أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / لمحات عن “بابل في الكتاب المُقدس”

لمحات عن “بابل في الكتاب المُقدس”

لمحات عن “بابل في الكتاب المُقدس”

المطران روبرت سعيد جرجيس

يتطرق كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، مرة واحدة فقط إلى “بابل” (العدد – 57)، مُتخداً من هذه المدينة صورة قاسية لكبرياء بشرية غارقة في الفساد، تماشياً مع الصورة التي يتحدث الكتاب المُقدس عن هذه المدينة كرمز لقوة الشرّ، حتى وان استخدمها الله أحياناً لكي يُحقق مقاصده (حزقيال 30/ 24-25)، بعكس “مصر” التي لها في رمزية الكتاب المُقدس معنى ملتبساً.

لا يُعرف متى شيدت “بابل”، وترجع الإشارة الأقدم ترجع إلى عهد شاركالي شاري الاكادي (حوالي 2500-2290 ق. م.)، كـ “باب إيليم” أي “باب الإله”، ولها تسميات عديدة، في حين ان أول ذكر لـ “بابل” في الكتاب المُقدس هو في تكوين 10/ 10، حينما يتحدث عن مملكة نمرود الجبار، حفيد حام ابن نوح، ويتبعها الذكر الثاني لها، حينما يُفسر الكاتب المُقدس هذه التسمية، ليقول: “لِذلِكَ سُمِّيَت بابِل، لأنَّ الرَّبَّ هُناكَ بَلبَلَ لُغَةَ الأَرضِ كُلِّها. ومِن هُناكَ فَرَّقهمُ الرَّبُّ على وَجهِ الأَرضِ كُلِّها” (تكوين 11/ 9)، وتترجم الطبعة السبعينية الاسم العبري لها “lb,êB'” إلى “sunchusis”، والذي يعني “العشوائية او البلبلة” (مع استخدام الحرف الأول الكبير)، أي انهم يترجمون المعنى وليس الحروف كما يتم في ترجمة أي اسم علم آخر (نرى استعمال هذا الاسم اليوناني كمعنى في اعمال الرسل 19/ 29). وتستمر الأحداث ليُذكرها الكاتب المُقدس (262) مرة، إذ تُساهم في تنفيذ دينونة الله (ناحوم 2/ 2-3/ 19؛ راجع أيضا ارميا 21/ 3-7؛ 27/ 1-28/ 17؛ 25/ 15-29؛ 50/ 23)، وتُصبح مكاناً للسبي حيثُ سيجمع الله بقية شعبه (ارميا 29/ 1-20)، فيبكي الشعب وطنه الام هناك بالرثاء المعروف: “على أَنهارِ بابِلَ هُناكَ جَلَسْنا فبَكَينا …” (مزمور 137/ 1). ورغم هذه الصورة السلبية عنها، إلا انها مدعوة للعودة لتتحد بشعب الله كباقي الأمم (مزمور 87/ 4؛ اشعيا 19/ 24)، بالرُغم من كبريائها والاتكال على قوتها الذاتية (اشعيا 47/ 7-8)، الذي به تتحدى الله (ارميا 50/ 29-32)، وهو سبب تكاثر خطاياها: السحر (اشعيا 47/ 12)، الوثنية (اشعيا 46/ 1)، وكل أنواع القسوة (زكريا 5/ 5-11)، لتُدعى “مدينة الباطل” (اشعيا 24/ 21). ويُعدّ خروج المسبيين منها، دعوة الهية (اشعيا 48/ 20؛ ارميا 50/ 8)، كما لو كان خروجاً جديداً (مزمور 126/ 1-2)، وسيُدعى يوم عقابها بـ “يوم الرب”، حين يوصف خرابها الرهيب (اشعيا 13)، ولهذا ستبقى حيّة في الذاكرة كنموذج للمدينة الوثنية المحكوم عليها بالخراب.

ورُغم انتهاء “بابل” التاريخية لسنوات عديدة قُبيل العهد الجديد، إلا ان صورتها تستمر كرمز للكبرياء الواقف بوجه مُخططات الله، والشرّ الذي يُعيق مشروع الخلاص والخير للإنسان. فنجد ذكراً لها (12) مرة في العهد الجديد، نصفها في سفر رؤيا يوحنا، ليُعبر من خلالها بصورة رمزية عن اضطهاد نيرون (1بطرس 5/ 13)، ودور الإمبراطورية الرومانية في اضطهاد المسيحيين، فتُمَثل بتلك الجالسة على عرش الوحش القرمزي والسُكرى بدم القديسين (رؤيا 17)، وتفرح السماء بسقوطها ونهايتها (رؤيا 18/ 1-8)، لانها القوة الدنيوية التي تتمرد ضد الله، وتُكافح ضد حُكم المسيح، فيتحقق بذلك المجاز بين المسبيين في بابل، كونهم يعيشون في ارض غريبة بعيدة عن وطنهم الأصلي، ومع المسيحيين المُضطهدين الذين يعيشون الان كمسبيين في هذا العالم، فهم غُرباء ايضاً في الشتات (1بطرس 1/ 1)، يُهاجِمُهم العالم الاستبدادي بكراهية، محاولاً جرّهم إلى طريقه الخاص (1بطرس 4/ 12-18)، وانهائهم، إلا ان هذا الظُلم سيُهزم من قبل الحَمَل المذبوح.

علماً ان هذا المجاز بين “بابل” و”روما” التاريخية، يعود إلى التشابه بين المدينتين، اللتين تجلسان على المياه (رؤيا 17/ 1)، ولهما سبعة تلال (17/ 4. 9)، وتلبس بعض النسوة فيهما عصابة عليها اسم (17/ 5)، ولهما صورة الالهة الشرقية ومنها “سيبيل الرومانية”، فتوصف كالمرأة الجالسة على الوحش (17/ 3-4).

بعض المصادر:

  1. كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية.
  2. معجم اللاهوت الكتابي.
  3. القاموس الموسوعي للعهد الجديد
  4. دائرة المعارف الكتابية (الجزء الثاني ب-ج)

عن Maher

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.