أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / سلسلة جثالقة – بطاركة كنيسة المشرق –  الحلقة 21 – سلسلة بغداد

سلسلة جثالقة – بطاركة كنيسة المشرق –  الحلقة 21 – سلسلة بغداد

سلسلة جثالقة – بطاركة كنيسة المشرق –  الحلقة 21

 سلسلة بغداد

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

 

طيمثاوس الكبير (780- 823)

بطريرك الاصلاح والعصر الذهبي

 طيمثاوس الكبير1، هو الأول في سلسلة بطاركة بغداد بعد بطاركة ساليق. انه شخصية فذّة، متعددة المواهب، لاهوتيٌّ وفلسفيٌّ وقانونيٌّ وليتورجيٌّ، ومحاوِرٌ بامتياز مع المسلمين، وإداريٌّ مصلح، وكاتبٌ معروفٌ بمؤلفاته المتميزة. إستطاع طيمثاوس ان يجمع الاحترام مع الضبط، والدبلوماسية الناعمة مع المحاسبة، والرحمة مع العدالة، والادارة مع الروحانيّة. هذا ما تعكسه رسائله المتعددة، وقوانين مَجمَعَيهِ  الـ 99.

ولد طيمثاوس وهو الاول بهذا الاسم سنة 728 من أسرة مسيحية معروفة. أخذه عنده عمه كوركيس اُسقف بيت بغاش في منطقة دهوك، للتنشئة، ثم ما لبث أن أرسله الى دير في وادي صفصافا في منطقة المرج (عقرة)، حيث تعلم على يد الربان مار ابراهام بردشنداد. وفي مدرسة الدير تلقى العلوم  الموسوعية الدينية والمدنية، واتقن اللغتين العربية واليونانية فضلاً عن اللغة السريانية. ومن بين زملائه المشهورين  ايشوع برنون خليفته، وابو نوح الأنباري، والي الأنبار. بعد تخرجه من الدير، سيمَ اُسقفاً على بيت بغاش سنة 770 في عهد الخليفة المهدي.

 بعد موت البطريرك حنانيشوع الثاني سنة 780، تنافس أربعة أساقفة على الرئاسة، كلٌّ يريدها لنفسه.  وهم: افرام مطران جنديسابور(فارس)، وتوما اُسقف كشكر، وطيمثاوس، والراهب العلامة كيوركيس.

يحكى ان طيمثاوس حتى يفوز بالبطريركية، اخترع حيلة. اخذ منافسيه الى احدى الغرف وأراهم أكياساً معبأة بالحصى وكأنها أموال، وقال لهم هذه الاموال سوف اُفرِّقها عليكم اذا اخترتموني. وما أن تم له ما اراد، قال: الكهنوت لا يُباع ولا يُشترى. هذه على الأرجح دعابة لا تُصدق، أوردها عمرو(المجدل ص 64)! الحقيقة هي ان زميله ابو نوح الأنباري، والمقرَّب الى الخليفة المهدي، كانت له اليد الطولى في وصوله الى البطريركيّة.

تم تنصيب طيمثاوس بطريركاً في احتفال رسمي مهيب، في المدائن يوم الأحد 7 آيار سنة 780، وهو يرتدي قبعة بنفسجية.

بعد تولّيه منصب البطريركية، واجه  طيمثاوس مشاكل عديدة من منافسيه. فراح بعضهم يرسم أساقفة من دون العودة الى البطريرك، ووصل الآمر بافرام مطران جنديسابور أن جمع بعض الأساقفة لعزل طيمثاوس، ومعهم يوسف مطران مرو من أعمال طبرستان، الذي عندما لم ينل مرامه، رفع شكواه الى الخليفة المهدي، واشهر إسلامه (المجدل لماري ص 72). وبالرغم من كل هذه الصعوبات راح طيمثاوس، بحكمته ودبلوماسيته، ودعم مناصريه،  يُكاتب خصومه ويصالحهم، ويحل الاشكالات. وقَبِل ان يُرسم مجدداً من قِبل المطران أفرام (المجدل لعمرو ص 65). أما يوسف الذي أسلمَ، فرَّ الى بلاد الروم، ولا نعرف عنه شيئاً، مما جعل السلامَ يعود الى الكنيسة.

اكرم الخلفاء العباسيون طيمثاوس: نذكر منهم المهدي والأمين والمأمون وخصوصاً هارون الرشيد وكانوا يسمونه: “أبا النصارى”.  وقام طيمثاوس منذ السنة الأولى لرئاسته بنقل كرسيّه من ساليق (كنيسة كوخي العظمى) الى بغداد، دار السلام، عاصمة الدولة العباسية في عهد الخليفة هارون الرشيد (763- 809 م)، وسكن أحد القصور الذي أهداه له الخليفة، ليغدوَ بقربه. وبمعاونته أسَّس الخليفة هارون الرشيد بيت الحكمة الذي كان  بمثابة “المجمع العلمي”.  وكان معظم علمائِه من المسيحيين البارزين، كطيمثاوس نفسه، وإسحق وابنه حُنين العبادي، ويوحنا بن ماسويه، وايشوع برعلي، وآل بختيشوع. وقام هؤلاء العلماء بنقل العلوم اليونانية الى السريانية، ثم الى العربية كالطب والفلسفة والهندسة وعلم الفلك. ومن بغداد انتقلت هذه العلوم الى الاندلس، وعبرها الى الغرب اللاتيني.

