أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار البطريركية / مريم العذراء في فكر نرساي الملفان (+503)!

مريم العذراء في فكر نرساي الملفان (+503)!

مريم العذراء في فكر نرساي الملفان (+503)!

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

تشير معظم المصادر الى ان نرساي الملفان، ابصر النور في قرية “عين دُلبي” على مسافة بضعة كيلومترات من مدينة دهوك، في شمال العراق، وعلى الأرجح بين عام 412 – 413. ولما كبر اُرسل الى مدرسة الرهّا الشهيرة لاستكمال تحصيله العلمي. ومكث فيها عشر سنوات، ثم انتقل الى نصيبين بسبب الظروف السياسية، حيث أعاد تأسيس مدرستها.

كتب نرساي شعراً ونثراً، واليه ينسب البحر الإثنا عشري. كتب ميامر ليتورجية – تعليمية على مدار السنة تبدأ عموما بلازمة كان يرددها الحضور: “تبارك المسيح في يوم ميلاده، فقد ابهج الأرض والسماء..”1. فسَّر نرساي العديد من أسفار الكتاب المقدس، والّف رتبة للقداس (فُقِدت أو  ربما كانت من بين الرتب التي اتلفها يشوعياب الثالث في عملية تنظيم الطقوس)، فضلاً عن تراتيل وطلبات ليتورجية. توفي سنة 503 2.

إننا نجد عند الآباء الأوائل مثل افراهاط وأفرام ونرساي شكلاً بسيطاً جداً للتعبير عن الإيمان، يأخذ معطيات من الإنجيل ويعبّر عنها شعراً ويحولها الى صلاة، ويعيش فيها. وبمجرد أن نغمض أعيننا ونسمع هذه الكلمات وإيقاعاتها، نحس انفسنا في ملامسة مع هؤلاء الأشخاص ونتأثر بما يقولونه.

مريمياته

يقدم نرساي صورة واقعية للعذراء مريم، وبإسلوب شعري جميل يستعمل فيه الصورة والكلمة والنغم الموسيقى. نرساي يعتمد اساساً على الكتاب المقدس، ثم يتوسع في طرحه لاهوتياً وروحياً، ويختم بإرشاد رعوي مقتضب. أساسه لاهوتٌ مشرقيٌّ نسميه التدبير- ܡܕܒܪܢܘܬܐ.

القاب العذراء التي نجدها في ميامر نرساي هي نفسها التي نجدها عند مار افرام: الاُم، البتول، الممتلئة نعمة، الخادمة، السماء الثانية، إبنة داود، حواء الثانية والقديسة الطوباوية.

أمام سرّ تدبير الله العجيب يعبّر نرساي عن عجزه: “صغيرٌ فمي ليتكلم عنكَ، وضعيفٌ لساني ليعبِّر عن سرّكَ، وعاجزٌ صوتي وكلماتي عن الحديث في خبرك..”3

  1. مريم البتول تحبل عن طريق الاذن – السمع

يذكر نرساي على غرار مار أفرام ان العذراء مريم حبلت بيسوع عن طريق السمع – الاذن، اي مرَّ”الكلمة” في إذن مريم فكان الحبَل. يبدو ان هذا الاعتقاد كان متداولاً في زمانهما، وهو يساهم في ترسيخ عقيدة بتولية مريم: “بشارة جديدة زرع جبرائيل في اذني مريم. حبَلٌ جديد ليس معتاداً في زرع البشر… في الشهر الاول، زرع جبرائيل الحبَل في أذنيها، فنمت سنبلة الحياة في التاسع… ليغسل مرارةً زرعها الشرير في اذن حواء… في إذن حواء، زرع المتمرد مرارة الموت، وفي إذن مريم، اعلن الملاك قول الشكر” (مولد ربنا رقم 180، و199، ورقم 110 ورقم 465)4.

