أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار البطريركية /   ثلاثة أعياد مريمية في الكنيسة الكلدانية

  ثلاثة أعياد مريمية في الكنيسة الكلدانية

  ثلاثة أعياد مريمية في الكنيسة الكلدانية

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

 عمدت جميع الديانات الى تخصيص أعيادٍ ومناسباتٍ تُذكِّرها بشخصياتها الدينية البارزة ومناسباتها المقدسة. تتميز هذه الأعياد عن المناسبات الشعبية الفولكلورية والوطنية. من هذا المنطلق خصَّصت الكنيسة أعياداً للاحتفال بميلاد المسيح وفصحه وقيامته. كذلك أعياداً للعذراء مريم وتذكارات للقديسين. الهدف من هذه الأعياد هو التجديد الروحي.

 تم تحديد هذه الاعياد من خلال وعي الكنيسة بأهمية الشخص والمناسبة واستعدادها لتنظيم رتب الاحتفال من صلوات وتراتيل وقراءات وزينة.

 تشرح الموسوعة اللاهوتية الغاية من هذه الأعياد: “كان لهذه الأعياد طابع تربوي. إذ كان عليها ان تثقّف الناس بالفضائل المسيحية والحياة الكنسية. والأناشيد التي تُرتَّل لمريم هي التعبير عن هذه النية التعليمية، التي هي مهذّبة للتقوى، ومنتبهة الى الصفات الجمالية للتجسد، كما كانت مريم نفسها تمثلها في جمالها ولطفها وعظمتها”1.

و ساعدت كتابات آباء الكنيسة وقصائدهم، خصوصاً في القرون العشرة الاولى على تكريم مريم العذراء في الليتورجيا.

بالنسبة للكنيسة الكلدانية والآشورية نجد ثلاثة أعياد لتكريم البتول مريم على مدار السنة:

  1. عيد تهنئة العذراء في اليوم الثاني لعيد الميلاد 26 كانون الأول
  2. عيد حافظة الزروع والغلات في 15 ايار
  3. عيد انتقالها الى السماء في 15 آب

 

عيد تهنئة العذراء، كان يُحتَفل به سابقاً في الجمعة الثانية بعد عيد الميلاد كما هي الحال حتى اليوم في كنيسة المشرق الاشورية (حوذرا درمو 1 ص 585). حوَّلَه مجمع الأساقفة الكلدان المنعقد برئاسة البطريرك يوسف اُودو في القوش سنة 1853 الى 26 كانون الأول، أي الى اليوم الأول بعد عيد الميلاد2.

 يقول كوركيس وردة الاربيلي (القرن الثالث عشر): “يفرزون لها ثلاثة أعياد كما تعلّموه من الرسل” (روني بطرس1 ص 58). وجاء في ترتيلة عيد تهنئة العذراء: “رُشـت ارض أفسس كلها بالندى عندما إستودع القديس يوحنا العذراء مريم، رسالة جاء فيها بان يُحتفل بتذكارها ثلاث مرات في السنة: في شهر كانون الاول للدعاء من أجل الزرع، وفي شهر آيار من أجل السنابل، وفي شهر آب من أجل الكروم” (حوذرا درمو، 1 ص 585).

تشير ترتيلة أخرى لعيد التهنئة الى الاعياد الثلاثة: “[يا عذراء] أطلبي الصفح والغفران للجموع الملتئمة في الكنائس التي خصَّصت لك ثلاثة أعياد” (حوذرا 1 ص 365). أعتقد انها لكوركيس وردة؟

ينبغي ان نفهم ان إسناد هذه الأعياد الى الرسل أو الى الآباء الأوائل، هو اسلوب أدبي من أجل التأكيد على قدمية هذه الأعياد وأصالتها. تاريخيّاً هذا غير صحيح البتة، فالطقوس والأعياد تكوَّنت تدريجياً عبر الزمن، وليس دفعة واحدة. في مجمع البطريرك إسحق 410 تقرر الاحتفال بعيد الميلاد/ الدنح والفصح/ القيامة3.

كنيسة المشرق متأثرة في طقوسها بتقليد كنيسة القدس، لذا يبدو ان مخطط الأعياد الطقسية السنوية الثلاثة يتماشى مع الأعياد الطقسية اليهودية والمسيحية الثلاثة: عيد الفصح/ عيد العنصرة / عيد المظال أو تجديد الهيكل!