أخذ طيمثاوس  يُصلِح شؤون الكنيسة،  ويُدير دفتها بكل إقتدارٍ وعناية. دأبَ على تهذيب الاكليروس، وتعيين اساقفة مقتدرين. ارسل عدداً كبيراً من الاساقفة والرهبان الى البلاد الآسيوية، والهند  لحمل رسالة الانجيل   وتقوية حضور  كنيسة المشرق. ويقر الجميع بان في عهده، بلغت كنيسة المشرق عصرها الذهبي.

عقد طيمثاوس مَجمَعَين، واقرَّ 99 قانوناً، لكن لم يدرجا في مجموعة قوانين كنيسة المشرق، قد يعود السبب الى ان هذه المجامع تمّ جمعها في زمانه. ما نشر لاحقاً في هذا المجموعة  هو موجز بسيط  لبعض قرارات اُقتبست من رسائله، تتعلق بمراسيم انتخاب البطريرك الجديد، واختيار اساقفة وفقاً للصفات المطلوبة، وتحديد صلاحية الاُسقف الأبرشي. نشر هذه الخلاصة شابو ص 603-608 وحبي 556-562.

طيمثاوس هو من أمر بان يرتدي افراد الاكليرس الثوب الأبيض. وهو من نظم ثلاثية صلاة “ابانا الذي في السموات”  وادخلها في القداس والطقوس الاخرى على النحو التالي:

“أبانا الذي في السماوات، ليتقدّس إسمُك، ليأتِ ملكوتكَ، قدوسٌ، قدوسٌ، قدوسٌ أنتَ. أبانا الذي في السماوات، السماءُ والأرض مملوءتان من مجدِك العظيم، الملائكة والبشر يهتفونَ لك: قدوسٌ، قدوسٌ، قدوسٌ أنتَ.

ابانا الذي النص الكامل.. ثم المجد للاب والابن والروح القدس ويعد  النص: أبانا الذي في السماوات، ليتقدّس إسمُك، ليأتِ ملكوتكَ، قدوسٌ، قدوسٌ”.

 أدار طيمثاوس الكنيسة بحكمة فائقة لمدة 42 سنة، ووافته المنيّة في التاسع من شهر كانون الثاني سنة 823، عن عمر ناهز 95 سنة. وشُيّعَ ودُفن في دير كليليشوع ببغداد.

 

 هذا الرسم وجد في احد قصور مدينة سامراء، يعود الى زمن الخليفة المعتصم بن هارون الرشيد (833-842)

الذي اقام سامراء عاصمة له بعد بغداد 835، ويبين حلة أحبار كنيسة المشرق وهو يمسك العكاز.

مؤلفاته

لمار طيمثاوس كتب عديدة، اذ يقول عبديشوع الصوباوي “ان طيمثاوس وضع كتاباً في الكواكب، وفي الاحكام الكنسيّة، والاجراءات المجمعية، وكتاباً عن أسئلة تخص التاريخ ورسائل عديدة، ومواعظ الأحاد لمدار السنة، وشرحاً لغريغوريوس النزينزي، وكتب جدالاً مع المنوفيزيين، وحواراً مع الخليفة المهدي ” (الفهرس المؤلفين ص 194).

له عدة رسائل راعوية، ورسالة الى رهبان مار مارون2 ومعظم  رسائله موجهةٌ الى سرجيوس، وقد يكون شخصية مستعارة، اراد طيمثاوس من خلالها تثقيف الناس في عدد من المسائل اللاهوتية والاخلاقية. يقول في رسالة الى سرجيوس: “لا يوجد شئ أقوى من الحقيقة، ولا أضعف من الكذب”. ثم يعلن موضوع الرسالة وهو الكلام على الله، ويشرح منهجه في الطرح والمعالجة. ويتدرج البحث على النحو التالي: أهمية اختيار الألفاظ (المصطلحات) المستعملة، وهي عموماً نابعة من أفكار وأحداث تعرضها الحواس(تنظير). ثم يناقش السبل المتعددة للكلام على الله وملاءمتها: الكلام العام والكلام الخاص، وطبيعة العام وطبيعة الخاص، والمراقبة المباشرة والمعرفة الحسيّة. ويستنتج بالتالي ان الطريقتين لا تقولان شيئاً عن الله ، فيلجأ الى الجوهر، والجوهر هو إما عام أو مرتبط بنوع واحد. وإذا كان عاماً أو مشتركاً لا يمكن أن يكون غير منقسم. وإذا كان مرتبطاً بنوع واحد، فموجود في أشكال فردية؛ فهو إذاً منقسم ومخلوق. وبما أنه لايمكن إدراك الله بشكل كامل وتام، فلا يمكن التعبير عنه بشكل ايجابي. إذاً لا يبقى أمامنا سوى اسلوب الانكار أو النفي Apophatic، وهو أكثر ملائمةً، وتنزيهاً له عن شبهنا وأعراضنا، فنقول أنه ليس مثلنا، وأنه فوق متناولنا: وهو غير منظور، وغير مُدرك..3.