  1. البتولية

 يشدد نرساي على ان مريم بتول: تقول مريم للملاك: “عدك جميلٌ وكذلك كلامك، الا ان الطبيعة تهزني والقبول يرعبني: كيف البتول تلد؟.. فالطبيعة نفسها لا تحتمل ان تلد العذارى.. اني لم أعرف رجلاً ولم يتم لي زواج، فكيف يكون ما تقول: ان يولد ابن من دون زواج؟” (الحوارات الشعرية 1/ 22 و24 و34). كما يشير الى ان: “حملت البتول النقية ثمرة زرعها القول [الملائكي] (عيد الميلاد رقم 190)، “وحُبِل بالملك، بلا زواج، خارج الطبيعة” (رقم 210) و “وحلّت قدرته في جسد نقي، ولدته مريم” (رقم415) و” ان تركيبه ليس من زرع بشري” (رقم430). حبلت بيسوع وولدته من دون علاقة زوجية: “حبلت البتول من دون زواج ولا علاقة زوجية، انما بقدرة الروح أزال الظن من فكرها، وسهَّل الامور التي تعسُر على الطبيعة، وأعطى دليلاً قاطعاً لكلامه بحمل اليصابات. وهذا الرجل [الملاك] بشَّر زكريا بولد يفوق جميع الاولاد” (2/370)5. “حبلت البتول بخلاف الطبيعة وولدت من دون زواج وهو الرب كلي القدرة والذي لا يتغير ” (33/65)6. “مريم: متى سُمِعَ أن فتاةً فقيرة تلدُ ملكاً؟… الملاك: هذه النعمةُ لكِ وحدكِ اُعطيت…ولدتِ ملكاً عظيماً، وفقرُكِ بابنك يمتليء” (المحاورات 2/  12، 13).

واذا لم يرد في ميامره لقب “ام الله” ، فذلك بسبب الالتباس الذي يخاف نرساي ان يخلقه هذا اللقب لاهوتياً، كون الولادة والنمو هما من خواص الانسان. يقول: “ينسب الى الانسان كل ما كتب بخصوص ابن الانسان: الحبل، الولادة والنمو ” (نقلاً عن مارتن ص 508). ويكنّ المؤلف احتراماً عميقاً للعذراء: “يجب ان يعطى للقديسة اسم لائق: اُم الصورة (المسيح) التي بواسطتها انجلت صورة اللاهوت المنظور. أما ابنها، فندعوه مسيحاً وابناً وملكاً ورباً”.. (بورجيا 83 ص 34 وجه).

  1. مقارنة بين حواء ومريم

ويُقيم نرساي مقارنة بين حواء الاولى وحواء الثانية على غرار ما فعل ايريناوس وافرام وغيرهما من الاباء. يقول نرساي:

“بابنة البشـر بدأ المـوت يفسـد                  وبابنة البشـر بدأت الحياة تتجدد

حيث ازدادت الخطيئة من دون حد             هناك نمـا البـر من دونمـا قياس

حيث زرع الابليس مـرارة خـبثه                   هناك نبتت سنبلة الحياة محيية الانسان

بحواء افسد عدو الانسـان البشـر                وبابنة البشر صادتنا المراحم روحيا

هي البستنا ثوبا مصنوعا من اوراق            وهذه البستنا حلة المجد غير الفاسدة

بابنة جنسنا نبعث للحياة بلا قياس              فلا تميتنا بعد ما حيينا بحياة منك”

(ميمر 47/51-56 و 220)7.

______________________

 1 نرساي الملفان ميمر في عيد الميلاد، ميامر في الأعياد، قدم لها ونقلها الى العربية الخوري بولس الفغالي، نشرها في سلسلة ينابيع الايمان 3، الجامعة الانطونية 2002 ص 11

2 ساكو آباؤنا السريان، ص 117-158

3 لويس ساكو، محاورات شعرية مرتلة منسوبة الى نرساي الملفان، كركوك 2005 ص 13

4 ميامر في الاعياد، ترجمة بولس الفغالي ص 23 و24 وص 18 و39.

5 ميامر نرساي، طبعة الفونس منكنا المجلد الاول، الموصل 1905، الميمر الثاني ص52

6 ميامر نرساي، طبعة الفونس منكنا المجلد الثاني، الموصل 1905، الميمر33 ص160

7 ميامر نرساي، طبعة الفونس منكنا المجلد الثاني، ص 356 و364

 

 

عن patriarchate

شاهد أيضاً

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم في ضوء الجمعيّة السينودسيّة القاريّة للكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة 12-18 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.