أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / مستقبل المسيحية في الشرق الاوسط عامة والعراق خاصة في فكر الاب المرحوم يوسف حبي

مستقبل المسيحية في الشرق الاوسط عامة والعراق خاصة في فكر الاب المرحوم يوسف حبي

بمناسبة قرب زيارة غبطة ابينا البطريرك مار لويس الاول روفائيل ساكو الكلي الطوبى لفرنسا مدعوًا من قبل الجامعة الكاثوليكية في ليون بخصوص مستقبل مسيحيي الشرق الاوسط عامة والعراق خاصة كموضوع يهمه ويقلقه اترجم رسالة الاب المرحوم يوسف حبي كان قد ارسلها بواسطتي قبل وفاته لصديق لي من المحامين البلجيكيين,
عندما كان الاب المرحوم يوسف حبى في زيارته قبل الاخيرة لروما، منذ ما يزيد على ال 15 سنة، اتصل بي هاتفيًا مستفسرًا عن احوالي واحوال العائلة ثمّ عن جماعتنا من المسيحيين العراقيين.
في اليوم التالي نقلتُ خبر وجود الاب حبي في روما للبروفسور ديركسن رئيس معهد الكتاب المقدس التابع لجامعة “لايـدن” والبروفسور يانر مساعده، حيث كنتُ اعمل حينذاك في تحقيق المخطوطات السريانية الخاصة بالعراق – مخطوطات كرمليس وبطنايا وقرقوش والقوش – لأنـني كنتُ اعلم بوجود علاقة بينهما وبينه من ناحية فهارس المخطوطات السريانية في العراق التي سبق للاب حبي ان اصدر عنها كتاب بجزئين عام 1981، عندما كان عضوًا في المجمع العلمي العراقي – هيئة اللغة السريانية-. على الفور، طلب مني البروفسور ديركسن الاتصال به ودعوته لزيارة “لايـدن” – هولندا- ليكون ضيفًا على المعهد مدة ثلاثة أيام لمناقشته حول المخطوطات السريانية في العراق. تمَّ الاتصال وتحققت الدعوة بزيارة الاب حبي لــ “لايدن”.
بعد انتهاء زيارة الاب حبي للمعهد، بقي ضيفًا عندي ثلاثة ايام اخرى التقى فيها بالكثير من المسيحيين اللاجئين العراقيين وأقام الذبيحة الإلهية لبعضهم، في اكثر من كنيسة ومدينة من مدن هولندا. في احدى امسيات تلك الايام الثلاثة وبينما كنا في نقاش يخص موضوع العراق والحصار الظالم المفروض على شعبه، جاء لزيارتي احد اصدقائي القدماء من المحامين البلجيكيين – كان له اهتمام خاص بموضوع اللاجئين المسيحيين في بلجيكا عامة والعراقيين خاصة. ففرح الطرفان لهذه الصدفة الغير متوقعة.
اثناء النقاش طرح صديقي البلجيكي سؤالاً يستفسر فيه عن رؤى الاب حبي المستقبلية للمسيحية في الشرق الاوسط عامة والعراق خاصة. تأمل الاب حبي السؤال مليًا ثم قال ان الجواب على سؤالك هذا يحتاج إلى وقت طويل لا توفره جلستنا هذه؛ لكن اعدك بأني سأجيب عليه في رسالة مطولة سأرسلها لكم بعد عودتي إلى العراق. فعلاً بعد رجوعه إلى العراق ارسل الجواب بتفصيل وتحليل منطقي.

 

منذ أيام قليلة، ارسل لي صديقي البلجيكي نفس الرسالة مذيلة بالعبارة:” لنطلب لهم من الله العون والحماية”.
تبدأ الرسالة بجملة : جوابًا على سؤالك ادون في أدناه الملاحظات التالية، ارجو قراءتها بتمعن وتأملها بهدوء

تشمل مـلاحـظـاتي النقاط التالية:

1 – الجواب على هذا السؤال صعب ومعقد ومناقشته تحتاج إلى تحديد دقيق وفطنة وحكمة. قد يُفترض ان الاوضاع واضحة المعالم، لكن رغم ذلك يبقى المستقبل مجهولاً. علينا الاخذ بنظر الاعتبار ان نتائج الواقع الحالي مؤسسة على الماضي شرط ان نتأمل ذلك بموازاة الخبرة الحياتية وشهاداتها.
2 – لا يمكننا تأمل ومعرفة مستقبل المسيحية في العراق وبقية أقطار الشرق الاوسط دون ان نتأملها كوحدة واحدة من “الاوضاع والمصير الواقعي والمشترك”.
3 – كذلك يجب علينا ان نجعل تأملنا ومحاولة قراءتنا مؤشرات المستقبل معتمدة على تاريخ كل بلد بحد ذاته وايضًا على تاريخ المنطقة كـ”كـــــل” وعلى تاريخ المسيحية والاسلام وبشرط ان تكون قراءتنا معمقة ولأغراض بحث دراسي.
4 – من غير الممكن الحديث عن كل مسيحيي العراق ومسيحيي بقية بلدن الشرق الاوسط وكأنهم يعيشون نفس الظروف ذلك لأن تاريخ طويل قد قسّمهم ففرّق كنائسهم وجعلهم يعيشون في مجتمعات مختلفة المستوى والثقافة. كذلك علينا ان لا ننسى تأثير الانتماء والارتباط الاصلي.
