مريم في تعليم كنيسة المشرق الرسمي
عبديشوع الصوباوي (1318)
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
يُعَدّ عبد يشوع الصوباوي أحد أبرز شخصيات كنيسة المشرق في القرنين الثالث عشر والرابع عشر لغزارة علمه، وعديد مؤلفاته في شتى مجالات الآداب الكنسية.
أبصر النور في منتصف القرن الثالث عشر في جزيرة عمر (تركيا الحالية). على الأرجح كان راهباً عندما رُسِمَ اُسقفاً على أبرشية سنجار وبيت عربايي سنة 1285. رقّاه البطريرك يهبالاها الثالث المغولي (+1318) سنة 1290 الى رئاسة أسقفية نصيبين وأرمينية، وهي الأبرشية الثانية من حيث القِدَم والاهميّة. من هنا أتاه لقب (الصوباوي) أو (النصيبيني). ظلّ يشغل كرسي هذه الابرشية الى أن وافاه الأجل في 15 تشرين الثاني 1318، وهي السنة التي توفي فيها البطريرك مار يهبالاها، والسنة الاولى لخَلَفِه طيمثاوس الثاني.
ألّف عبديشوع كتاباً سماه “ܡܪܓܢܝܬܐ” أي الجوهرة، بناء على طلب البطريرك يهبالاها، ليكون منهاجاً “لــلتعليم المسيحي” الرسمي في كنيسة المشرق. تناول فيه: وجود الله، والخليقة، والتجسُّد، والفداء، والثالوث الأقدس، وأسرار الكنيسة واحداً واحداً، والحياة الآخرة. ويشفع بحثه هذا بآيات من الكتاب المقدس، وأقوال آباء الكنيسة المشهورين وبراهين فلسفية، لكنه حافظ على التقليد المشرقي الأصيل، والمتحدّر حسب شهادته عن الرسل وخلفائهم. لأهمية هذا الكتاب اللاهوتي، قمتُ بترجمته الى العربية وتم نشره في بغداد سنة 1978 ثم أصدرتُ الطبعة الثانية في بغداد سنة 2013.
ملاحظة:
أود التنويه على أنني قمتُ في هذه الدراسة بنقل النصوص التاريخية بـ “أمانة علمية”، والتي يبدو فيها تناقض صريح مع ما يسرده عبديشوع من براهين! لذا وجب التأكيد على أن هذه الأفكار لا تعبّر عن إيماني الشخصي ولا عن إيمان الكنيسة الكاثوليكية.
مريم العذراء
يتكلم عبديشوع مرتين عن العذراء مريم في البحث الثالث الذي خصَّصَه عن تدبير الخلاص بالمسيح، وذلك في الفصل الثاني منه، حيث يؤكد بتولية مريم من دون علاقة زوجية كما فعل من سبقوه. وفي الفصل السادس يناقش جدلية لقب “أم الله” ورفْضَه أيَّاه، عكس ما شرحه مار أفرام وباباي الكبير، ومعاصره كوركيس وردة الاربيلي اللذان أظهرا أكثر مرونة وتفهُّما وحفاظاً على مشاعر المسيحيين المشرقيين تجاه القديسة مريم.
- مريم بتول: البتولية. تعبير عن تسليم الذات لله والثقة الكاملة به. بتولية مريم علامة عن عدم إرتباطها بعلاقة زوجية. لذا فالحَبَل بالمسيح وولادته هما اعجوبة تمت بقدرة الروح القدس وليس بفعل بشر، فبقيت مريم بتولاً. ويأتي قول عبديشوع هذا منسجماً مع الانجيل والتقليد المتوراث في الكنائس كلها.
يقول: “لا شك ان الله الكلمة اتَّحد في أحشاء البتول القديسة لدى قول الملاك لها: الرب معكِ، مباركة انتِ في النساء (لوقا 1/ 28). فصوَّره لتوِّه من دون زرع بشري، وأعطاه اسماً سامياً، وصنع بمولده معجزات وفرح به العالم كله” (الجوهرة ص 34).
- جدلية لقب “والدة الله”. البشارة بالمسيح وولادته العجيبة تؤكد ان مريم هي اُم الرب يسوع ابن الله. ولقب “اُم الله” موجود ضمناً. تقول اليصابات: “من اين لي أن تأتي أم ربي الي” (لوقا 1/ 43). ثمة وحدة بين الاُم وابنها. انها حملت كلمة الله في أحشائها. علينا ان نفهم امومة مريم للمسيح عبر العلاقة العميقة بين اُم الانسان واُم كلمة الله1، لأنه شخص واحد إلهي وإنساني من دون فصل. يقول كوركيس وردة: “هذه هي أمّ الرب ووالدة ابن العلي” (روني بطرس جزء 1 ص 74، سطر 2).
على أيةِ حال، قد يكون عبديشوع رفض هذا اللقب لاختلافات عقائدية مع السريان الارثوذكس الموجودين بكثرة في المنطقة والذين يؤكدون على أهمية هذا اللقب المريمي اللاهوتي، وقد يكون أيضاً بسبب المسلمين الذين كانوا يشكّلون الغالبية، لكي لا يُتَّهم المسيحيين بالشرك، وأيضاً بسبب قدوم المبشرين الغربيين الكاثوليك اللاتين الى هذه المنطقة، وتأكيدهم على هذا اللقب في صلواتهم!
حُجَج عبديشوع
“اولاً: لو كانت العذراء مريم والدة الله، فالله اسم اعتيادي للآب والأبن والروح القدس، وتكون مريم قد ولدت الثالوث الاقدس وليس الابن الوحيد.
ثانياً: لو كانت العذراء والدة الله فالمولود منها، تألم ومات ودفن، حسب شهادة الأناجيل الاربعة. فقولكم أنه مات، فإما مات حقاً، والمائت لا يملك سلطاناً البتة، على غيره ولا على نفسه لكي يحييها، ويظل بالنتيجة مائتاً الى الأبد… ويصبح بذلك باطل القول “لقد أحيانا مع المسيح” (افسس 2/ 5).
ثالثاً: لو كانت مريم والدة الله فكيف يشهد مار بطرس على المولود منها “انما هو المسيح ابن الله الحي”1 (متى 16/ 16). فمريم بالتالي ليست والدة المسيح كما تنادون، بل والدة الآب، والمسيح هو حفيدها وليس ابنها! ولكن يا ترى من تكون اُم المسيح اذن؟” (الجوهرة ص 46-47).
________________
1 ماكس توريان، مريم أم الرب ورمز الكنيسة، نقله الى العربية الاب خليل رستم، دار المشرق- بيروت ط2 1998 ص 85-89