أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار البطريركية / تعليم البطريرك – 13 – الروح القدس

تعليم البطريرك – 13 – الروح القدس

تعليم البطريرك – 13

الروح القدس

 الكاردينال لويس روفائيل ساكو

الكنيسة في رحاب الروح القدس

مثلما تجلى الله الاب للبشر وتجسد ابنه يسوع المسيح من اجلهم، هكذا ايضاً تجلى الروح القدس. انه الله واحد في ثلاثة تجليات كاملة كما في عماد يسوع (متى 3/13/17).

العَنصرة “معرَّبة عن اللغة العبرية atzeret” وتعني اجتماعاً واحتفالاً، اما لفظة Pentecost اليونانية فتعني خمسين يوماً. انها إشارة الى الفترة بين أحد قيامة المسيح وأحد حلول الروح القدس على التلاميذ.

في اليوم الخمسين تغير كل شيء بالنسبة للتلاميذ: “ولَمَّا أَتى اليَومُ الخَمْسون، كانوا مُجتَمِعينَ كُلُّهم في مَكانٍ واحِد، فانْطَلَقَ مِنَ السَّماءِ بَغتَةً دَوِيٌّ كَريحٍ عاصِفَة، فمَلأَ جَوانِبَ البَيتِ الَّذي كانوا فيه، وظَهَرَت لَهم أَلسِنَةٌ كأَنَّها مِن نارٍ قدِ انقَسَمت فوقَفَ على كُلٍّ مِنهُم لِسان، فامتَلأُوا جَميعاً مِنَ الرُّوحِ القُدس” (أعمال 2/ 1-4).

فترة الخمسين يوماً (الحجر)، كانت فترة تأمل ومراجعة لما سمعوه من يسوع، وما شاهدوه من أعماله، ليُهضَم ويُستَوعَبْ، وينضج لبلورة إيمانهم ودعوتهم. كانوا يعيشون كعائلة واحدة كما جاء في سِفر أعمال الرسل: “وكانَ جَميعُ الَّذينَ آمنوا جماعةً واحِدة، يَجعَلونَ كُلَّ شَيءٍ مُشتَرَكاً بَينَهم” (أعمال 2/ 44). ونقلهم الروح القدس بحلوله من حالة القلق والخوف إلى حالة المواهب والتأهب للرسالة.

للروح القدس دور في حياتنا مثلما كان له دور في حياة التلاميذ الأوائل. انه يواصل بمواهبه وانواره تجلّيات الله في عالمنا ويشهد له (يوحنا 15/ 26). الروح القدس يدخلنا إلى عالم الله. هذا هو الكاريزما الذي يساعدنا على الصبر والثبات والصمود في نقل الرسالة (يوحنا 14/ 16).

الروح القدس ضمان جامعية الكنيسة

يذكر سِفر أعمال الرسل حلول الروح القدس على التلاميذ وانطلاقهم بثقة وحماسة الى تبشير العالم عملاً بوصية يسوع: “اذهبوا الى العالم كله، واعلنوا البشارة الى الخلق أجمعين” (مرقس 16/ 16).

حلول الروح القدس يشير بقوة الى جامعية الكنيسة (universality)، ليس على الصعيد الجغرافي فحسب، بل الى جامعية الايمان وجامعية الخلاص. فالكنيسة ليست رومانية ولا يونانية ولا غربية ولا شرقية، انها كنيسة رسولية جامعة.

وموهبة التكلم بلغات تُشير إلى شمولية البشارة، بعدما فرَّقتهم بابل (بلبلة) في رواية برج بابل، فيجمعهم الروح القدس باندهاش (أعمال الرسل 2/1-13).

الروح القدس يضمن وحدة الكنيسة الجوهرية، واكتمال ملكوت الله. الروح القدس يحتضن الكنيسة، ويسكب عليها مواهبه من دون كلل. والكنيسة بصفتها تحمل رسالة يسوع المسيح، يتعين عليها ان تفسح المجال واسعاً أمام الروح القدس لينشئها ويقودها بالرغم من التحديات والعقليات والمصاعب…

 الانجلة الجديدة

حلول الروح يضع الرسل أمام تدخل الهي جديد ليملأهم من مواهبه، وكذلك يضعنا نحن أيضاً اليوم، ويحرك الكنيسة ويجددها.

في العقود الأخيرة، تطورت عقلية الناس كثيراً واخلاقهم وسلوكهم. لذا يتعين علىى الاكليروس ان يساعدوا الناس الحاليين لا بعقليتهم وأحكامهم القديمة، بل بعقلية منفتحة ليكونوا مسيحيين واعين وملتزمين (ملحاً وخميرة ونوراً) في مجتمعاتهم المتنوعة. هذه الفسحة من الحرية والاصغاء والتجديد لن تُفقدنا ارثنا الاصيل، فالكنيسة عبر تاريخها الطويل تركت بعض أحكامها وأساليبها في سبيل التأوين وملاءمتها مع متطلبات العصر. ارثنا يشبه كنائسنا القديمة التي شُيّدت وفق هندسة ذلك الزمان وفنه وريازته ومتطلبات الناس، ويكلفنا اليوم صيانتها وتجديدها مبالغ كبيرة، لكن الصيانة تقوم على اسسها لانها متينة. هكذا التجديد يتواصل عبر الازمان.

الجديد يقلق ويخيف أحيانا لانه “يدفع” بقوة العادات والتقاليد. لا ينبغي ان نخاف، بل يجب ان تكون لنا الثقة بان الروح القدس هو من يصون الايمان ويحافظ على الكنيسة لكي لا تقوى عليها ابواب الجحيم. الانجلة بطبيعتها تتجدد لكي تستمر في كل زمان ومكان.

الكنيسة تعيش في العالم ومن أجل العالم من دون ان تكون من العالم (الإنجيل) تماماً كما كان يسوع. واذا كان للكنيسة رسالة في العالم فلا يمكنها ان تعزل نفسها في قلعة محصنة، بل عليها ان تتحرك وتعمل كل شيء لتكون مكاناً لتجلّيات الله المدهشة. الكنيسة سرّ محبة الله وبامكان كل انسان ان يجد فيها الملجأ.

ان النقص في الإيمان هو ما يُقسّي في معظم الأحيان العقليات ويحنّطها. الأسئلة التي يطرحها المؤمنون عن الكنيسة ومؤسساتها الكثيرة، ليست بالضرورة ضدها، بل تُعبّر عن محبتهم لها والّا كانوا قد تركوها.

الكنيسة عائلة يمكن ان تناقَش فيها الأشياء بمحبة. المواهب نعمة من الله وليست مُدعاة للخصام. الموهبة التي امتلكها تكتمل من خلال موهبة الاخرين. والكنيسة تعيش اكتمال مواهبها لتنمو وتتقدم وترتقي كجسم واحد بنعمة الروح القدس..

عن patriarchate

شاهد أيضاً

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم في ضوء الجمعيّة السينودسيّة القاريّة للكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة 12-18 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.