كلمة موجزة عن التاريخ
5 – ليست المسيحية اليوم في العراق وفي باقي بلدان الشرق الاوسط الاخرى كالمسيحية التي كانت منتشرة في القرون الاولى للمسيحية بسبب: اختلاف ضروريات التوالد، تعدد واختلاف مسقط الرأس من ناحية الثقافة ومستوى الحياة، تشتت المجتمعات نتيجة للحروب او لعوارض طبيعية او لضغوط ادبية او عقائدية. كل هذه المؤثرات نجد تفاصيلها مدونة على صفحات كتب التاريخ وحسب تسلسل السنوات بعقودها وقرونها العديدة. التفاصيل الدقيقة لكل هذه الاحداث الخاصة بالأزمنة المتأخرة نعثر عليها في مصادر عديدة وبسهولة. موضحة لنا كيفية تكوّن موزائيك الكنائس. في البداية تحدثنا المصادرعن كنيسة المشرق بجناحيها الكلداني والاشوري باعتبار ان المؤمنين التابعين لهما اكثر عددًا (في العراق- المترجم) بعدهما يأتي الحديث عن الكنيسة السريانية الكاثوليكية ثـمَّ الارثدوكسية.
6 – تعـود اصول وجذور كنيسة المشرق التي تُعرف بالآرمية بــ “عيدتا ده مذنحا” إلى الفترة التي تلت حلول الروح القدس على التلاميذ في اورشليم وانتشار الرسل لحمل الرسالة/البشارة إلى العالم . تمّ تأسيس كنيسة المشرق على يد الرسول توما، أحد الاثني عشر من رسل الرب يسوع المسيح الذي جاء يحمل بشارة الانجيل إلى بلاد ما بين النهرين وبعد ذلك تابع رسالته التبشيرية بالإنجيل في بلاد الهند، تاركًا التلميذ “أدّي” – أحد السبعـين من تلاميذ الرب يسوع. بعد “أدّي” كان الدور للتلميذين “أكـّاي” و “ماري”. قام “أدّي” و “ماري” بتبشيرمدينة الرها “أورهي” التي تُعرف اليوم بــ “اورفـا” وتوابعها ومناطق أعالي بلاد ما بين النهرين؛ بينما اتـّجه ماري نحو المناطق السفلى منها، والتي اصبحت بعد فترة قصيرة مركزًا لكرسي الجاثاليق (البطريرك) الذي يرأس كنيسة المشرق كلـها. كان موقع الكرسي بالتحديد في “كوخي” القريبة من ساليق/سلوقية- طيسفون عاصمة امبراطورية الفرس. اثار لكنيستين قديمتين لا زالت موجودة في هذا الموقع ويمكننا مشاهدتها – تقع على مسافة 40 كم جنوبي بغداد الحالية.
7 – لأسباب سياسية بقيت كنيسة المشرق معزولة عن المسيحية المنتشرة في الجهات الغربية من نهر الفرات. لذلك، انحصر تطور وتوسع كنيسة المشرق في الاتجاه الشرقي من بلاد ما بين النهرين حتى وصل النهايات البعيدة من آسيا. على اثر وصول الاسلام إلى بلاد الرافدين – ما بين النهرين – في بدايات الثلث الثاني من القرن السابع اضطرت كنيسة المشرق من زيادة نشاطها في التوسع شرقًا فأرسلت اعداد من الرهبان رسلاً ومبشرين. نتيجة لهذا التوسع اصبح لكنيسة المشرق 20 مقاطعة كنسية يرأـس كل منطقة رئيس اساقفة (اي ما يعرف بالمطران – المترجم) واكثر من مائتي “إيباريشية” يرأس كل واحدة منها اسقف. هكذا بقي الحال إلى القرن الرابع عشر. حينذاك كان المسيحيون المنتشرون في “الملا بار” الواقعة في منطقة “كيرالا” – جنوب الهند – يخضعون لسلطة جاثاليق كنيسة المشرق وبقوا هكذا قرونًا عديدة. هناك مسلة في الصين – في بكين – تُعرف بــ “مسلة :سن- خان- فو” لا زالت موجودة منذ العام 781 لتشهد بوصول البشارة بالإنجيل على يد مبشري كنيسة المشرق منذ العام 635. ماركو بولو الرحالة الشهير، شاهد آخر على انتشار المسيحية في الشرق بجهود مبشري كنيسة المشرق حيث نجده غالبًا ما يذكر “المسيحيين النساطرة” في كتاباته عن أواسط اسيا وجنوبها وهذا دليل آخر لتوسيع كنيسة المشرق وامتداد سلطتها. عدا ذلك، هناك المئات من شواهد القبور المنتشرة في ربوع آسيا الوسطى نشاهدها محفورة عليها نصوص باللغة الطقسية لكنيسة المشرق، سواءٌ كان ذلك بما يُعرف بــ “الاسترانكيلو” او السريانية. بين العامين 1284 – 1286 جلس على كرسي جاثالق كنيسة المشرق البطريرك “يابالاه الثالث” المغولي الاصل. بمبادرة من الخان الأكبر “قُـُيلاي” ارسل ممثله المدعو “ربان ساوا” إلى البابا وإلى ملوك الغرب لعقد اتفاقية وتحرير الاراضي المقدسة. بسبب قبول المغول الاسلام عقيدة دينية، وبربريتهم الشهيرة توفرت الفرصة لانحسار المسيحية وتناقص ميدان نشاطها، خاصة في المقاطعات التي كانت تُعرف بــ “المقاطعات الخارجية”. فاضطر الجاثاليق على الهرب والالتجاء إلى المناطق الشمالية من العراق.
