أخبار عاجلة
الرئيسية / اخبار البطريركية / لقب مريم ام المسيح وام الله في فكر باباي الكبـير (551-628)

لقب مريم ام المسيح وام الله في فكر باباي الكبـير (551-628)

لقب مريم ام المسيح وام الله في فكر باباي الكبـير

(551-628)

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

ولد باباي عام 551 في قرية بيث عيناثا من اقليم بيث زبدي شمال العراق اليوم. تلقّى علومَه العالية في الطبّ ثم في الفلسفة واللاهوت في جامعة نصـيبـيـن. بعدها استهوَته الحياة الديرية فقصَدَ جبل إيزلا “آثوس المشرقيين”. وترهَّب في الدير الذي أسَّسه ابراهيم الكشكري عام 571. وعندما شغر الكرسي البطريركي بوفاة غريغوريوس الأول عام 609، عيَّنه مجلس الأساقفة نائباً عاماً على كنيسة المشرق حتى تمَّ انتخاب بطريرك جديد في شخص ايشوعياب الثاني الجدالي (628-646). توفي باباي في نفس العام 1628.

كتَبَ باباي تراتيل طقسية جميلة تستعملها الكنيسة الكلدانية والآشورية، وعدة بحوثٍ عميقة، لكن الكتاب الأساسي والأهم هو كتاب “الإتحاد” وعنوانه الكامل هو: “ميامر في الألوهية والبشرية والشخص الواحد”. قام بنشره وترجمته الى اللاتينية المستشرق فاشالديه (VASCHALOE, CSCO 79) وترجمه الى العربية الأب البير أبونا رحمه الله، ونشره في عينكاوة/ اربيل سنة 2021، لكن الترجمة غير دقيقة في أغلب الأحيان، ربما بسبب عمره ونظره، لذا يجب مراجعتها!

يُعدّ باباي أول لاهوتي مشرقي وضع أسس الكريستولوجيا Christology بطريقة منهجيّة مدرسيّة متبلورة، بحسب معتقد كنيسة المشرق. يُحدِّد في كتابه المصطلحات الفلسفية – اللاهوتية: “الطبيعة، والجوهر، والاقنوم والشخص: ܟܝܢܐ، ܐܘܣܝܐ، ܩܢܘܡܐ، ܦܪܨܘܦܐ، وخواص الإنساني والإلهي في المسيح وتبادُلها. وقد شرح أهم جوانب كريستولوجيا كنيسة المشرق2، معتمداً على الكتاب المقدس والفلسفة اليونانية (المنطق). وضمن هذا السياق يرد ذكر مريم العذراء.

مريمياته

تتجلى علاقة مريم المتينة بسر تدبير الخلاص التي يطرحها باباي من وجوه عديدة. يتوقف عند اُمومتها والحبل العجائبي بيسوع، وعند بتوليتها وطهارتها التي هي ثمرة إيمانها وتجاوبها مع دعوتها. ثم ينتقل الى شرح لقب اُم المسيح واُم الله والعلاقة الفريدة بين اللقبين. وهذه هي المرة الأولى التي فيها ترد صراحة عبارة “والدة الله- ثيوثوكوس” في اللاهوت المشرقي. ويعدُّ هذا تطوراً مهماً.

أرى نضوجاً لاهوتياً عند باباي بالنسبة للكريستولوجيا وأيضاً لدور مريم. كتابه يعبّر عن الوحدة العقائدية الجوهرية بين الكنائس الرسولية، لكن وفق تعبير لاهوتي ولغوي وثقافي وجغرافي مختلف. هذا التنوع يدفعنا اليوم الى العمل بروح مسكونية منفتحة، مركّزين على ما يجمع ويقرّب بين المسيحيين ومتذكرين دوماً وصية يسوع: “ليكونوا واحداً” (يوحنا 17/ 21).

