التسمية وتأثيرها على الواقع في فكر البعض
في السينودس الكلداني الأخير الذي عقد في بغداد للفترة من 9-14 / 8 / 2021 ، تم اتّخاذ قرار بتغيير اسم بطريركية بابل الكلدانية الى البطريركية الكلدانية. وتعالت مطالبات من بعض الكتّاب الكلدان بالغائه، واستغلّ هذا القرار نفر قليل للطعن والتهجّم غير المبرّر على آباء السينودس. وذهب البعض الى ان هذه الخطوة كان من الأفضل لو سبقتها استشارة الشريحة المثقفة من الكلدان والمهتمين بهذا الشأن، وعمل استفتاء حول الموضوع. في حين أن الكثيرين من الكتّاب الكلدان أبدوا رأيهم الشخصي، بين مؤيد للقرار واعتبروه شأنا كنسيا، كما الحال مع المؤسسات والأحزاب الكلدانية، وبين من لم يعطِ أهمية كبيرة لهذا القرار، لأن التسمية بنظرهم لا تقدّم ولا تؤخّر.
مقال الدكتور رابي حول الموضوع والذي كتبه باسلوب أكاديمي كما هو معروف عنه وطرحه للمناقشة، كان البداية والمدخل لمعرفة آراء شريحة واسعة من المهتمين بالشأن الكلداني. ومن خلال المناقشة والردود على المقال، نستطيع أن نفرز من غيّر رأيه وستراتيجيته بسهولة في الكتابة وزاغ عن مبادئه الاساسية ، لا بل تغيّر اسلوبه في الكتابة ليتحوّل الى مهاجم بارع ينسى الأخلاق والذوق العام لمجرد تغيير تسمية ليس من مسؤوليته أساسا. هؤلاء ببساطة لا يخدمون الكلدان ولا كنيستهم، ناهيك عن النفر القليل الذين لا يدّخروا جهدا الّا وصبّوا جام غضبهم على الرئاسة الكنسية كما هي العادة.
يقول الدكتور رابي: التسمية المقررة حاليا (البطريركية الكلدانية )، تفتقر الى الأبعاد والدلالات الأساسية لكي تُعرف الآخر بهوية الكنيسة الأثنية التي تربط الكلدان ببعضهم. ويستطرد: عندما تلحق دلالات تاريخية وجغرافية في تسمية الكنيسة فمن السهولة يتم ادراك المتابع وحتى الباحثين والمهتمين، ماهية الكنيسة وأصولها وتبعاتها وهويتها الثقافية.
لا بد أن نعرف جيدا أن كنيستنا، ومنذ نشأتها، لم تكن يوما كنيسة قومية. بل كانت جامعة لأقوام وشعوب شتى معروفة لدى الجميع. فكان لنا بطاركة فرس وعرب وكلدان واشوريون ومغول ووو. وكان اسمها قصيرا ومعبّرا ” كنيسة المشرق”. صحيح سمّيت أحيانا باسماء أخرى مثل: الكنيسة الفارسية، كنيسة الشهداء واخرى حسب الظروف التي مرّت بها، الا ان اسم كنيسة المشرق كان يرافقها وظلّ ثابتاعلى الدوام، وبطريركها: بطريرك كنيسة المشرق. ولم تدخل كلمة بابل والكلدان في اسم الكرسي البطريركي المشرقي والاسم الكنسي الّا حديثا نسبيا. اذ ان اسم كرسيها البطريركي للسلسلة الرئيسية كان كرسي ساليق – قطيسفون المدائن، العاصمة الصيفية للامبراطورية الفارسية ، ثم انتقل الى بغداد عاصمة العباسيين والى مراغا عاصمة المغول. ثم بسبب الاوضاع السياسية غير المستقرة انتقل الى اربيل فكرمليس والجزير والموصل فالقوش، وأخيرا الى بغداد عاصمة العراق لفروع كنيسة المشرق الثلاث. نلاحظ ان مكان الكرسي البطريركي مقترن بالعاصمة ولا يفارقها، والاسباب معروفة. بعد الانقسامات التي حدثت في كنيسة المشرق تم ادخال الاسم الكلداني والاشوري ملحقا بالاسم الكنسي والبطريركي. فهل كلمة الكلدانية الحالية بالنسبة لنا، لا تفي بالغرض الّا بالحاق بابل بها؟ لا أعتقد ذلك، فالكلمتان مترادفتان ومدلولاتها واحدة، فعندما نقول الكلدان يخطر ببالنا حالا بابل، والعكس صحيح. واذا كانت كلمة (الكلدان والكلدانية) غير معروفة مثل بابل على المستوى العالمي كما يقول الدكتور رابي، فهذا الأمر يقع على عاتقنا جميعا خصوصا المهتمين بالشأن الكلداني. كم واحد منا نحن في الغرب، كتبنا مقالا بالانكليزية أو لغة البلد الذي نحن فيه، للتعريف بالكلدان أجدادنا ومآثرهم، وأوضحنا وبرهنّا فعلاً باننا جديرون أن يطلق علينا هذا الاسم، لاننا نحمل صفاتهم وأعمالهم كما كانوا في زمانهم؟ أم أننا متأهّبون للتهجم غير المبرر وغير الحضاري على رئاستنا الكنسية، وننسى ما تقوم به من الاعمال الجبّارة في الوطن الجريح.
في الختام أرجع وأقول: لم يكن هناك أي داعي لكتابة هكذا مقال، حول موضوع من اختصاص ومسؤولية الكنيسة ورئاستها، والنتيجة كانت كما رأينا مزيداً من القال والقيل والتخبّط والجعجعة كنّا في غنى عنها، علما أن العديد شاركوا وأعطوا رأيهم باسلوب حضاري وبنّاء ومحترم. فمثل ما يطالبها المنتقدون البارعون في سبيل الانتقاد والتهجم، بألّا تتدخل في السياسة، ويفسّروا ذلك حسب أهوائهم، نسأل: ألم يخطر ببالهم أن لا يتدخّلوا هم أيضا في الشأن الكنسي والمركزية في عملها؟ الكنيسة تتابع بكل جدارة ما يهمّ المؤمنين وخاصة الجانب الروحي، وتتخذ القرارات المناسبة التي تؤول وتصب في خدمتهم. التسمية لا تقدّم ولا تؤخّر، الحرف يقتل أما الروح فيحيي. أعمالنا وانجازاتنا ومساعدة شعبنا المسكين، ومؤازرة كنيستنا التي تتحمل الثقل الأكبر في الوطن الام، على الاقل معنويا، هو الأهم. فهل نحن بمستوى المسؤولية؟
سامي ديشو – استراليا