8 – ان اللغة الطقسية الحالية للكنيسة هي لغة محورة عن الآرامية وبقايا من لغات بلاد ما بين النهرين القديمة، التي كوّنت اللغة السريانية المنتشرة في الرها والتي تفرعت فيما بعد إلى ما يُعرف بــ “السريانية الشرقية” و :السريانية الغربية”. اللغة التي يتحدث بها اغلب المسيحيين الكلدان والآشوريين في العراق وأيضًا اعداد غفيرة من السوريين هي “السورث”, هذه اللغة قريبة من اللغة التي تكلم بها الرب يسوع المسيح وتلاميذه. هناك اليوم وإلي جانبها اللغة الرسمية لكل بلد، على المسيحيين الخاضعين لكنيسة المشرق ان يتقنوها ويتحدثوا بها كباقي ابناء الشعب في البلد الذي يعيشون فيه. في التقليد الكنسي لكنيسة المشرق دلالات تهويد فارقة بسبب الإنتماء التوراتي.
9 – نَجَـم عن هذه المميزات احتقار وقتي من قبل بعض الجماعات لخيرات العالم، فولـّد في النفوس اتجاه نحو التزهد والابتعاد عن حياة العالم وبهجته، فظهرت الحياة الرهبانية وازدهرت فتسارعت جموع الشبان للانخراط \في سلكها بغيرة مدهشة (بلغ عدد الاديرة في العراق في بعض الاحيان حوالي الالف دير). حققت هذه المحصلة نموًا في القدرة الكنسية الابوية وتأيد قوي لمجمعية القرار ومشاركة قوية للعلمانيين في حياة الكنيسة ونشاطاتها. لم يحصل البتة لكنيسة المشرق ان تكون كنيسة الدولة او دولة الكنيسة (كما كان الحال في الغرب في عهد الامبراطورية الرومانية البيزنطية في القسطنطينية – المترجم) بقي دومًا مؤمنو كنيسة المشرق يمثلون اقلية بالنسية لمجموع الشعب التابع للامبراطورية الفارسية او لشعوب الدول الاخرى في آسيا والتي انتشرت فيها المسيحية. إنها بقيت كــ “الارنب الخائف دومًا من الوقوع في المصيدة”
10 – محبة قيادات كنيسة المشرق للثقافة واهتمامها الكبير بها دفعاها ليكون لها مدارس إلى جانب الكنائس والأديرة، من اشهرها : مدرسة الرهـا – نصيبين التي كان لها دور فاعل ومؤثر للغاية في تكوين الثقافة العربية في عهد العباسيين، لكن قبولها للفكر الهيليني سبب لها اختلافًا ثم انقسامًا بين اساتذة المدرسة ومن ثمّ في الكنيسة ذاتها عند انعقاد مجمعي افسس وخلقدونيةَ، في الاول ظهرت النسطورية او بالاحرى التيودورية فاتخذها البعض مذهبًا يؤمن به (نسية إلى تيودورس المصيصي – المترجم) وفي الثاني ظهرت المونوفيزية (ممثلة باليعاقبة قديمًا الذين اصبحوا يُعرفون اليوم بــ السريان الارثدوكس – المترجم) فاتخذها البعض الآخر مذهبًا له.
الكنيسة والمجتمع
11 – تـُمـيـّز/ تفرّق المسيحية ما بين الكنيسة والمجتمع، ذلك لأنَّ المجتمع الوثني لا ينسجم مع أدبيات المسيحية. انَّ السبب الذي نتج عنه هذا التميز هو الاضطهاد الذي تحمله المسيحيون في البدايات القديمة لانتشار المسيحية. وهو ايضًا نفس السبب الذي دفع كنيسة المشرق على الابتعاد عن الوسط الاجتماعي والثقافي العام للدولة لقرون عديدة. مكـوّنة لنفسها جسدًا عضويًا معزولاً، فمحت انوار الإنجيل ومنعت من اشراقها على العالم الوثني.
12 – بعد وصول الاسلام وسيطرته التامة على البلاد، تحررت المسيحية من نير الوثنية فوجهت نشاطها نحو العلوم. بفضل نور العقل استطاعت الكنيسة المساهمة في تشيد صرح حضارة جديرة بالملاحظة، متمتعة بنظام “ذمـيّ” مرتبط بالإسلام وبحمايته الواجبة.
31 – كـرّس الاسلام مفهوم “أالمـلـّة” في الاوساط الشعبية حتى اصبح في المجتمعات العثمانية يضاهي مفهوم الطائفة او جماعة من سكان البلد تتميز يدلالات تفريق وتعصب ديني مقيت. كرد فعل لذلك ازدهر شعور قومي منذ اواسط القرن التاسع عشر، ولمـّا فقد الرجل العجوز/ كنية الامبراطورية العثمانية في العقود الاخيرة من حكمها (او ما كان يُعـرف بالرجل المريض –المترجم) مقاليد الحكم بانتهاء الحرب العالمية الاولى، وعـد الحلفاء بحماية حقوق الاقليات الأثنية واللغوية والدينية، غير انَّ نتائج ذلك الوعد لم تكن موجبة كما كان متوقعًا.