تحتفل الكنيسة الكلدانية في آحاد زمن ܣܘܒܪܐ البشارة: ببشارة الملاك لمريم، وبزيارتها الى نسيبتها اليصابت، والبشارة الى يوسف، وبالميلاد وزيارة الرعاة، ثم زيارة المجوس في الأحد الأول منه، والختان في الأحد الثاني.

في هذه الاحاد تكرم الكنيسة الكلدانية مريم بتراتيل شجية وبليغة المعنى. معظمها مقتبسٌ من آباء الكنيسة الأوائل،  ومن  غيرهم   كالشاعر كوركيس وردة الاربيلي. أما الاعياد الاخرى كالحبل بها بلا دنس، وولادة العذراء، وسلطانة الوردية، فاقتبستها من ليتورجيا الكنيس اللاتينية، كذلك الشهر المريمي (شهر ايار) وشهر الوردية( شهر تشرين الأول) لكن العذراء تذكر يوميا في القداس وصلاة الصباح والمساء.

  1. عيد تهنئة العذراء مريم الاعجاب والشكران

هو أحد أقدم الأعياد المريمية في السنة الطقسية الكلدانية، يلي عيد الميلاد (الذي نسميه العيد الصغير تمييزاً عن العيد الكبير،عيد القيامة)، لابراز دورها الفريد في سرّ التجسد من خلال اُمومتها للمسيح. يبدو انه أول عيد مريمي كما يشير المؤلف الليتورجي المجهول من القرن التاسع: “السؤال: لماذا رسم إيشوعياب [الثالث] بان يُحتفل بتذكار السيدة مريم بعد الميلاد…الجواب: لأن الأنبياء ذكروا السيدة الطوباوية مريم، ولأن تدبير ربنا معها بدأ، ولأن ولادته بالجسد منها تمَّت… ولأن الإنجيل ذكرها…”4.

إحتفالٌ يعكس واقعنا الاجتماعي الشرقي، إذ نزور إحدى قريباتنا وصديقاتنا لتقديم التهاني لها بمناسبة ولادة طفل جديد، فكم بالأحرى يجب أن نقدم التهاني بإعجاب وشكران للعذراء مريم بولادة ابنها يسوع الذي قدمته لنا كما قدَّمَنا هو لها: “هذا ابنُكِ… هذه اُمُّكَ” (يوحنا 19/ 26-27).

يكتب المؤلف ميخائيل باذوقا († 650) تعليقاً جميلاً عن معنى الاحتفال بالعيد: “ان أعياد البتول لا تقام تكريماً للفضائل السامية التي زيّن الله بها هذه الاُم البتول فحسب، بل لانها خدَمَت مولد الابن الالهي… ورفعَته على ذراعيها. فيحق للكنيسة ان تحتفل بعيدها بعد المولد الالهي، لتشكر الله على أعماله العجيبة5.

ترتيلة جميلة:

“عندما بَشرّ جبرائيل رئيسُ الملائكة البتول بولادة يسوع المجيدة، تكلم معها مرتجفاً وخاشعاً جدّاً:

  • السلام عليكِ، ايتها المرأة الممتلئة عجباً
  • السلام عليكِ، يا والدة المخلّص العظيم
  • السلام عليكِ، إذ منك يُشرق محررُ الجميع
  • السلام عليكِ، إذ منك يولد الرجاء والحياة
  • السلام عليكِ، إذ صرت أهلاً لسكنى الكلمة، ابن الله
  • السلام عليكِ، إذ فيك يكتمل العهدان
  • السلام عليكِ، إذ ستلدين وأنت بتول كما تنبأ إشعيا
  • السلام عليكِ، ايها الشعاع الاكثر ضياءً من النيرات قاطبةً
  • السلام عليكِ، ايها الهيكل الذي اختاره الملك لسكناه
  • السلام عليكِ، إذ منك يُشرق مُبهِج البرايا. هللويا” (حوذرا 1 ص 55).

