أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار البطريركية / روحانية الزواج والاسرة الى اين؟

روحانية الزواج والاسرة الى اين؟

روحانية الزواج والاسرة الى اين؟

البطريرك الكاردينال لويس ساكو

لموضوع الزواج والاسرة طابع اجتماعي وديني، وكرامة ينبغي احترامها.   الزواج في نظر الكنيسة سرّ مقدس، يتماشى مع تصميم الخالق، وله أسس عليها يقوم… فهذه قضايا انسانية كبرى لا يمكن تناولها بخفة، لان بإمكانها أن تدمّر الاسرة والمجتمع!

أود ان أسلّط الأضواء في هذا المقال على جوانب من هذا الموضوع الحيوي.

برغم تأثيرات المحيط، كان أهلنا يتحملون عبء الحياة بصبر، وكان هذا حال كلا الزوجين تجاه طباع بعضهم البعض. ولم يكونوا يتخيلون احتمالية الطلاق أو البطلان، زواج كاثوليكي! في العموم، وخصوصاً بعد تهجيرهم من القرى إلى المدن، ظلوا يتمسكون بإيمانهم المسيحي، ويقدسون العلاقة الزوجية والاُسرية. اما اليوم، إذ يبدو أن الإيمان غلب عليه الانتماء الشكلي على حساب الالتزام الحياتي وقدسية الاسرار، لذلك نلاحظ تراجعاً مقلقاً في القيم والمباديء والروحانية، مما ضاعف حالات بطلان الزواج، والطلاق والأغرب اننا اكتشفنا حالات من ازدواجية العلاقات، بل وصولا إلى تعدد الزوجات في بغداد!

بحثاً عن أسباب التراجع

   في اعتقادي يعود تراجع المباديء الدينية والروحية الى عدة اسباب منها:

  1. التقدم التكنولوجي والعلمي، والميل الى الحرية والرفاه المادي للافراد، وثقافة الاستهلاك. وهنا يجب ان ندرك انه لا توجد سعادة كاملة في الحياة، وان السعادة لا تقوم على كثرة المال، فثمة أثرياء غير سعداء، كما لا تقوم على عبادة الذات، بل على الحب والقناعة والخدمة الطوعية بحنّية متبادلة، والوفاء للمبادئ الحميدة!
  2. تشريع بعض الدول حق الأشخاص بالطلاق وإطلاق العنان لإجراءات سريعة في الحصول على ذلك،  والمساكنة (cohabitation) والزواج المثلي وفي بعض الأحيان الموت الرحيم… كل هذا  فتح الباب واسعاً  أمام الحرية المدمّرة. كان الأجدر بقادة الدول توجيه  حياة  المجتمع نحو الأفضل  وليس تشويشها وابتذالها!
  3. دور الإعلام الرقمي المعاصر (سوشيال ميديا) في نقل كلَّ شيء من دون رقابة وحدود ومصداقية المصدر، وترويج افكار مضرة، كالحرية الفردية، الانانية، والترفيه، والموضة، والمال، والبحث عن المتعة الجسدية عبر نشر أفلام إباحية، فتقضي بالتالي على الخصوصيات الشخصية والعائلية، وتشوّش الافكار والقيم. هذه الاجواء الفارغة من الروحية والإنسانية تشلّ أنبل نبضات قلب الإنسان، وقد تقود الى العنف الاُسري!

وفي نظرة فاحصة لهذه القوانين والاعلام، نجدها تغاضت عن التداعيات النفسية عند الأشخاص كالشعور بالذنب والقلق والاكتئاب التي تفرزها هذه القوانين التي تتقاطع مع قدسية الزواج ووحدته، والقيم الاسرية وتنشئة الأطفال، والحق في الحياة  الهنيئة وبيت دافئ بعلاقات اُسرية… علينا ان ندرك خطورة هذه القضايا الأساسية التي تضع الانسان في مركز كل شيء  وكأنه” إله” وتَخُلُّ بالتوازن والانسجام!

 رؤية الكتاب المقدس

ان رؤية الكتاب المقدس واضحة في المطالبة باحترام الحياة، وانسجام العلاقات الزوجية والاسرية، وتحريم القتل، حفاظاً على حياة الانسان وكرامته. الكتاب المقدس  يعتبر الانسان ذكرا وانثى مخلوقا على صورة الله: “فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وانثىُ خلقه” (تكوين 1/ 27). الكتاب المقدس يدعو الانسان الى تجاوز غرائزه للارتقاء الى مستوى اسمى من الحياة.