14 – تشكـّل العراق نتيجة لتقسيم / تفتيت ممتلكات الدولة العثمانية إلى دول صغيرة وضعت تحت وصاية الحلفاء – الدول العظمى آنذاك / المنتصرة – هذا يعني ان علينا الانتظار قدوم العام 1936 ليصبح عدد نفوس العراق حوالي الاربعة ملاين نسمة وعدد المسيحيين حوالي الـ 150 ألف. علمًا ان عدد نفوسه في العام 1919 كان أقل من ثلاثة ملاين نسمة وعدد نفوس المسيحيين اقل من 80 ألف نسمة. في العام 1947 اصبح عدد نفوس العراق 466. 815 .4 نسمة امّا عدد المسيحيين فكان 156 ألف و 258 نسمة. في الاحصاء العام للنفوس الذي جرى في العراق عام 1965 اصبح عدد نفوسه ثمانية ملايين و 47 ألف و415 نسمة منهم كان عدد المسيحيين 248 ألف و737 نسمة. أمّا اليوم (اي بتاريخ كتابة هذه الرسالة في نهاية العقد الاخير من القرن العشرين) يُقـدّر عدد مسيحيي العراق بــحوالي الـ 650 ألف نسمة بينما نجد عدد نفوس العراق الكلي اصبح حوالي الـ 18 مليون نسمة. يمثل الكلدان نسية الـ 75 % من المجموع العام للمسيحيين، أمّا نسبة المسيحيين من : آشوريين وسريان كاثوليك وسريان ارثدوكس فتصل إلى الـ 6 % لكل جماعة على انفراد. النسبة الباقية موزعة على الارمن الارثدوكس والارمن الكاثوليك واليونانيين الارثدوكس والبروتستانت واللاتين والاقباط واليونانيين الكاثوليك واخيرًا السبتيين. للكلدان رهبانية للرجال (الرهبنة الانطونية – المترجم) يبلغ عدد الرهبان فيها 25 راهبًا (في زمن كتابة الرسالة – المترجم) ورهبانية نسائية (بنات مريم المحبول بها بلا دنس – المترجم) هناك رهبانية نسائية اخرى تعرف منتسباتها بالراهبات الكاترينات الدومنيكيات تابعة اداريًا لكنيسة اللاتين في العراق؛ يبلغ عدد الراهبات في كلتي الرهبانيتين حوالي الـ 150 راهبة. عدا ذلك للكلدان رهبانية نسائية ثانية تـُعرف المنتسبات إليها بــ “راهبات القلب الاقدس” ويبلغ عدد الراهبات فيها حوالي الثلاثين راهبة. اضافة إلى ذلك، هناك رهبانيات للرجال منهم: الدومنيكان والكرملين والمخلصيين وثلاث رهبانيات نسائية تُعرف منتسباتها على التوالي بــ : “راهبات التقدمة” و “الراهبات او اخوات بسوع الصغيرات لشارل دي فوكو” و “راهبات المحبة للام تريزا”. للمسيحيين الكلدان في العراق معهدين كهنوتيين احدهما للصغار وآخر للكبار مهمتهما تربية وتخريج الكهنة، كما لهم أيضًا كلية لتدريس العلوم الفلسفية واللاهوتية. ابواب هذه الكلية مشرّعة لجميع المسيحيين دون تميز او استثناء. تصدر في العراق ثلاث مجلات مسيحية هي :مجلة “نجم المشرق” تصدرها البطريركية الكلدانية، ومجلة الفكرالمسيحي يصدرها حاليًا الاباء الدومنيكان ( اسستها واصدرتها في البداية جماعة يسوع الملك عام 1975 – المترجم) ومجلة بين النهرين الثقافية – تأسست منذ العام 1972 ترتبط اداريًا واشرافا بالكرسي البطريركي الكلداني.
15 – كانت الكنيسة دومًأ المؤسسة الحاملة مشعل الثقافة عاليًا لكن اهتمامها ازداد في القرون المتأخرة وخاصة منذ منتصف القرن التاسع عشر والقرن العشرين بعد ذلك. فمطبعة الاباء الدومنيكان في الموصل اصدرت ما ينيف على الثلاثمائة كتاب باللغات العربية والآرامية – السريانية والفرنسية والتركية. اولها كان الكتاب المقدس – بعهديه القديم والجديد- وباللغتين السريانية والعربية. كان بين الكتب التي اصدرتها هذه المطبعة كتب علمية بحتة او ثقافية لمؤلفين قدماء شهيرين. كذلك عنيت هذه المطبعة بالتربية الروحية والتعليم المدرسي فأصدرت كتب تبحث في التقوى والتربية الدينية الصحيحة والكتب المدرسية حسب المناهج المفروضة. خلال فترة نشاط هذه المطبعة وخاصة في بداية القرن العشرين، صدرت مجلات دينية او ثقافية عديدة فكانت هذه المطبعة تقوم بنشرها. من المجلات التي صدرت عن مطبعة الاباء الدومنيكان: مجلة “اكليل الورود”، كان يُضدرها الاباء الدومنيكان بثلاث لغات هي العربية والسريانية الشرقية (الكلدانية) والفرنسية و مجلة النجم التي كانت تصدرها البطريركية الكلدانية بإشراف الكاهن والخوري والعلامة سليمان صائغ ( رئيس اساقفة الموصل بعد ذلك في الخمسينات من القرن العشرين – المترجم). المجلة الثالثة كانت نشرة الاحد التي كان يُشرف على اصدارها الكاهن ثمَّ الخوري السرياني عبد الاحد جرجي. بعد ذلك شمر الساعدين الراهب والعالم بولس بهنام من رهبان السريان الارثدوكس فأصدر مجلته الشهير بعنوان “المشرق” ثـمَّ عنونها بعد ذلك بـ “لسان المشرق”. صدرت بعد ذلك مجلات عديدة اخرى في الموصل وبغداد واحيانًا في البصرة ايضًا. بتوالي السنين اصبح حصول الرخصة لإصدار المجلات أمرًا صعبًا. لكن رغم القيود المفروضة من قبل السلطات العراقية استطاعت الكنيسة الاستمرار في اصدار مجلاتها ومنشوراتها المسيحية.