  1. أمومة مريم والحمل باعجوبة إلهية

 يقول باباي: “في بدء تدبير ܡܕܒܪܢܘܬܐ تجسّد الله الكلمة… سألت مريم الملاك جبرائيل الذي بشَّرها عن نوع حبَلِها قائلةً: كيف يكون هذا الأمر وأنا لا أعرف رجلاً. فشرح لها (الملاك) السرّ قائلاً: الروح القدس يأتي، وقوّة العليّ تحلّ عليكِ. لذا فإنّ المولود منك قدّوس وابن العليّ يُدعى (لوقا 1/ 26 – 38)، (الاتحاد ص 31)3.

  1. بتولية مريم

لا يختلف شرح باباي لبتولية مريم عن تفسير من سبقوه كأفرام ونرساي، سوى انه لا يذكر الحمل عن طريق السماع – الاذن. يقول باباي: “بإرادة الآب والروح القدس وبتواضع مدهش ومذهل لا مثيل له، تجسَّد [الكلمة] وتأنّس من الروح القدس ومن مريم البتول، أعني أخذ منها إنساناً كاملاً، حُبِلَ به من الروح القدس من دون زواج، وتجسَّد بحسب نظام طبيعته الإنسانيّة. دون أن تُحلّ بكارتُها وتفسد الأختام الطبيعيّة التي تؤكد طهارتها النقيّة… كانت العذراء الطوباويّة من ذرّيّة داؤد وابراهيم وعشيرتهما” (الاتحاد ص 55). ويعود يؤكد هذه المعطيات: “فما ان غادرها الملاك جبرائيل، حتّى سارت الطوباويّة مريم بتأثير إلهي [لزيارة اليصابات نسيبتها]. لكي تعلم وتفهم أنّ هذه الأمور المدهشة قد بدأت تتحقّق، وأنّ الجنين الذي أخذ من طبيعتها بدأ يتكوّن… وإن كان بدون زواج، فهو ابن الله بحسب كلمة الملاك (الاتحاد ص 81).

  1. لقب اُم المسيح واُم الله.

فضَّل باباي، بصفته من أتباع التقليد الثنائي Diphysite، استخدام تعبير اُم المسيح (ܝܠܕܬ ܡܫܝܚܐChristotokos) الذي استخدمه اللاهوتيون الانطاكيون، بدل لقب أم الله (ܝܠܕܬ ܐܠܗܐTheotokos) الذي يعود الى اللاهوتيين الاسكندريين والذي أعلنه مَجمَع أفسس سنة 431 عقيدة رسمية، لكن باباي لا يرفض هذا اللقب اذا قيل في سياق صحيح، لان المسيح شخص واحد بانسانيته والوهيته. ويشرح في الفصل العاشر من كتاب “الاتحاد” لماذا يمكن دعوة السيدة العذراء مريم: اُم الإنسان واُم الله. انها اُم الانسان بالطبيعة، واُم الإله بسبب وحدة شخص المسيح. ويرجِّح سوء الفهم هذا الى المصطلحات التي استعملتها المجموعات المختلفة في نقاشاتها اللاهوتية4.

يقول باباي:

 “انه [المسيح] في طبيعته البشريّة ولد من مريم ..، وليس بألوهيَّته، إذ ولد من الآب منذ الأزل.. هذا الاتّحاد [الإنساني والالهي] لن ينفصل إلى الأبد. ونظراً إلى هذه الوحدة غير المدرَكة تُلقَّب مريم الطوباويّة أُمّ المسيح الإله والإنسان.. لأنّه شخص واحد….. فإذا قيل إنّ مريم ولدت مجرّد إنسان، كما ادعى بولس السميساطي، لحُرِمَت مريم من تكريمها واعلانهاــ “المباركة في النساء”. وإن دعيت أُمّ الله [فقط]، لغدا خلاصنا ضرباً من الخيال والهذيان لانه مجرد انسان كما يزعم ماني الأثيم … وادعّى آخرون إنّها [مريم] كانت بمثابة مَعبَر وقناة تجسَّد فيها [الكلمة] حينما اجتازها، من دون أن يأخذ منها شيئاً…”