ترتيلة للتقادم ܕܐܪ̈ܙܐ تهنيء مريم: “طوباكِ يا مريم لقد فقتِ النساء، والعذارى بنات العظماء. طوباكِ يا مريم فان اسمكِ علا بسبب مولودكِ. طوباك يا مريم لانك استحقيت ان تكوني والدةً وخادمة لابن ربّ الكل. جدير بنا ان ننشد لك مع الملائكة هللويا” (حوذرا 1 ص 372).

يقول بيت من تراتيل الشهداء مساء الاثنين: “من الازل والى الأبد: تُعطي الطوبى جميعُ الأجيال، للعذراء مريم اُمِّ المسيح” (ساكو، صلاة المساء والصباح ص 36).

في ترتيلة ܫܒܚ المجد لكوركيس وردة في صباح العيد:

“مَنْ رأى صبيةً بتولاً، شاخَت معها البتولية.

لها ابن من دون زواج، ألا يفوق الوصف هذا العجب؟

من مريم خرج ينبوع… إرتوت منه كلُّ الأرض

كانت تحمل النار في رحمها، وتحتفل بحضور لله في جسدها

ويرفرف الروح القدس على نفسها، فغدَت سماءً.. ” (حوذرا 1 ص 361)

ترتيلة مساء العيد:

“في يوم عيد مريم البتول، والدة المسيح / الله، تهلّل الملائكة في السماء بفرحٍ، تراتيل المجد لمن شاء بنعتمه ان يجعلها هيكلا لسكناه، وأبهَجَ البشر في يوم عيدها… تبارَك الرب الذي زيَّنها بكل جمال، وجعلها ملاذاً لجميع المتألمين” (حوذرا 1 ص 354).

و”من رأى النعجة تحمل شبل الأسد، وتربّيهِ من دون فزع. مريم هي النعجة والمسيح شبل الأسد. سبحانك يا رب، سبحانك يا ابن الله على تكريمك مريم التي أنجبتك” (حوذرا 1 ص 359).

ترتيلة من ܩܠܐ ܕܓܘܐ تقول: “لقد استقبلت مريم في أحشائها الابن الكلمة بمجد عظيم. وغدَت له اُمّاً وخادمة، لذا تبتهح البشرية كلها في عيدها.. لنُقدم لها أجمل التهاني مع الأجيال كلّها” (حوذرا 1 ص 219).

أخيراً وليس آخراً، تقول ترتيلة عميقة المعنى من سلسلة ܫܘܚܠܦ̈ܐ:

“في عيد البتول مريم، ابنة داؤد، لنهلّل لها مع الروحانيين، ونضفر لها تاجاً من المدائح. لنسبح قائلين:

تباركتِ أيَّتها السيدة حاملة العجب. تباركتِ لانكِ ولدّتِ لنا الرجاء والخلاص. تباركتِ لان فيك اكتملت النبؤات. تباركت لانك حملتِ مخلّص بني البشر. تبارك الآب القدوس الذي جعلكِ مسكناً لسرّه. تباركَ الطفل الحبيب الذي شاءَ ان يسكن في أحشائك. تباركتِ لانكِ صرتِ لنا ينبوع المعونات. تباركتِ لان منكِ شرَق النور السرمدي. تباركتِ لانكِ انجبتِ من يفك قيود موتنا. مباركة انتِ ومباركٌ ثمرةُ بطنك. تبارك الجمع الذي يحتفل بيوم عيدك. اطلبي من إبنك ليؤهلنا لملكوته” (حوذرا ص 8 ترقيم انكليزي).

 هذا العيد دعوة لنا للتأمل بفضائل مريم، والتشبع من روحانيِّتها، والتشبه بإيمانها، ومحبتها ونقائها وصبرها وصلاتها ورجائها.

  1. عيد حافظة الزروعإستغاثة من أجل الأمن الغذائي

يقع هذا العيد في منتصف شهر آيار، شهر الحصاد… وثمة علاقة بين الزراعة والحصاد وحياة الناس، أي كما نسميه اليوم بالأمن الغذائي. فمن الطبيعي أن نصلي لكي يأتي الحصاد وفيراً والّا يحصد الانسان أقل مما زرع، أو أن يرى تعبه يذهب جزافاً بسبب الجفاف، أو الحريق أو الجراد… من هنا الإستغاثة بالصلاة الى العذراء مريم لحماية الزروع من الآفات ومن كل ما يهدد اكسير حياة البشر.