16 – هذا الواقع سنراه متطابقًا مع واقع التعليم الديني (المسيحي – المترجم) حتى العام 1969. كان لكنيسة العراق حتى هذا العام – 1969 – حوالي المائة مدرسة خاصة (اهلية) من النوع المصنـَّف بــ “المدارس الابتدائية” كانت ادارة هذه المدارس مناطة على وجه العموم بأيدي الراهبات، وتعود ملكية ابنيتها إلى الكنيسة ومن ثـمَّ لأديرة الراهبات المشرفات على ادارتها. على اثر قرارات حكومية انتقلت ملكية مباني المدارس الاهلية (حسب التعريف الحكومي – المترجم) للدولة مباشرة دون بدل. رغم الاجراء الحكومي في ما يعني ملكية المباني المدرسية، بقيت امكانية تدريس التعليم المسيحي في هذه المدارس متوفرة. اسس الاباء الدومنيكان في الموصل ثانوية (متوسطة واعدادية) تحت اسم كلية الموصل، بعد ان كان قد سبقهم الاباء اليسوعـيون الامريكان في تأسيس ثانوية مشابهة في بغداد تحت اسم كلية بغداد. استمر الاباء اليسوعيون في نشر نشاطهم التعليمي فأسسوا في اواسط القرن العشرين جامعة الحكمة. كان قرار السلطات الخاص بــ “تأميم التعليم” ضربة موجعة لا بل مميتة للتربية المسيحية، ذلك لأن تفاصيل القرار اشترطت ان تكون نسبة عدد الطلاب المسيحيين 50% في المدرسة لتسمح للإدارة تدريس الدين المسيحي رسميًا في تلك المدرسة، بينما تدريس القرآن كان موفرًا للطلاب المسلمين لا بل الزاميًأ دون قيد او شرط. حاولت كنيسة العراق التعويض وملئ الفراغ بواسطة مراكز كنسية خاصة بالتربية الدينية (التعليم المسيحي) توفرها للطلاب المسيحيين بمختلف مراحل دراستهم يوم الجمع. هنا لا بد لنا من الاعتراف بأن هذا النشاط الكنسي لم يتم الاعداد له وفق دراسة معمقة وضوابط تعليمية واكاديمية، لذا نجده قد واجه الكثير من الصعوبات والعراقيل ولا زال يواجهها. فقط مؤخرًا تــــــمَّ (اي قبل تاريخ كتابة الرسالة – المترجم) افتتاح مركز متخصص في بغداد لتدريب ولتأهيل معلمين مختصين بالتعليم المسيحي. إلى جانب ذلك تنظم سنويًا دورات لتعليم الفلسفة اللاهوت في كل من الموصل وبغداد واحيانًا في مواقع اخرى لتدرب وتأهيل نخبة من المنتسبين هدفها المساعدة في توفير التربية والتثقيف المسيحي لأبناء الإيباريشيات. كلية بابل الحبرية لدراسة الفلسفة واللاهوت والتي يرتبط بها المعهد المذكور آنفـًا هي الاخرى مؤسسة دينية مسيحية حديثة التأسيس (1991).
17 – تـقـوم راهبات التقدمة بإدارة مستشقى شهير في بغداد اسمه “مستشفى سان روفائيل. افتتحت مؤخرًا – منذ حوالي الخمس سنوات – الراهبات الكاترينيات الدومنكيات مستشفى للولادة تحت اسم مستشفى الحياة. كذلك تـمَّ في السنوات الاخيرة وبعد انفراط عقد التأميم، افتتاح العديد من العيادات الخاصة ذات الاختصاصات الطبية على أيدي اطباء مسيحيين. من الممكن الآن، ان يكون للكنيسة جامعة كاثوليكية، لكن ذلك ليس من اهداف الكنيسة الأنية حيث هناك اسباب عديدة لمواجهة معارضة قوية ورفض حاسم. انَّ الحزب الحاكم في العراق حاليًا (في زمن كتابة الرسالة – المترجم) ومنذ العام 1968 حزب علماني ويُعرف رسميًا بحزب البعث العربي الاشتراكي” أسسه في سوريا ميشيل عفلق المسيحي. اعضاؤه مسلمون ودروز وغير ذلك. بفترض ان من اهدافه الرئيسة تكوين دولة قومية شاملة مؤسسة على مبدأ “امة عربية واحدة” غير طائفية. هذ يعني عدم وجود تميز بين الافراد رسميًا. يصرح الحزب بهذا المبدأ خوفًا من موجة الاصولية والراديكالية الدينية العارمة التي اجتاحت البلاد قادمة من الشرق القريب، او من ايران الخميني . إننا نواجه يوميًا قرارات وقوانين اسلامية قاهرة ومجبرة ترفض التعددية الاجتماعية والحريات الفردية.
