أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

الاب أدّي بابكا

راعي كنيسة مار أدّي الرسول في كرمليس

حين رأت الكنيسة في مسحة المرضى سرّاً من أسرارها السبعة، شدّدت على أن الذي يتقبّل هذا السرّ، يمرّ فيه موت الربّ وقيامته فيجعله كائناً جديداً يُحييه الروح.

ولكنّنا نلاحظ أن الناس لا يحبّون هذا السرّ. يحسبونه سرّ الموت لا سرّ الحياة. ينسون أن الكاهن يطلب صحّة الجسد للمريض وصحّة النفس للخاطىء من أجل حياة جديدة ومتجدّدة في المسيح.

ففي سرّ مسحة المرضى؛ نكون بقربهم في صمت وصلاة كما حاول أن يفعل أصدقاء أيوب حين جاءوا لتعزيته في مصابه، “وجَلَسوا معَه على الأَرضِ سَبعَةَ أَيَّام وسَبعَ لَيالٍ، ولم يُكَلِّمْه أَحَدٌ بِكَلِمَة” ليَعِظه فيها. هو لا يحتاج إلى وَعظ، “لأَنَّهم رَأَوا أَنَّ كآبَته كانَت شَديدةً جِدًّا” (أيوب 2/ 13).

ان الأناجيل قدّمت لنا عدداً من أخبار الأشفية. فقد جاء في انجيل مرقس (6/ 7).  “ودَعا يسوع الآثَنيْ عَشَر وأَخَذَ يُرسِلُهُمُ اثنَينِ اثنَين” للكرازة: “ومَسَحوا بِالزَّيْتِ كَثيراً مِنَ المَرْضى فَشَفَوْهم”(6/ 13). أما رسالة يعقوب فهي شهادة عن عمل يُمارس باسم الربّ من أجل المرضى في الجماعة. هي ممارسة تكشف تنظيمها الروحي والطقوسي: “هل فيكم مُتأَلِّم؟ فلْيُصَلِّ! هل فيكُم مَسْرور؟ فلْيُنشِد! هل فيكُم مَريض؟ فلْيَدْعُ شُيوخَ الكَنيسة، ولِيُصَلّوا عليه بَعدَ أَن يَمسَحوه بِالزَّيتِ بِاسمِ الرَّبّ” (5/ 13- 14). هناك أولاً صلاة فرديّة يقوم بها المحزون. ثم هناك صلاة الكنيسة من أجل مرضاها. أما الدهن فيتجذّر في عمل طبيّ.

استعمل القدامى الزيت للشفاء واستخدمه المسيحيون للشفاء الجسدي والروحي مع اليقين بأن قوّته ليست في ذاته، بل في الصلاة التي يتلوها الكاهن عندما يضع يده على المريض ويدهنه بإسم الاب والابن والروح القدس.

اما كنيسة المشرق فقد رأت في زيت المسحة سرّاً قائماً بذاته. يقول عبديشوع الصوباوي: “ان زيت المسحة تقليد رسولي، وصل الينا من الزيت الذي كرَّسه الرسل وتداولته كنيسة الله حتى يومنا هذا”. وبما أن هذا الدهن يُصنع باسم الربّ، كالمعموديّة مثلاً، فهو يدلّ على إيمان الكنيسة بقدرة الربّ القائم من الموت. من هنا انطلقت الكنيسة لتتحدّث عن مسحة المرضى.

لا تُمنح مسحة المرضى اليوم في البيوت وحسبْ. بل وكذلك في المستشفيات، والّا ظلّت مسحة المرضى غير مطلوبة وغير معروفة لدى المؤمن. لذا فمنظر حضور الكاهن مرتدياً بطرشيله وعلبة المَسحة والمناوَلة في يده باحثاً بين الرَدهات عن المريض الذي طلبه… هو أمر مهم جداً ويكشف روحانية هذا السرّ لا للانسان المسيحي، بل لغيره أيضاً.

ان الاحتفال الجماعي بهذا السّر مهم جداً بمشاركة عدد كبير من الرجال والنساء، حيث نستطيع أن نفتح باباً لا يكون فقط حواراً بين الكاهن والمريض، فيتعلّق المريض بالكاهن. بل حواراً مع الله الذي وحده يُخرجنا من ذاتنا ويَفتحنا على المستقبل… بهذا لا ينغلق السرّ على نفسه… هذا يفترض بالتأكيد مرافقة روحيّة بشريّة وتعليميّة. كما يفترض كنيسة متطوّرة.

ان أساس مسحة المرضى هو سّر فصح المسيح (عبور). المريض الذي ينغمس في ألم المسيح وموته، يكتشف انه ليس فقط كتلة من لحم ودمّ. فبعد أن صار عضواً في قيامة الربّ، يوم عماده، جاءت المسحة وأعطت لوضعه الحاضر معنى حياته كإنسان، ليسمع في عزلته صرخة يسوع على الصليب (إلهي إلهي لماذا تركتني)، فيكتشف أنه يستطيع أن يتصل بالله وبالذين يجاورهم. هو الذي بعماده إتصل بالثالوث الأقدس وبالجماعة الكنسيّة، قد أدركه المسيح خلال عبوره في الموت، ودعاه إلى أن يتخلّى عن حلم الخلود لكي يتصالح مع القيامة في وضعه كحيّ مائت منفتح على المستقبل.

مسحة المرضى هي في الحقيقة؛ خبرة روحيّة تُنسج في قلب الإنسان. فالله يجيب على صراخ الإنسان كما يقول مزمور 22. وهو جواب يحوّل الحياة، ويجعل الإنسان يتكلّم من أعماق محنته. تلك هي مسيرة مسحة المرضى: يُدعى الإنسان لكي يكون مسؤولاً عن حياته ساعة يتخلّى عنها لكي يتسلّمها من الله الآب.

على المستوى الليتورجي، هناك نشيد التمجيد والشكر لله (تشبوحتا لالاها بمرومه…) يليه الدخول في علاقة البنوّة المستحقة بيننا وبين إلهنا (أبينا) من خلال ترتيل الصلاة التي علمنا إيّاها يسوع (آوون دوشميا؛ أبانا الذي في السماوات..)، ثم صلاة كهنوتية تناجي الله ليترحَّم على المريض، لا لكي يستقبل الموت، بل ليستمر في الحياة ويعود ظافراً بالحبّ وممجِّداً الله في وسط جماعته (الكنيسة).

تنتهي ليتورجية منح السرّ في أعظم صورة “حسّية” ممكن أن تصدر من إنسان (كاهن) لأخيه الإنسان (المريض) بمسح الزيت على الحواس الإدراكية الخمسة التي وإن قادتنا نحو المرض (الروحي والجسدي) فأنها ستقودنا للتنعّم بالحياة المسيحانية الحقّة.

_____________________________________

المصادر:

  • الكتاب المقدس.
  • الايمان وسر الخلاص. (1997). الأب (الخوراسقف) بولس الفغالي.
  • الاسرار السبعة في كنيسة المشرق الآشورية – الكلدانية. المطران (البطريرك) لويس ساكو.

عن patriarchate

شاهد أيضاً

“زلزال تركيا وسوريا، هل هو عقاب من الله!!!”

“زلزال تركيا وسوريا، هل هو عقاب من الله!!!” الأب حنا قلّو… بعد اكثر من الفي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.