تعليق الاستاذ عامر نجمان( استراليا ) على التأوين
الاستاذ عامر نجمان متخصص في اللاهوت الاخلاقي من جامعة الفونسيانا بروما ومحاضر في عدة مؤسسات كنسية في استراليا
صاحب الغبطة
الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى
لكم مني جزيل الاحترام والتقدير على تركيزكم المتواصل، مذ كنتم راعي خورنة ام المعونة والى هذه اللحظة وانتم على رأس الكنيسة الكلدانية على فقرة التأوين والتجديد الطقسي.
اثني على هذه النقطة التي لم تعد مجرد خطوة كمالية، بل ضرورية للاستمرار نحو الامام وتثبيت الايمان. حسب الدراسات الاخيرة في الجامعة الكاثوليكية في لوڤان بلجيكا، التأوين (Theological Recontextualisation) هو الطريق الوحيد لتفادي مأساة العلمنة (secularisation) التي تحيط كل مؤسسات الكنسية على كل المستويات.
كما ذكرتم اعلاه “من واجب الكنيسة ان تنفتح على الثقافة الحالية وظروف الناس التي تغيرت عما كانت عليه في السابق. كما يتعين على الكنيسة ان تعبّر عن هذا الارث الغني بأساليب جديدة ولغة معاصرة مفهومة، وحس راعوي مرهف تجاوباً مع الواقع الحالي للناس.” هذا الواجب لا يقف فقط عند المستوى الداخلي، بل يذهب الى مستوى الضرورة الملحة! ان لم يحدث هكذا تجديد فالنتيجة هي اما التزمت الاعمى والانعزال او الذوبان في مد العلمنة (secularisation) التي تشبه السيل الجارف الذي يأخذ ابناء الكنيسة ويحملهم بعيدا عن جوهر الايمان الذي استلمناه من الرب يسوع ورسله.
قد لا يكون الامر بهذه الخطورة في الشرق، لكن هنا في المهجر، عدد الناس الذين يبتعدون عن الكنيسة اصبح مخيف! وانا اتكلم عن شبابنا وابناء كنيستنا الكلدانية. الاعتماد على ايمان الاهل وحده لم يعد كافيا، لا بل في بعض الحالات هو مصدر القلق ذاته.
اتمنى من غبطتكم ان تأخذوا هذا الموضوع السينودس الكلداني وان يكون لكم خطة عمل تشمل كل الايبرشيات وعلى الخصوص المهجر لان الخطر محدق وقريب وليس مجرد تخمين.
كنائسنا في المهجر لا تشعر بهذا الخطر كون جمهورها هو دائما من المهاجرين الجدد الذين ينخرطون في الكنيسة بقوة كونهم يحملون الثقافة الشرقية التي تعتبر الكنيسة هوية قومية قبل كونها ايمان. هنالك سؤال يغيب عن كنائس المهجر وهو، اين هم من كانو في الكنيسة قبل ٣ سنوات؟ وبما ان الهجرة مستمرة فالاعداد جيدة، لا بل مذهلة مقارنة بالكنائس اللاتينية.
هذا المد ان يستمر للابد لأسباب عديدة منها ان مد الهجرة ببساطة ينفذ. بعدها ستصحو كنائس المهجر من نومها العميق وتجد الكنائس تفرغ والاعداد تتناقص. وحينها سيكون الوقت قد نفذ والصدمة ستوجع جدا الى مستوى يشل الفكر.
لماذا ننتظر لتلك اللحظة الحرجة، وهي قادمة لا محال؟ لماذا لا نتخذ خطوة جريئة نحو احتواء هذه الازمة والعمل على النقاط التي ذكرها مقالكم المهم اعلاه؟
الكليريكالية (clericalism) تؤثر سلبا في كنائس المهجر و وقعها مؤلم جدا سيدنا الى درجة قد لا يشعر بها كهنة الشرق الاوسط!
الحاجة للكنيسة كواجهة تمثيل سياسي اجتماعي يتلاشى شيء فشيء الى ان ينتهي تماما بعد سنوات معدودة عند المهاجر الجديد. عندما تنتهي هذه الحاجة، ان لم يسمع الشخص لغة توصل له الايمان وتتواصل معه مباشرة وكما ذكرتم “تعبر عن الارث بلغة معاصرة” فالنتيجة الحتمية هي الابتعاد والذوبان في المجتمع الذي يوفر البدائل التي ليست مسيحية، لكنها عصرية وتتكلم لغة المغترب، لذلك تجرفه ويفقد الانتماء والهوية الكنسية.
اتمنى سيدنا ان لا تأخذ كلماتي هذه من مبدأ الانتقاد، بل النقد البناء. اتمنى ان لا تعتبر قرائتي لواقع كنائس المهجر قراءة سوداوية، بل نظرة مستقبلة تستحق الوقوف على جوانبها الحساسة والمهمة لكنيستنا الكلدانية سواء في شرقنا الجريح ام في المهجر.