حياة و موت مسيحيي العراق والشرق الاوسط
18 – ظاهرة انخفاض عدد المسيحيين في العراق وبلدان الشرق الاوسط الاخرى ظاهرة عامة. يبلغ عدد سكان الاقطار الـ 23 بلد التي تُشكل الشرق الاوسط 5 .294 مليون نسمة منهم 275 مليون هم مسلمون، والباقي اي 14 مليون ونصف هم مسيحيون، بمعنى انَّ نسبة عدد المسيحيين إلى المجموع العام لا تزيد على الـ 5 %. كانت نسبة عدد المسيحيين الاقباط في مصر عام 1907 إلى المجموع العام للشعب المصري 5 .14 %. قي العام 1989 انخفضت النسبة لتصبح 87, 5 أمّا في تركيا التي كانت فيها النسبة عام 1914 حوالي 1, 19 % فانخفضت لتصبح 5, 2 % عام 1927. في ربوع الهلال الخصيب، وبعد مذابح المسيحيين التي جرت على ايدي المسلمين المتزمتين انخفضت النسبة لتصبح عام 1914 فقط 18 % بعد ان كانت 5, 24 % عام 1882. نتيجة لذلك استقرت في العراق لتشكـّل نسبة 4. 5 % وفي الاردن انخفضت لتصبح 4. 4 % عام 1979 بعد ان كانت تسجل نسبة 9 % عام 1914. وفي سوريا انخفضت من 13, 10 % إلى 1, 2 % لنفس العامين المذكورين للأردن. كانت نسبة المسيحيين في لبنان إلى المجموع العام للسكان عام 1914 حوالي الـ 64 ,57 % فانخفضت لتصبح 43 % عام 1975. ماذا سيكون الجواب يا تُرى لو سألنا ما سبب ذاك؟
19 – هناك جواب متشائم نجده في صفحات كتاب ضخم حديث الصدور عنوانه “حياة او موت مسيحيي الشرق” للكاتب جان – پـييرڨـالونييه (صدر هذا الكتاب في باريس عن دار نشر فـيـّارد عام 1994 بحجم 973 صفحة). يطرح الكاتب السؤال التالي: “هل سيكون هناك يا تُرى مسيحيون باقون في الشرق الاوسط في الالفية الثالثة؟” ثمَّ يجيب بتأكيد حاسم :” افترضنا اختفاء المسيحية الكلي من ربوع الشرق الاوسط حدث مستحيل حصوله (ذلك لأن بعض المسيحيين سيبقون حتمًا مقيمين فيه بسبب اعتقاد راسخ بخيرات الشرق الوفيرة، ورغم تأكدهم ان حياتهم في الغـرب ستتميز برفاهية اكبر) فالنتيجة ستكون استمرار انخفاض عدد المسيحيين حتى ان يصبح عدد لا يُذكر او يؤخذ بنظر الاعتبار بسبب صغره، سنعثر عليه في المدن الكبيرة غارقًا بين امواج اعداد المسلمين الهائلة لا حول له ولا قدرة لتكوين حياة جماعية واجتماعية خاصة تمكنه من الحفاظ على ارثه التاريخي واصالته التقليدية.
يقول الكاتب جان-بيير نصـًّا:” عندما سيكون عدد المسيحيين الباقين ضئيل للغاية، سوف لن يؤخذوا بنظر الاعتبار، لذا سيصبحون عندئذٍ مجبرين على التكـيـّف مع القيم المسيطرة والتوقف عن تحمل مسؤولية ممارسة تقاليدهم وشعائرهم كمسيحيين علانية…… هكذا سيربح الشرق الاوسط العربي جولة التجانس الدينية وفـق نظرته اللاهوتية (يرجى مراجعة الصفحة 18 من الكتاب).
أمّا المـفـكر ديدييه رانس، فحديثه عن هذا الموضوع يختلف حيث يقول:
“يُشكـّل مسيحيو الشرق الاوسط اليوم احدى الاقليات المعرضة لأكبر وأقسى تهديد، بسبب كون المشكلة تنحصر في وجودهم بالذات ) يرجى مراجعة كتابه بعنوان : مسيحيو الشرق الاوسط هم شهود للصليب” صادر عن مكتبة A. D. B. عام 1990 الصفة 11).
ينسب الكاتب الاول جان– ٻـببر ڨــالونييه اختفاء المسيحية من ربوع الشرق الاوسط إلى عامل ديني حازم؛ بينما نجد الكاتب الثاني ديدييه رانس ينسبه إلى نزعة قومية عربية اسلامية مندفعة للغاية من جهة وإلى الهجرة المتنامية بدوافع اقتصادية او للعثورعلى فرص عمل وعلى الحريات الاساسية الفردية والجماعية من جهة ثانية.
20- عليّ ان اضيف إلى ما سبق اننا نواجه (نحن المسيحيون – المترجم) منذ عدة سنوات تحديات يمكننا تلخيصها بما يأتي:
تحدي جغرافي يهدد مسيحيي الشرق الاوسط ويجبرهم على ترك اراضيهم والمغادرة النهائية لوطنهم.
تحدي ديموغرافي يقلل عددهم.
تحدي لغوي يُضعف من استعمال لغة الام.
تحدي اجتماعي يجعلهم في مواجهة نوع من الحياة المشبعة بالاضطهاد والارهاب.
تحدي أيماني يؤثـر في المعتقد المسيحي ذاته ورسوخه.
تحدي اقتصادي خلق طبقة ذات امتيازات واكثرية محرومة حتى من الضروريات.
تحدي إداري يقلب الموازين ويهدد دومًا الحريات الفردية والجماعية خاصة منها الجماعات الكنسية.
تشكل كل هذه التحديات عراقيل وصعـوبات تعترض مسيرة المسيحية الشرق أوسطية عامة. عداها هناك تحديات اخرى خاصة بكل بلد على انفراد، واحياناً خاصة بكل كنيسة على انفراد. ما عدا الملاحظات المدرجة أعلاه، هناك ثلاث ملاحظات اخرى تخص المسيحيين العراقيين وكنيستهم بالذات ادرحها في ادناه:
ا – الثروة النفطية المستغلة بصورة غير عادلة، والتي تنطبق على كل الاقطار الشرق اوسطية المالكة للثروة النفطية.
ب – الحروب والتغيرات (الانقلابات) السياسية الفجائية والخدمة العسكرية الالزامية التي تصبج احيانًا غير محدودة المدة والتي ضحيتها خاصة الشباب الذين يمثلون قلب المجتمع وروحه الوثابة.