 يذكر الحسن بن بهلول – في كتاب “الدلائل” وهو بمثابة تقويم – روزنامة للأعياد والتذكارات والمناسبات، وضعه بين عامي 940-942 ان هذا العيد يقع: “في الخامس عشر من آيار: عيد الحنطة لمارت مريم”6.

في طلبات صباح العيد نصلي: “ايّها المسيح يا من استجبت لطلبات والدتك حينما كانت على الأرض، استجب الآن دعاء كل الذين يلوذون بها، ويدعونك بواسطتها” (حوذرا 2 ص 602).

يقول كوركيس وردة في ترتيلة المجد ܫܒܚ لهذا العيد:

“من يستطيع ان يتأمل بعقله، ويصف بفمه، تلك العفيفة الطاهرة والقديسة، وغير المتزوجة، التي منذ الحَبَل بها تقدَّست، ومنذ الرحم اُختيرت لتكون هيكلاً ومسكناً وعرشاً للربّ الحيّ الى الأبد… ان صياد البشر [الشيطان] لم يقدر ان يصيد بحبائله جسد مَنْ حَرَرًتْ جنسنا… ولا ان يتمكن من استعباد من فكَّتْ قيوَدنا” (حوذرا 2 ص 597 و660).

هنا يخلط المؤلف الأدوار. من حرَّرَ جنسنا وفكَّ قيودنا هو يسوع المسيح وليست العذراء، انما تعاونت هي في تاريخ الخلاص باُمومتها كما جاء في الترتيلة أعلاه: “تباركتِ لانكِ انجبتِ من يفكّ قيود موتنا”. لذا يتعين تصحيح هذا الغلو اللاهوتي والعقائدي غير المستقيم!

مدراش هذا العيد لمار افرام

“أيتها الطوباوية، تبارك الثمرة التي ظهرمنك. اُمكَ يا رب لا يعرف المرءُ كيف يدعوها، بتولاً؟ ها هوذا إبنُها حاضر. متزوجة؟ لم يمسسها رجل. وإنْ كانت اُمك لا تُدرَك، فأنت من يقدر أن يُدركك؟” (حوذرا 1 ص 365).

  1. عيد انتقال مريم الى السماء، الى الوضع الممجد

انتقال مريم العذراء الى السماء، تعبير لاهوتيّ عميق المعاني. استعملت بعض الكنائس خصوصاً اليونانية كلمة “رقاد مريم”. الانتقال أو الرقاد لا يُقصَد به الصعود في الفضاء – الجو، بل يُقصَد انها انتقلت الى عالم الله الذي يفوق إداركنا، لتشترك بنفس مصير إبنها. هذا ما نسميه سرّ الخلاص. إنتقالها الى السماء حصل بقوة نعمة الهية، نتيجة إيمانها وطاعتها، ومحبتها وصلاتها وثقتها. هذا إنتقال الى الوضع الممجَّد.

 هذا العيد يعزز فينا الرجاء بالحياة الابدية التي وعَدَنا بها المسيح. فالذي أقام المسيح ونقل مريم الى السماء سوف يُقيمنا، اذا جسَّدنا ما يطلبه الله منّا. هذا هو الرهان والمستقبل الأبدي.

في اللغة الكلدانية – السريانية نطلق على الأشخاص المؤمنين البارزين عادة كلمة انتقل “ܫܢܐ- ܫܘܢܝܐ” ولا نستعمل لفظة مات إحتراماً لمكانتهم. الانتقال بالجسد يشير الى الشخص بكامل هويته وتاريخه، أعني بروحه ونفسه وجسده. انه إعتراف بارتباط شخص مريم بسرّ المسيح.

من الطبيعي اننا لا نستطيع استنتاج معلومات مادية معينة عن انتقال مريم العذراء الى السماء. يكفي أننا نؤمن بانها تحيا مع المسيح، وتشاركه مجده.

