أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / الصليب: رمز للمحبة التي لا توصف

الصليب: رمز للمحبة التي لا توصف

الصليب: رمز للمحبة التي لا توصف

المطران فيليكس سعيد الشابي/ زاخو

مقدمة:

من اقوى المعاني والرموز والمفاهيم التي نجدها في المسيحية نرى فضيلة المحبة. هكذا يصفها مار بولس: “فالآن تَبقى هذه الأُمورُ الثَّلاثة: الإِيمانُ والرَّجاءُ والمَحَبَّة، ولَكنَّ أَعظَمَها المَحبَّة” (1 كورنثية 13: 13). ويذهب يوحنا في رسالته الى اعمق من ذلك اذ يقول بان اللـه هو بنفسه وجوهره محبة: “مَن لا يُحِبّ لم يَعرِفِ اللـه لأَنَّ اللّهَ مَحبَّة” (1 يو 4:  8).

هذه المحبة عاشها ربنا يسوع المسيح اثناء حياته الارضية بكل جوانبها، من صنعه للمعجزات، وخدمته وشفاءاته للفقراء والمرضى، رغم علمه بنكران وخيانة وهرب تلاميذه، وانقلاب الشعب عليه، الذي بعد نادى له اوشعنا اوشعنا… صاح باعلى صوته ضده اصلبه اصلبه…  فالمحبة في المسيحية اذن هي التضحية ونكران الذات لخلاص الاخرين، بالرغم من نقائصهم وزلاتهم وسوء فهمهم لنا.

الصليب، درس المحبة الاعظم:

ان الدرس الأعظم الذي يقدمه يسوع لنا في عيش المحبة يكمن في تضحيته الكبرى بذاته واحتضانه للصليب وقبوله بسكب قطرات دمه، لسبب واحد وجوهري، الا وهو: عيش المحبة الكاملة هنا على الارض، وسط البشر الغير كاملين! معطيا ايانا المثال، بان عيش الكمال على الأرض ليس امرا مستحيلا، وخاصة عندما “نَصيرَ الإِنسان الرَّاشِد ونَبلُغَ القامةَ الَّتي تُوافِقُ كَمالَ المسيح” (افسس 4: 13) رغم صعوبة ذلك. ونبلغ الثقة والايمان بالاب كاملا: “يا أَبتِ، … لا كما أَنا أَشاء، بَل كما أَنتَ تَشاء” (متى 26: 39).

تحدي: الصليب – المحبة:

التحدي في المسيحية، يكمن في اننا نجد صعوبة في عيش المحبة الحقيقية، واحيانا نعيشها كما يحلو لنا او كما يناسبنا… وعلينا ان ندرك بان المحبة لا تعني ان احب واحترم ذاتي فقط، ولا من يبادلني المحبة والاحترام فقط، اذا يقول يسوع: “لأَنَّ الخَاطِئينَ أَنفُسَهُم يُحِبُّونَ مَن يُحِبُّهُم” (لوقا 6: 32). هنا ياتي المعنى الجوهري للمحبة، فتاخذ معنى الصليب والتضحية! اي علي ان أقبل في حياتي واحتمل واحترم واحب من يبغضني او يعتبرني عدوا او نداً له… وهؤلاء يسميهم الكتاب المقدس بالكارهين مجانا: “اضطهدوني بِلا سَبَب” (مزمور 119: 161).

هنا يكسر يسوع النمط الفطري والتقليدي في التعامل مع البشري مع الاخرين، والذي تاسس منذ الانسان الاول، وثبتته شريعة حمورابي، ثم شريعة موسى: “عين بعين وسن بسن” (متى 5: 38)، لكن يسوع يعلم ويعيش تعليما جديدا الا وهو، والخدمة اللامحدودة: “من سخّرك ان تمشي معه ميلا امش اثنين” (متى 5: 41)، والمغفرة الامتناهية: “يا ابت اغفر لهم لانهم لا يدرون ماذا يفعلون” (لوقا 23: 34). لقد كانت هذه صرخة مدوية وموجعة للاشرار وللبشر المتعنتين بان يتوبوا، وان يعرفوا طريق اللـه الحق والذي لا بد له من ان يمر من خلال الغفران المحبة التي لا توصف.

 

محبة المسيح شاملة

كثير من المرات نعتقد، كمسيحيين، بان خلاص المسيح الفادي هو ملك خاص بنا فقط. ولكن هذا ليس صحيحا تماما. لان المسيح جاء لاجلنا وايضا لاجل البشر جميعا.

نسمع ذلك من خلال نشيد الملائكة للرعاة في ليلة الميلاد، وهي الصلاة التي بها نبتديء كل يوم قداسنا الكلداني: “المجد للـه في العلى، وعلى الارض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر” (لوقا 2: 14).

كذلك في قانون الايمان الذي صاغته الكنيسة في القرن الرابع الميلادي نقول: “الذي من اجلنا نحن البشر، ولأجل خلاصنا”. هذا يعني ان يسوع يدعو كل العائلة البشرية الى الاهتداء والتوبة والتقدم نحوه، وهو يجذبها اليه، كما نراه على الصليب بذراعيه المفتوحتان للعالم اجمع.

 

خاتمة:

الصليب اذن، يعني عيش المحبة الالهية، لا المحبة البشرية الانانية. الصليب يعني التضحية الكاملة، وتحمل الاخر باختلافاته وصعوباته، لمساعدته في رؤية طريق الخلاص. وهذا يتم من خلال ايماننا الثابت والراسخ بالعيش بحسب الانجيل رغم الصعاب، وممارسة الصمت والقدرة على تحمل الالم، والتأمل باعمال اللـه القديرة في حياتنا، وبصلاتنا الدؤوبة والمستمرة الى الاب الضابط الكل، لانه هو الذي يتكفل بنا كليا “لا تهتموا… لا تقلقوا” (لوقا 12: 22، 26).

عيد صليب مبارك للجميع.

عن Maher

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.