ج – قصور الكنيسة الذاتي (جمودها –المترجم) وانعزالها في مجبر محدود (المجبر حي كان يُجبر اليهود ان يعيشوا فيه – المترجم) وتخوفاتها الدائمة التي لا مبررات لها.
ما ذا هناك بعد اليأس والقنوط!
21 – انَّ العوامل الحقيقية لكل هذه التحديات والعراقيل التي ستؤدي إلى موت المسيحية الشرق اوسطية بقيت تساهم ومنذ زمن بعيد في تكوين ما يُعرف اليوم بــ “عقدة الاقليات”. بسبب قلة عدد المسيحيين في الشرق الاوسط فانهم اقـلية، أذأ إنهم ضعفاء عند مواجهتهم للإسلام هذا من ناحية. من ناحية اخرى هناك الاصولية الاسلامية التي تــُنـمي وتوغر الصدور بالكراهية والحقد. عدا ذلك علينا ان نلاحظ انًّ السلم والحياة السياسية المستقرة اللذين يحترمان حرية الفرد وحقوق الجميع مفقودان. هذا الواقع ضاعف في تأثير ازمة الظروف الحياتية وفي ديموميتها. الحل الوحيد المتوفر للأفراد خاصة منهم الشباب هو الهجرة. هنا لا بد من الإشارة إلى ان وضع كهذا زاد في \نفوس المسيحيين شعور الارتباط بكنائسهم وقـوّاه بدرجة غير متوقعة.
22 – مع ذلك، من المهم جـدًا ان نـُقـر ان الحقائق الملموسة على ارض الواقـع تفوق تلك التي سجلناها آنفًا.
علينا ان لا نتجاهل ان في العالم قاطبة تحصل ايضًا مشاكل ونكبات متنوعة وقد تكون أحيانًا طبيعية وأكثر مأساوية من تلك التي نجدها في الشرق الاوسط. كذلك علينا ان لا نغفل ان السياسة الدولية تمارس دورًا لا يتماشى مع رغبات السلام والامن واهدافهما الانسانية في ربوع الشرق الاوسط خاصة؛ بدافع مصالح أنانية. لكن هل يا تُـرى في امكاننا بسهولة التحرر من المسؤولية الجماعية التي تلزم العمل بكل الطاقات المتوفرة لتحرير دول الشرق الاوسط من اوضاعها الصعبة ولأحترام اختيارات شعوبها الحقيقة وللمساعدة في تحقيق التطور والتقدم في جميع الميادبن.
23 – تاريخيًا تتوفر لدينا وثائق نعتبرها البرهان القاطع لدحض نبوة اختفاء وزوال المسيحية الموجودة في دول الشرق الاوسط.
اولى تلك الوثائق تقول:” عاش مسيحيو الشرق الاوسط في البلدان التي تكوّنه منذ الازمنة الموغلة في القدم، بمعنى انهم السكان الاصليون لهذه البلدان. أغلبهم عاشوا فيها منذ القرون الاولى لظهور المسيحية، أي قبل ظهور الاسلام. بعد مجيء الاسلام وسيطرته على بلدان الشرق الاوسط بـقـي المسيحيون يعيشون فيها بتناغم تحت خيمة تعاون اسلامي- مسيحي دائم. استمر هذا التعاون قائمًا ومستمرًا منذ ما ينيف على الـ 14 قرنًا. إننا لا ننكر او نتجاهل حصول بعض المشاكل احيانًا او فترات اتسمت بــ “سوء تفاهم”؛ لكن في الاغلب كان التعاون والحوار الاساس الثابت الذي اعتمده المجتمع الاسلامي – المسيحي. المشاكل الحاصلة آنذاك لم يكن سببها دومًا طرف واحد. التعاون المشار إليه والحياة المؤسسة على التفاهم والحوار خير دليل واحسن جواب نقدمه لكل اولئك الذين لم يعودوا يؤمنون بامكانية انقاذ المسيحية في الشرق الاوسط.
24 – ان وضع المسيحيين العراقيين الحالي وايضًا مسيحيي الشرق الوسط وضع وقتي وزائل لأنه ثمرة تعصب ديني للفـكـر. يشمل مجالات العقيدة والسياسة وحياة المجتمع والاقتصاد. لمحاربة هذا التوجه، يجب خلق توازن منطقي وهادف على نطاق فردي وجماعي في ما يعني المعتقد والثقافة والخبرة يعيش تحت ضلاله الجميع, كما يجب ان يكون هذا النوازن مؤسس على اسس علمية حديثة. السؤال الآن هو: هل يا تـُرى هناك امكانية حقيقية لخلق هذا التوازن؟ حسب اعتقادي نعم عند توفر الثقة والرجاء. وهذه هي الدعوة التي نحن مدعون لتنفيذها بينما نحن نعيش عشية دخول الالفية الثالثة. أليس هذا هو الصراخ الدائم الذي يوجهه لنا البابا؟ فعلينا الاستجابة له وتحقيقه.
25- من الضروري ان كل فرد منـّا يكتشف هويته والرسالة الموكلة إليه.
علينا الاعتراف بأنَّ المشاكل التي يواحهها مسيحيو العراق وبلدان الشرق الاوسط دفعتهم للبحث ولاكتشاف هويتهم والرسالة الموكلة إليهم وتجذير هذا السعي لمواجهة الوضع المؤلم والمعاناة التي حصلت لهؤلاء المسيحيين خلال السنوات الاخيرة. عليهم ان يسألوا انفسهم دومًا : لماذا انا موجود هنا؟ لماذا أنا بالذات لا آخرين؟ لماذا هذا الوضع مفروض عليّ أنا فقط؟ ما سبب فرض حمل هذه الاحمال الثقيلة عليَّ؟ قد يقول آخرٌ وهو يسأل : لماذا يطرح المسيحي العراقَي او الشرق اوسطي التاريخ والوثائق وتتابع الاحداث جانبًا وكذلك كل ارث الاباء والاجداد متخليا عن كل القيم ليتجه نحو الهجرة حيث سيُنظر إليه كــ “غريب؟” فهل ركوبه هذا المركب المجهول النتائج مؤسس على اعتقاده ان سيتوفر له في بلد الشتات الامن والرخاء والثراء المادي “الملذات الخطيرة؟”….
