النص العربي لكلمة البطريرك ساكو في احتفالية تخرج فوج من طلاب الجامعة الكاثوليكية في اربيل وبدء العام الدراسي فيها
أود ان أشكر سيادة المطران بشار متي وردة على انجاز هذا الصرح العلمي التربوي الكبير… الذي يندرج في تعليم الكنيسة الكاثوليكية الاجتماعي. كما تعلمون، ان الكنيسة منذ تأسيسها اهتمت بالتعليم والتثقيف من خلال انشاء مدارس ومعاهد وجامعات ومراكز ثقافية، فضلاً عن تشجيعها على الكتابة، من هنا جاء عدد المكتبات والمخطوطات المدهشة في الاديرة، فتركت إرثاً فكرياً كبيراً في كافة المجالات… أذكر على سبيل المثال “بيت الحكمة” في بغداد في زمن العباسيين، والذي معظم العاملين فيه كانوا مسيحيين وبعضهم من رجالات الكنيسة.
اذ أهنيء الخريجين الجدد الخمسين اليوم يطيب لي ان أهنيء الجامعة بافتتاح عامها الدراسي الجديد.. إنه فصلٌ جديد من مسيرة نجاح، تَسعون فيها كطلبة الى بناء ذاتكم وتثقيفها وصقلها بالدراسة والبحث المنهجي العلمي.
هذه المؤسسات المختلطة، خصوصاً غير الحكومية تعزز العلاقات الطيبة بين الطلاب، والاحترام وحماية حقوق الانسان، وترسخ العيش المشترك المتناغم الذي يعاني اليوم من تراجع في العالم، بينما لايزال جيداً في اقليم كردستان. والحمدلله.
العيش المشترك ياتي في عدة مستويات: الديني كلنا مؤمنون بالله واحد، لكن التعبير مختلف، والاجتماعي كلنا أخوة بالبشرية، وسياسياً كلنا مواطنون في نفس البلد الذي يشكل هويتنا، لكن التشدد الديني المؤدلج شوَّه العيش المشترك، وهدمت الطائفية المسيَّسة المواطنة والنسيج العراقي المتنوع، وأقامت حواجز بين المواطنين، و الفساد سبب شقاء المجتمع….
في الجامعة تتعرفون على بعضكم البعض، على المكونات والديانات والمذاهب والقوميات. وتتدربون على التعامل اللائق بينكم باعتبار التنوع غنى. كنْ انت ما انت، لا توجد مشكلة، لكن عِشْ بسلام وتعاوَن مع الاخرين، واحترمهم، واحترم الخير العام .
الدراسة ليست من اجل ايجاد وظيفة لمنفعة شخصية فحسب، وإنما يرتكز دور المؤسسات التعليمية على تدريب الطلاب على الانفتاح واحترام التنوع والتعددية وتوطيد العيش المشترك، من خلال:
- تحسين التعليم امام ازدياد عدد الاميين المخيف في العراق،
- تطوير مهارات الطلاب، عبر الحوار الصادق و عبر الصداقة.
- تقوية التقارب والتضامن بين مختلف الشعوب والأديان والثقافات، للمساهمة في تحقيق السلام والاستقرار والرفاهية للبشر.
كما كرر البابا فرنسيس اثناء زيارته للعراق في آذار / مارس 2021، هذا هو أساس التعايش لان الصراعات والانقسامات والانسدادات القائمة هي نتيجة جهل، وثقافة اُحادية ومصالح شخصية.
من هذا المنطلق ادعو جميع المسؤولين والمربين على مراجعة التقاليد الموروثة بعقلانية منفتحة، وتغييرها ورفع كل عبارات التعصب والكراهية والازدراء من مناهج التعليم، لتناسب الواقع الحالي والتنوع المجتمعي، والسعي لبناء نموذج مدني وديمقراطي يقوم على المواطنة وليس على نظام طائفي “يوزع” الوطن كما يحلو له.
نحن نعيش في عالم جديد يطالب بابراز أهمية التنوع التي تتماشى مع النهج العالمي لحقوق الانسان المتساوية، وإحترام حريته وكرامته..
هذا هو المستقبل الذي ينبغي ان يفكر به طلاب الجامعات ويتدربوا عليه ويعدّوا أنفسهم له.
مع أحسن التمنيات