التكريس البتولي للعلمانيات والعلمانيين في الكنيسة
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
طلبت مني الشماسة منتهى أبشارة من كاليفورنيا أن اشرح موضوع ” العلمانيون المكرسون” ودورهم وضرورة وجودهم اليوم في كنيستنا الكلدانية. فهذا العرض استجابة لطلبها.
الحبُّ الأعظم
التكريس نعمة من الله (دعوة). يضع المكرس نفسه تحت تصرف المسيح بالكامل، ومن دون تجزئة، عن حب وقناعة. ويصبح رهن إشارته على نموذج التكريس البتولي لمريم العذراء. إنهم بركة وغنى للكنيسة والمجتمع.
يخصص المكرس نشاطه في التبشير، والتعليم والعبادة والرعاية والخدمة والمرافقة بفرح .
يتطلب التكريس ثباتا وامانة في تفاصيل الحياة اليومية وصعوباتها، ليعيش سلاما ينعكس على وجهه.
يوجد اليوم مكرسون من كلا الجنسين في الكنيسة الكاثوليكية خارج الرهبانيات، يعيشون في بيوت صغيرة خاصة، أو في عائلاتهم ولهم نشاطهم وفق كريزما كلّ جماعة.
في العراق يوجد فريقان للعذارى المكرسات الاول يتبع كاتدرائية اللاتين ببغداد، والثاني الاباء الكرمليين في دهوك.
التاريخ
نجد نمطا من التكريس غير الرهباني في جماعة العهد – القيامة ܒܢܝ̈ ܩܝܡܐ التي يتكلم عنها افراهاط الحكيم (270- 345) في المقالة السادسة. في اعتقادي إنه أحد أعضائها البارزين إذ يقول: ” هذه الأمور التي أكتبها لكم، هي لي أيضاً ، لتنبيه كلينا ” (6/19). كنيستنا متأثرة بالتقليد الاورشليمي. هذه الجماعة كانت مودودة ايام المسيح والرسل وكانوا يسمون ابناء العهد وبالعبرية “ Beni berith “ .
هذه الجماعة مؤلفة من مؤمنين معمدين، من كلا الجنسين لم يكن لهم دير ولا حصن، إذ لم تكن الرهبنة بمفهومها القانوني الحصري قد دخلت بعدُ إلى مناطقنا. كانوا يسكنون غالباً مع ذويهم، أو في جماعات صغيرة متجانسة، أو في الكنيسة الخورنية، مكرسين حياتهم للخدمة وأعمال المحبة والرحمة والتعليم والمرافقة والإرشاد واعداد الليتورجيا وفرق الصلاة…
كانوا غير متزوجين لذا يسميهم بالوحيدين أي العازبين. ويوصي أن تسكن البنات منفصلات عن البنين : “ينبغي أن تسكن السيدات مع بعضهنّ والرجال مع بعضهم أيضاً ..أيها المتوحدون الأحباء هذه نصيحتي إليكم “(6/4). ويعتبر العزوبية( البتولية) اقتداء بالمسيح.
أما تسميتهم بجماعة العهد فلأن كلمة “قياما” تعني العهد أو القسم الذي أداه المؤمن في العماد وتشير أيضاً إلى اليقظة التي كانت الجماعة المسيحية تتحلى بها في سهرها لاستقبال الرب. وسميت الكنيسة ” الأولى بــ “قياما” بدلاً من “عيدتا ” أو ” كنوشتا ” للدلالة على شعب “العهد الجديد ” الساهر و الملتئم حول الرب القائم.
عندما انتشرت الرهبانية في مناطقنا في القرن السادس بتأثر رهبان مصر، اندمج فيها أبناء العهد . عاش هؤلاء الرهبان روحانيتهم وتكريسهم الكامل في صيغ متعددة، وكان لهم تأثير كبير على حياة الكنيسة وتبوأوا فيها مناصب رفيعة، وطبعوا روحانيتها وفكرها وليتورجيتها وقوانينها!
اليوم
اتمنى ان يتجدد هذا النوع من التكريس بنفس الاسم: بنات العهد، ابناء العهد، لاستعادة الوعي المسيحي الأصيل كما اختبرته جماعة ” العهد” في اتباع المسيح. جماعة ملتزمة بالانجيل وبالخدمة ضمن الكنيسة ومعها. ويبقون دومًا اشخاصا بسيطين، مصغين، منفتحين وملتزمين بالعهد الذي قطعوه لله والكنيسة في تكريسهم ولا زيء خاص بهم. يلبسون صليبا صغيرا من الخشب فقط، لكن يتحتم عليهم اتباع نظم الكنيسة الكاثوليكية التي نشرها الكرسي الرسولي.
خطوط القوة للجماعة
1- المحبة غير المشروطة مثل محبة يسوع.
2- الاخوة وروح الخدمة على مثال جماعة العهد في فجر كنيسة المشرق بعيدا عن اظهار الذات.
3- نشر ثقافة السلام والحوار والمصالحة( في مجتمع متعدد كمجتمعنا).
4- الصلاة ( الشخصية والجماعية). فهي مصدر رجاء وفرح وسلام وطمأنينة وامان.
5- قراءة يومية تأملية لكلمة الله ترسخ الإيمان والمعرفة وتوطد الرجاء. قراءة توجه الحياة بما يتماشى مع ارادة الله.
6- المشاركة في حياة الكنيسة: حضور ومشاركة كثيفة في نشاطاتها وتشجيع المبادرات الروحية والرسولية، مما يؤكد على الجماعيّة وعلى التجدد الانساني والروحي والتقدم كي يكونوا قوة تغيير ايجابية في المجتمع.
المعيشة: يمكن ان يعيشوا في بيوت صغيرة، او في عائلاتهم ويلتقون باستمرار للصلاة والمقاسمة والاستقبال بطيبة وسخاء فتصبح لقاءاتهم واحة محبة و علاقة وسلام وفرح…
صيغة التكريس
هذه الصيغة كنت قد اعددتها لجماعة العهد من شباب وشابات كركوك عندما كنت مطرانها.
ايها الرب يسوع / يا من صليت من اجل تلاميذك/ ليكونوا واحداً مُقَدَسين بالحقَّ / اننا نعلن اليوم رسميا/ وامام اسقفنا / وعدنا بالبقاء في الامانة على ايماننا المسيحي ونقاوته/ وعيشه بجذرية وحماسة/ كجماعة واحدة/ جماعة العهد المقدس/ في الشركة والشهادة/ والخدمة واشاعة قيم المحبة والسلام / بكل سخاء وتجرد وفرح.
ايها الرب يسوع بارك تكريسنا وتعهدنا/ واسندنا في تحمل مسؤولياتنا بصدق/ فنعيش خِبرة شراكة حقيقية بيننا/متجاوبين بجرأة مع نداءاتك النبوية المبدعة/ فتغدو خدمتنا قوة رجاء وفرح وطمأنينة/ لنا وللكنيسة/ ولكل من نعمل معهم أو نلتقي بهم/ لك المجد الى الأبد