من خلال تأمل عميق للوضعية كلها سنستنتج إيضاحات لهوية مسيحيي الشرق الاوسط عامة والعراقيين خاصة وكذلك الرسالة الموكلة إليهم. لكن هل يا ترى هذا الاستنتاج سهل الوصول إليه؟ لا ابدًا، وذلك لأنّ توالي القرون العديدة المحملة بالصدمات قلبت المفاهيم وأدت إلى نفاذ الصبر وعدم الرؤية الواضحة والتصرف كعضو يقدر مسؤوليته في مجتمعه وكمواطن حقيقي في وطنه. كذلك يفقد ايمانه في كونه عامل في جسد سريّ وحيّ يـُعرف بــ “الكنيسة” المؤسسة الفريدة والشهيرة بكيانها ووجودها ودورها الكبير والمؤثر في شراكة المجتمع العالمي.
علينا ايضًا انَّ لا نغفل الاشارة إلى مشاكلنا الداخلية الكثيرة الحاصلة في مجتمعنا الخاص. منها: الانقسام القائم بين كنائسنا منذ قرون؛ الانشقاقات التي سببت عدم التفاهم المتبادل؛ إقصاء الاخر او اقله التقليل من اهمية دور العلمانيين الثانوي في الخدمات الكنسية؛ التركيز بشدة على السلطة الكنسية إلى حد الوصول إلى التحكيم الفاصل؛ البحث عن الهوية دون محتواه الاجمالي. بعد تمحيص مجريات السنوات الاخيرة بخصوص البحث عن الهوية سنلاحظ التوصل إلى هوية قومية مفرّغة من اي روحية /مفهوم مسيحي كما انها بحاجة ماسة لتحديد رسالتها وشهادات توثـّق ادعاءاتها؛ ما هو الاكثر سوءً في الموضوع هو شعور اللامبالاة واليأس القاتلان لكل حماس او حمية وهذا ما يتلف الوضعية برمتها.
26 – اني لستُ مع الرأي الذي يفترض “موت المسيحية في العراق والشرق الاوسط”. وأظن انني لسُت الوحيد الذي يرى ويؤمن بهذا الرأي. لدي اعتقاد موثـّق ومؤكـّد انني لست الوحيد والفريد الذي يعتقد باستمراربة حياة المسحية في الشرق الاوسط قاطبة كما انني اومن ان ىسيكون هناك بعث واحياء للمسيحية اساسه اعادة تقيم لرسالة الكنيسة في منطقة الشرق الاوسط كما سيكون لمحصلاتها صدى كبيرفي العالم كله.
اختفاء المسيحية في الشرق الاوسط سيؤذي الجميع من مسيحيين ومسلمين وخاصة منهم اولئك الساكنين في البلدان التي تكوّن الشرق الارسط وايضًا اليهود والغرب لا بل العالم كله. من الثابت والمؤكـّد ان مسيحيي الشرق الارسط يُشكـّلون عاملاً مهما في الموازنة في هذا الجزء من العالم.
يجب عدم الظن ان الواجب يحتم علينا حماية المسيحية الشرق اوسطية والحفاظ عليها وتشجيع المسيحيين الباقين على الثبات في اوطانهم لأسباب عملية فقط؛ بل لأن هناك أيضًا اسباب مبدأية، منها رسالتهم التبشيرية ووجودهم بحد ذاته (لنتذكر تعليم الرب يسوع المسيح نفسه الذي ينص على ” انتم ملح الارض” – المترجم) الذي يجب ان يكون المحرك ليكونوا شهودًا لإيمانهم في ميدان عملهم الفعلي والحقيقي. على الآخرين ان يقدموا المساعدة الواجبة بسخاء، استنادًا ‘إلى نفس المبادئ. اننا ندعو ونشجع المبادرات الفردية وحملات الجمعيات المسيحية بمختلف نشاطاتها ومشاريعها وبرامجها للعمل فورًا وبتعاون تام ودون تأخير. عليها ان تتحمل مسؤولية دورها وتنجزه على أكمل وجه.
كان البطاركة الكاثوليك على حق عندما وجهوا رسالتهم عام 1991 إلى مسيحيي و مسلمي أقطار الشرق الاوسط ينذرون بها بواقعـية واضحة وثـقة تامة بالله وبالطيبين من البشر طالبين من الجميع العمل لتكون قضية بـقـاء الحضور المسيحي في الشرق الاوسط القضية الاهم والضرورية جدًا وان تبقى دائمًا أمام انظار الجميع وموجودة ايضًا ضمن برامج الكنيسة – كــ “كـــــل”- المقررة للتنفيذ وأيضًا ضمن برامج الهيئات الدولية وكل ذوي الارادة الصالحة.
يوسف حبي
النائب البطريركي الكلداني للشؤون الثقافية
رئيس كلية بابل للفلسفة واللاهوت
عضو المجمع العراقي واستاذ في المعهد الحبري الشرقي- روما
رئيس تحرير مجلة بين النهرين الثقافية
ترجمة نافع توسا – آذار 2014

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.