ترتيلة صلاة مساء العيد: “اهّلنا يا رب بنعمتك لنُزيِّح، ونُكرَّم عيد انتقال والدتك الطوباوية المجيدة، مع جوق الروحانيين والرسل القديسين، بألحان جميلة، وتراتيل روحية (الروح القدس) لكي بصلاتها وتضرّعها نستحق الاشتراك معها في استقبال مجيئك الثاني… نشكرك ايها المسيح مخلّصنا ونسبّحك لأنه حَسُنَ لسيادتك ان تنقل اليوم اُمَّ الحياة من هذا العالم الفاني الى حيث ملء السعادة لتنعَمَ مع الأجواق الروحية والقوات السماوية الى الأبد… أهِلّنا بحنانك لنبتهج معها ونتنعَّم في الحياة الخالدة…” (حوذرا 3 ص 411).

كان المسيحيون يستعدون لهذا العيد بصوم يستغرق خمسة عشرة يوماً، ثم تقلّص حاليّاً الى يوم واحد.

يقول المؤلف الليتورجي المجهول: “انتقلت من هذا العالم يوم الجمعة بجلال ووقار” (عرض الطقوس جزء 2 ص 129). وابن بهلول: “في أول يوم من شهر آب: صوم مارتمريم… وفي الخامس عشر منه ذكران [تذكار] مارتمريم، يوم وفاتها على ما تذكر الملكية”7.

يصف سليمان البصري (†1240) انتقال مريم الاحتفالي: “[مريم] لم تدفن في الارض، بل حملتها الملائكة الى الفردوس، وزيّحت نعشها. واجتمع الرسل كلهم يوم رقادها وصلّوا عليها وتباركوا منها…”8.

 

يرتل الشمامسة في هذا العيد ترتيلة شجية مؤثرة تعكس التقليد الشرقي، اذ عندما يشعر الأب بدنّو أجله، أو الاُم أو أحد الإخوة والأخوات، يدعو أولاده وإخوته وأخواته للتوديع. في هذا النشيد تتمنى مريم ان يأتي تلاميذ إبنها الذين هم بمثابة أولادها، لتُودِّعَهم ويُودعوها:

“ايُّها المسيح ملك العالمين، يا مانح الرحمة، إبعث المتوفين الراقدين على رجائك. ناجت اُمّ ربنا قائلة: “ها إني مائتة، أتمنى حضور الرسل لكي أتبارك منهم. مَن يأتيني بشمعون من روما، وتوما من الهند، ويوحنا من أفسس، وأدي من الرهّا؟” أجابها “ها إني اُحضرهم ليحملوا نفسك، ويزيِّحوا جسدك. هللويا”.

نجد نفس المضمون في ترتيلة ܡܘܬܒܐ العيد: “عندما دنا زمن رحيل مريم من هذا العالم، التمست من وحيدها قائلة: من ياتيني ببطرس من روما وتوما من الهند ويوحنا من افسس؟.. اجابها اني سآتي بهم ليودعوك” (حوذرا 3 ص 515).

 

الأيقونات

استخدم المشرقيون صوراً للمسيح وللعذراء مريم في كنائسهم وحتى في بيوتهم، لأن الأيقونة فنٌ مقدس، يعبّر بخطوطه والوانه عن إيمان الكنيسة الخاصة وروحانيتها. تساعد الأيقونات المؤمنين على التأمل فيها والتماس النِعَم من القديس الذي تصوّره. المسيحيون لا يعبدون الصور أو التماثيل، انما يُكرِّمون من يمثلها.

يذكر ان كنيسة الاقيصر التي شُيِّدت في القرن السادس، أي قبل قدوم الإسلام بقرن واحد، في بلدة عين تمر غرب كربلاء، كانت تضمُّ العديد من الرسوم والنقوش والصور الدينية، وقبور رجال الدين.

في زمن البطريرك سركيس (860 – 872) جرى بينه وبين الطبيب والعالِم حنين بن اسحق خلافاً لاهوتياً بخصوص الصور. اتَّهم حنين البطريرك بالاريوسية (تبعية الإبن للأب)، بينما اتهم البطريرك حنين بنزع الصور- الايقونات. وقام بحرمه لانه لم يكرم صورة المسيح9. هذا يعني ان استخدام الصور كان موجوداً حتى قبل هذا الزمان.