ويستسرل باباي الشرح: “الطوباويّة مريم هي أم الانسان و أم الله أيضاً. ولدت الإنسان من طبيعتها، وولدت [ابن] الله لان الشخص واحد ..إذأً الله والإنسان هما في شخص واحد” (الاتحاد ص 86). و “بسبب الوحدة يُقال ان مريم اُم الإنسان واُم الله. انها ولدت الإنسان من طبيعتها. لكنها ولدت الله بسبب وحدة الشخص، اذ صار واحداً مع ناسوته منذ بدء جبلته في الأحشاء. ولد بصورة موحّدة لأنّ صفة المسيح تشير إلى كلتا الطبيعتين بأقنوميهما لألوهيته وناسوته… مريم ليست متساوية في الطبيعة مع الآب، بل انها خليقته وابنة البشر، ولها جسد ونفس، فكيف ولَدَتْ من طبيعتها أقنوم الله الكلمة، المولود أزليّاً من الآب قبل العالم؟

نكرّر كلامنا للتوضيح. إنّنا نقول إنّها والدة الله ووالدة الإنسان. ولدت الإنسان من طبيعتها. أمّا والدة الله، فلأنّه واحدٌ منذ بدء جبلته و إلى الأبد، وهو إله وإنسان .. ابن واحد، مسيح واحد. فلا ينبغي أن نقول أنّ الطوباويّة مريم ولدت مجرّد إنسان، كما يزعم اتباع ماني الذين ينكرون ناسوته ويدَّعون أنّه مجرد خيال.. ان يسوع المسيح هو أمس واليوم و إلى الأبد.. شخص واحد ابن الله إلى الأبد. هذه هي حقيقة العقيدة البطرسيّة التي لا تزول الى الأبد” (الاتحاد ص 86 و219 و214).

 اليكم أيضا هذا المقطع من تسبحة لاهوتية لباباي “تبارك الحنان ܒܪܝܟ ܚܢܢܐ يرتلها الكلدان والآشوريون في صلاة صباح آحاد البشارة

واحد هو المسيح ابن الله. يعبده الجميع بطبيعتيه.

في لاهوته مولود من الآب، خارج الزمن أي من دون بداية.

وفي بشريته مولودٌ من مريم، في ملء الزمان، في جسد متحد

لا الوهيته من طبيعة الأم، ولا إنسانيته من طبيعة الآب.

 حفظتْ الطبيعتان بخواصهما واقنومهما في شخصٍ واحد وابن واحد.

وبما أن الله في ثلاثة أقانيم، لكن في وجود [جوهر] واحد هكذا الابن في طبيعتين5، لكن في شخص واحد.

هكذا تُعلّم الكنيسة المقدسة” (كتاب الحوذرا الجزء الأول ص 57)

بعد هذا الشرح الوافي لا اجد صراحة سبباً في استمرار تسمية كنيسة المشرق الاشورية بـ “الكنيسة النسطورية”. على هذه الكنيسة الشقيقة ان تبيّن موقفها اللاهوتي والكريستولوجي بوضوح بَنّاء على تعليم آبائها العِظام.

____________

1ساكو آباؤنا السريان ص 205-221

2 راجع اطروحة الاب فيركيس جديات الملاباري: The Christology of Mar Babai the Great , in OIRS , Kottayam , India, G. Chediath1982

3 الاستشهادات الواردة في المقال مقتبسة من ترجمة الاب البير ابونا لكتاب باباي “الاتحاد” وقد راجعتُ الترجمة.

4 راجع كتاب الأب جديات أعلاه ص 78-81

5 قد يكون في طبعة كنيسة المشرق يوجد في طبيعتين واقنومين.. الطبيعة في المصطلح المشرقي تعني الفكرة المجردة كالطبيعة البشرية، اما الاقنوم فتعني الطبيعة الفردية (المجسدة) والشخص واحد، طالع عن هذه المصطلحات كتابنا “آباؤنا السريان” ص 217- 219

(المجسدة) والشخص واحد طالع عن هذه المصطلحات كتابنا ” آباؤنا السريان” ص 217- 219

عن patriarchate

شاهد أيضاً

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم

مسيحيو الشرق “كنز” ينبغي المحافظة عليهم في ضوء الجمعيّة السينودسيّة القاريّة للكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة 12-18 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.