نحن بنات وابناء الله
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
أقدم هذا التأمل للقراء الاعزاء بمناسبة عيد صعود يسوع الى السماء.
نولدُ بكلِّ تأكيدٍ من والدَينا، لكن نولدُ ايضاً من الله: “لأنك أنت اقتنيتَ كُلِّيتي، ونسجتني في بطن أمي” (مزمور 139/13)، وبالتالي نحن اخوة واخوات، علينا أن نؤنسن انفسنا لنعيش بسلام. لقد صبَّت خطابات البابا فرنسيس خلال زيارته للعراق (5-8 اذار 2021) على تعزيز قيم الأُخوة واحترام التنوع.
بالايمان واقتبال سرِّ المعودية ننال الروح القدس، ونَعْبر بالتالي الى مستوى آخر من الولادة، الى الولادة الروحيِّة لنصبح بنات وابناء الله: “هذا الروح نفسُه يشهد بأننا ابناء الله” (رومية8/17). نصبح أبناء الله في ابنه يسوع، مركز حياتنا المسيحية، لكي نجسد ذلك في اعمالنا وسلوكنا.
هذا العبور مرتبطٌ بالنمو الروحي عبر علاقة وجدانية مدهشة مع الله، مِمَّا يُساعدنا على أنسنة ذاتنا لكي نعيش متناغمين مع انفسنا، لان من دونها نبقى منقسمين في داخلنا وفي كنائسنا. هذا النمو الروحي هو سبب سلام وسعادة لا حدّ لهما. بهذه الروحية نرى الاشياءَ بشكل آخر ، ونصلي بشكل مختلف، ونكتشف المعنى العميق لدى قراءتنا للكتاب المقدس.
هذه البنوّة الروحية تتطلب الثقة والحب والفرح وليس شيئاً آخر. فيها يقود روح الله حياتنا بشكل صحيح، ويساعدنا على التقدم بهدوء وارتياح عبر التخلي عن الذات. واعطائها له وحده ليملأها. عندها نختبر حضور الله فينا بطريقة رائعة، نُزهر بالنعمة التي يُفيضها علينا. الهنا يغدو إلهاً شخصيّاً. معه لن نشعر بالفراغ والضجر.
هذه البنوة ليست شكلية عن طريق تطبيق مجموعة أخلاقيات من باب الواجب على مثال الابن الكبير الضالّ في إنجيل لوقا (فصل 15) الذي افتقر الى القلب والروح! ولا عن طريق ممارسة بعض أفعال زهد واماتات متقطعة. هذه البنوة الروحية تخضر وتنمو عن طريق الارتباط الوجودي بالله، والوفاء له عبر عيش السرِّ الفصحي، أيّ التخلي “الزهد” في كامل الحياة.
في حال سقوطنا في الخطيئة، وهذا يحصل بسبب ضعفنا والضغوطات الممارسة علينا، يُنهضنا الله ويَقبلنا من جديد. انه يُعيد الينا بنوتَنا كما يُفهم من قصة الابن الصغير الضالّ (لوقا 15) الذي شعر بالحزن والكآبة بابتعاده عن أبيه. ولما قرَّر العودة، استقبله أبوه في الاحضان. لم يتركه يعتذر، بل منحه فرصة اقتناء قلب جديد وروح جديد وكلِّ شيء جديد (لنقرأ بتمعن رمز الحلة والخاتم والاحذية والوليمة). الاب هنا يشير الى الله أبينا الذي يُحبّنا. محبته تُغيّر فكرنا وقلبنا.
لا أحد كامل. من يدعي الكمال ناقص (يعاني من الانفصام)! هذا النمو الروحي يجعلنا نقبل ذاتنا بأوهامها وميولها وتناقضاتها وتمزقاتها وجروحاتها وخطاياها- التي هي اهانة لنا وليس لله الذي يعيننا على تخطي الكثير منها، كما فعل الابن الضالّ. فالله ينتظر ان يرانا نولد من جديد بنات وابناء له.
صورة الاب الحنون و أبنيه الضالَين (لوقا 15)
مشكلتنُا على الاغلب هي في داخلنا، في قلبنا وعلاقتنا ومواقفنا. العلاج هو ان ننزل الى كياننا الباطني ونُصحح المسيرة، مصلين بايقاع مع صلاة يسوع- صلاة الابناء: “أبانا الذي”. الله يريد ان نكون ابناء له على أيقونة ابنه يسوع، أي ان نحقق قدر الامكان ما كان يسوع عليه، بتوجهنا كليّا اليه، متخلين عن تخيلاتنا والبحث عن مكافآت وتعويضات ومساعدات خصوصا عندما تسوء اوضاعنا (صلاة مصلحة). الله يعرفنا أكثر مما نعرف انفسنا.
علينا ان نُغيِّر الذهنيَّة لتكون حياتُنا بكلِّ تفاصيلِها صلاة مستدامة. قد نحتاج احيانا كثيرة الى صلاة تأملية صامتة، شبيهة بصلاة تسليم الذات كما فعل شارل ده فوكو الذي أعلنه البابا فرنسيس قديساً يوم الاثنين 3 أيار 2021.
صلاة تسليم الذات
أبتِ… إني أسلم لك ذاتي، فأفعل بي ما تشاء،
ومهما فعلت بي فأنا شاكر لك.
إنّي مستعدُ لكل شيء، وأرتضي بكل شيء.
ليس لي رغبة ً أخرى يا إلهي،
سوى أن تكمُل إرادتُك فيّ وفي جميع خلائقك.
أني أستودع روحي بين يديك،
وأهبها لك يا إلهي، بكل ما في قلبي من الحب،
لأني أحبك، ولأن الحب يتطلب مني أن أهب نفسي،
أن أودعها بين يديك، من دون مقياس،
وبثقة لا حد لها،
لأنك أبي.