يذكر المؤرخ عمرو الطيرهاني ان البطريرك برصوما الذي توفي في 11 كانون الثاني عام 1136، دُفن في بيعة مار سبريشوع سوق الثلاثاء ببغداد حيث صورة السيدة مارت مريم10. كذلك يذكر كتاب حياة البطريرك يهبالاها الثالث المغولي عن الجاثليق دنحا الثاني: “انه ابتنى كنيسة جميلة جداً في قلعة أربيل، وتحمّل الألم بسبب العمال وصرف مثاقل من الذهب والفضة، وزيَّنها بأجمل صور عن حياة سيدنا يسوع11. لا أعلم لماذا لا تعود كنيسة المشرق الاشورية الى هذا التقليد الأصيل؟

عندما إتَّحد الكلدان مع الكنيسة الكاثوليكية أكثروا من استعمال التماثيل والصور في كنائسهم من دون الاهتمام بالجانب الفني او نوعيتها! أحياناً نجد صوراً مطبوعة على الورق العادي. في الكنيسة ينبغي إستخدام فن الايقونة. و كما فعلنا في كنائس بغداد، إذ وضَعنا رسوماً من فنانين متمرسين في هذا المضمار: كالفنان بسام نكارا ووسام مرقس وقبلهما المرحومان فرج عبّو وماهر حربي في الموصل وبلدات سهل نينوى.

الإحتفالات الشعبية

يقيم المؤمنون إحتفالات شعبية بمناسبة أعياد العذراء في الكنائس التي تحمل إسمها وهي عديدة12، وبعد الصلاة يجلبون الطعام ليتقاسموه مع بعضهم ابتهاجاً بالعيد الذي يسمونه شيرا- ܫܗܪܐ؛ كما هناك مجموعة تراتيل شعبية تنسب الى الشاعر داويذ كورا يرتلونها في المناسبات المريمية: ܫܡܐ ܕܒܐܒܐ ܘܒܪܘܢܐ… شما دبابا وبرونا… الخ.

كذلك ثمة عبادات تقوية وأخويات مريمية معظمها مقتبس من الكنيسة اللاتينية.

_____________________________________________________________

  1. مريم في تصميم الله وشركة القديسين، تأليف فرقة دومب Dombes الكاثوليكية البروتستانتية، ترجمة الاب البير ابونا، بغداد 2012 ص 32.
  2. Joseph Neerlankavil, Feasts and celebrations, (OIRSI) Kottayam- India 2008 p. 120.
  3. ساكو، سِير البطاركة المشرق، بغداد 2020 ص 26.
  4. المؤلف المجهول،عرض الطقوس الكنسية، الجزء الثاني، النص السرياني ص127-129، الترجمة اللاتينية (الجزء الثاني)، ص 115-117edition, R.H. Connolly, in CSCO64, 1915
  5. نقلاً عن مقال المطران سليمان الصائغ تكريم العذراء مريم في طقوس المشارقة وهم الكلدان، مجلة النجم، العدد الثالث، اذار 1954 ص 99.
  6. كتاب الدلائل للحسن بن البهلول، تحقيق الدكتور يوسف حبي، منشورات معهد المخطوطات العربية، الكويت سنة 1982 ص 152.
  7. الدلائل لابن البهلول، ص182- 183
  8. كتاب النحلة، عربه وحققه الاب د. بطرس حداد، منشورات الرهبان الكلدان/ بغدد 2006 ص131
  9. ساكو، سير البطاركة ص 98؛ القس بطرس نصري ذخيرة الاذهان، مجلد 1 الموصل 1905 ص 395.87
  10. عمرو، اخبار فطاركة كرسي المشرق طبعة الاب جانماريا جانتسا، مجلد 2 مدينة بولونيا الايطالية 2022 ص 912.
  11. الاب بولس بيجان حياة مار يهبالاها البطريرك والربان صوما، بالسريانية – الكلدانية، مع حياة ثلاثة بطاركة اخرين هم: مار ابا ومار سبريشوع ومار دنحا باريس، 1895 وعن مار دنحا ص 338
  12. سوف يصدر المطران باسيليوس يلدو مشكوراً، في مطلع السنة القادمة 2023، كتاباً عن الكنائس الكلدانية في العالم التي تحمل اسم مريم او أحد القابها.

 

 

 

 

 

 

عن Maher

شاهد أيضاً

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم في ضوء الجمعيّة السينودسيّة القاريّة للكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة 12-18 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.