 يؤمن المسيحي بان الرابط بينه وبين الله الخالق أساسيّ، وهكذا بينه وبين اخيه الانسان. هذا الالتزام الروحي والاخلاقي يُؤَمن له السلام والديمومة والفرح… وعندما تنقطع هذه العلاقة يفتقر روح الانسان، ويفقد التناغم، ويشعر بالغربة، ويواجه قدراً من النزاعات‎. وعندما يكون هذا الرابط أحاديا بين المرء والخالق، يتخذ في سر الزواج المسيحي، شكل التطلع إليه تعالى بحب بنوي ثنائي، ليغدو الله هو الهدف الذي يتوجه نحو الزوجين ضمن كيان انساني وعاطفي واحد وبديع.

هذا ما يؤكده الدستور الراعوي للمجمع الفاتيكاني الثاني “فرح ورجاء، رقم 48” بطريقة رائعة بأن المخلوق بدون الخالق يسقط في الفوضى. وعندما يقطع الإنسان العلاقة مع الله،  لا يعد يفهم أنه مخلوق ووكيل مسؤول عن إدارة الخليقة ليجعلها جنةً، فينغلق على نفسه ويبدأ في التخلص من كل شيء لا يراه مفيداً له شخصياً

الزواج الذي تحدده الكنيسة

 الزواج  في نظر الكنيسة تصميم الهي، اوحي في الخلق:  “ذكرا وانثى” اي شركة بين الرجل والمرأة، انه أساس الزواج وتكوين أسرة باطفال. محور الشركة ومحور تكوين اسرة بأطفال، يتلخصان بالعبارة الكتابية: انموا واكثروا، لكن ليس كيفما كان، بل على صورة الله. هذا الترتيب من قبل الله الخالق، تعتبره الكنيسة ذا أهمية كبرى للاحترام المتبادل بين الزوجين وافراد الاسرة، وضرورياً لاستمرار العلاقة الزوجية والاسرية بحب وتناغم. لذا من الأهمية البالغة اتباع نظام الخلق هذا وفق ترتيب الوحي الالهي.

 ولمساعدة المتزوجين والعائلات، يتوجب على الكنيسة اتباع رعوية جديدة قبل الزواج (في فترة الخطوبة) وبعده، لمرافقة الزوجين الجدد للاحتفاظ بعلاقتهما والوفاء بالعهد الذي قطعوه الواحد للاخر: “في الفقر والغنى والصحة والمرض..” مدى الحياة. وهنا اقترح تأسيس رابطة العائلة المسيحية في الأبرشية أو أخوية العائلة في الخورنة لاحتضان المتزوجين الجدد ومرافقتهم وإنشاء مركز استشارة لتوجيه من لهم مشاكل…    
وهنا لا بد من القول ان الزوجين، وهما من معظم أجيالنا التي انشئت على القيم الأصيلة الأدبية المتوارثة، لهما أن يضطلعا بإدارة علاقتهما الحميمة باحترام وتعاون متبادل. وللمرأة أن توازن بين دورها كزوجة وأم، بحيث لا تتسبب من جانبها كما من جانب الزوج، في استهلاك العلاقة الحميمة بل تحاول مع الزوج ان تتأقلم علاقتهما مع مراحل العمر الزوجي، بحب وواجب متبادلين!

رفع مستوى القيم الإنسانية ومعالجة الفقر الروحي

 خلاصة القول، أمام هذه الأزمة القاسية والفقر الروحي المروع ضروري أن نراجع مقياس قيمنا الإنسانية، برؤية جديدة لقدسية وسلامة الحياة الجسدية والروحية، والاعتدال في اختياراتنا وعواطفنا من الكبرياء والأنانية والحسد والغرور والعديد من العيوب الأخرى. هذا لا يتعارض مع التنمية الاقتصادية التي تسعى له المجتمعات..

في عام 1995، أكد البابا القديس يوحنا بولس الثاني، في كتابه “الإرشادي الرسولي- السيرة الذاتية”، أن أي مجتمع تهيمن عليه الرفاهية فقط يميل إلى الاعتماد على المبادئ الأنانية التي تستند بحد ذاتها إلى مفهوم ضارٍّ للحرية وتؤدي هذه المبادئ إلى “القوة المطلقة على الآخرين وضد الآخرين”. هذا ما أسماه البابا “ثقافة الموت” التي تتقاطع مع أصل الحياة كلها (الله)، وتنتهك قدسية الزواج والأسرة واستمرارهما.

عن Maher

شاهد أيضاً

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم في ضوء الجمعيّة السينودسيّة القاريّة للكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة 12-18 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.