنوت، أسست بارادة المسيح. وان الاُسقف يمارس سلطته كاملة بتناغم مع اُسقف روما، خليفة بطرس والراعي الجامع للكنيسة. وبالنسبة للكنائس الشرقية مع البطريرك كأب وكأخ، وتقوية العلاقة بين الاساقفة، ليكونوا فريقاً واحدا لخدمة الكنيسة وتقدمها.

  1. الاُسقف نائب المسيحvicar . ينبعي ان يعي انه وكيل حقيقي وليس ممثلاً، representative ، اي هو المسؤول عن الأبرشية بكل معنى الكلمة. ترسم وثيقة نور الامم اولوية مسؤولياته: التعليم- التبشير بكل الوسائل المتاحة، وتقديس النفوس من خلال الاحتفال بالليتورجيا (الاسرار) والارشاد والقاء المحاضرات واصدار الرسائل الراعوية. هذه المهمة ينبغي ان تاخذ كل مشاعره وتفكيره واهتمامه. على الاُسقف ان يدرك ان عمله الرعوي هو عمل المسيح الراعي الذي بذل حياته في سبيل الرعية، ويبقى هو مثاله. يعيش ما يعلمه ويعظ به، فيغدو تعليمه شهادة لفرح الانجيل، ورحمة الله، ومحبته في خدمة الفقراء. أسقف رسول ومتواضع يعرف ان يتوارى ببساطة وفرح فتترسخ ثقة الناس به.

  1. الاسقف هو أب ورأس الابرشية، هذا لا يعني ان ينفرد بكل شيء ويتسلط بعقلية اكليروسانيّة، وان يفكر ان الأبرشية ” دكّانه”، انما ان يكون اسقف المعيّة ، يعمل مع الجماعة من خلال اختيار معاونين كفوئين له من الكهنة والعلمانيين، وبالتنسيق معهم خصوصا في مجال الادارة والاموال حتى يتاح له المجال للتعليم والتبشير وتقديس النفوس، هاجسه الاول.
  2. يحسن قراءة علامات الازمنة بحسٍّ نبوي، ويوجه حياة الرعية الآن وهنا hic et nunc وليس ليقوم بممارسات محددة روتينية كما كان في السابق، وحسب انماط تقليدية.
  1. صفات اخرى اساسية مطلوبة اليوم:

 –  ان يكون ملماً بقوانين الكنيسة البطريركية وبقوانين الكنيسة الجامعة مع ما يستجد في هذا المجال باستمرار.

– ان يكون مستقراً نفسياً وحكيماً باتخاذ القرار الصائب، ويشجع المبادرات والنشاطات وتكوين فرق عمل.

– ان يحب الجميع من دون استثناء، يجمع ولا يفرق، يقرًب ولا يبعد.

– ان يكون مصغياً للرعية، مكرساً وقته لها، يهتم بالكل وخصوصاً بالذين يحتاجونه اكثر.

– ان يكون منفتحاً على الكل، وعلى كل الثقافات والأساليب، ولا ينغلق على نمط معين، فالانغلاق علامة الموت.

– أن يكون صاحب مبادرات، ولا يتحول إلى حارس نظام معين أو منفذ للطقوس، يبحث دائماً عن الجديد المفيد والمغذي.

– ان يكون مثقفاً بدرجة عالية، واقله يعرف لغة اجنبية،  يقرأ ليس لكي يواكب، بل ليكون في الطليعة : يغذي ثقافته بواسطة المطالعات والمشاركة في الندوات والدورات … ولا ينبغي أبداً أن يتوقف على المعلومات التي أخذها من المعهد لانها غير كافية وما هي إلا مداخل.

– ان يكون رجل الصلاة: للصلاة أهمية كبرى في حياته. انه مرتبط بالذي يُرسله، فإذا استمر يعمل من دون ان يعود إلى الينبوع، سوف ينضب، أو يتحول إلى اداري (موظف) عادي.

– ان يكون مستقيماً وواضحأ ودقيقاً في كل شئ (الحسابات) ولا يعمل شيئاً في الخفية، وليست له محاباة ولا صداقات ضيقة، مشبوهة.

– ان يكون شفافاً ومرهف الحس، لا يعامل الآخرين بترفع. شخص متواضع يعرف ضعفه وحدوده.

من المؤكد انه  ليس من السهولة جمع كل هذه الصفات، لكن أقله ان تكون  الاساسية منها موجودة.  من المؤسف ان بعض ابرشياتنا تعاني من الركود والمشاكل بسبب عدم كفاءة رعاتها!!

 الرعية صورة الأسقف

يقول مار افرام الرعية صورة الراعي. كما هو الاُسقف هكذا تكون الرعية. الاُسقف هو الأب لبنات وأبناء رعيته، وهو المسؤول عنهم، يعيش في سبيلهم ويوظف كل إمكانياته من اجل بنيانهم، ونموهم وسعادتهم وخيرهم . الرعية هي عائلته الكبيرة، ولكل فرد من افرادها مكانته، يسأل عنه ويتابعه سعياً لاكتشاف دوره وبلورته وتنميته. عمله لا يتوقف على الجانب الروحي فحسب، بل يمتد إلى كل الجوانب الاخرى للحياة :الإنسانية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، تأخذ كل مشاعره ووقته. يعيش في وسطهم ويهتم بهم ويتفاعل معهم معتبراً إياهم اخوة وليس قطيعاً يقودهم. فنجاحه وعزّه يتوقفان على سعادة أبناء رعيته ورضاهم. كل شيء متوقف على الروحية او الدافع: motivation الذي من أجله يعمل!

عن Maher

شاهد أيضاً

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم في ضوء الجمعيّة السينودسيّة القاريّة للكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة 12-18 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.