الحوار مع الخليفة المهدي 4

تعد هذه المحاورة أول نموذج مكتوبٍ، شبه كاملٍ، وصل الينا عن أدب الحوار الديني بين المسيحيين والمسلمين، إذا إستثنينا محاولات يوحنا الدمشقي مع الأمويين (توفي عام 749).

 جرى الحوار في سنة 781-782، وإستغرق يومين. في هذا الحوار يظهر طيمثاوس شخصاً مثقفاً جداً، ومتمرساً بعلم المنطق والفلسفة واللاهوت وبفن المحاورة والتحليل، ومطّلعاً على دقائق اعتراضات المسلمين على العقائد المسيحية التي جاءت على لسان الخليفة المهدي، ويرد عليها بحجة العقل وبشواهد من الإنجيل والقرآن والنقل (التقليد)، مبيناً صحتها ومنطقيتها. 

اسلوبه دفاعي، ويعرف نهج المعتزَلة وعراكهم مع المذاهب الكلامية المتراوحة: “بين التشبيه والتعطيل”، وصِدام “العقل والإيمان”. ويعرف أفلاطون، لكنه يبني اطروحته على أرسطو، ويحافظ على لاهوته المشرقي الأصيل مجسَّدٍ في ثقافة عربية – اسلامية، يتجلى ذلك من المصطلحات المستخدمة. هذا الكنز بامكاننا الاستفادة منه في تقديم لاهوتٍ معاصر بلغة عربية مفهومة.

مقطع  من محاورة

“اننا قد دخلنا قبل هذه الايام الى حضرة ملكنا المظفر. وعندما تكلمنا عن الطبيعة الالهية وازليتها، قال لنا الملك ما لم نسمعه منه قط ، وهو:

– ايها الجاثليق، لا يليق برجل مثلك، عالم وذي خبرة، ان يقول عن الله تعالى “انه اتّخذ امرأة وولد منها ابناً “.

– فجاوبنا قائلين: يا ايها الملك محب الله، من هو ذاك الذي أتى بكذا تجديفٍ عن الله، عز وجل؟

–  فحينئذٍ الملك المظفر قال لي: فماذا تقول اذاً عن المسيح؟ من هو؟

– فجاوبنا الملك قائلين: إن المسيح هو كلمة الله، الذي ظهر بالجسد، لأجل خلاص العالم.

– ثم سألني ملكنا المظفر: أتعتقد ان المسيح هو ابن الله؟

– فقلتُ: اننا نعتقد بذلك دون شك. لأن هكذا تعلمنا من المسيح نفسه، اذ هو مسطور عنه في الإنجيل والتوراة والانبياء انه ابن الله. ولكن ولادته ليست كالولادة الجسدانية، بل هي ولادة عجيبة، تفوق ادراك العقل، ووصف اللسان، كما يليق بالولادة الالهية.

– فقال ملكنا المظفر: كيف ذلك؟

– فقلنا: ان المسيح هو ابن ومولود قبل الدهور. فلا نستطيع ان نفحص عن هذه الولادة، ولا ان ندركها. لان الله غير مُدرَك في جميع صفاته.  ولكن نأتي بتشبيهٍ ما، مأخوذٍ من الطبيعة: فكما تتّلد ألاشعة من الشمس، والكلمة من النفس، هكذا المسيح، بما انه كلمة الله، ولد من الآب قبل الدهور.

–  فقال لي ملكنا المظفر: أما تقولون ان المسيح ولد من مريم البتول؟

–  فجاوبنا قائلين: اننا نقول ونعتقد بأن المسيح مولود من الآب بما انه كلمته، ومولود من مريم العذراء بما انه انسان. ولادته من الآب هي ازلية قبل كل الدهور، وولادته من مريم هي زمانية، دون أب ومن غير زواج، وبدون انثلام بتولية امه”.

_____

1 الاب جان موريس فيي، أحوال النصارى في خلافة بني العباس، دار المشرق، بيروت1990 ؛  رفائيل بابو اسحق، احوال نصارى بغداد في عهد الخلافة العباسية، مطبعة الشفيق، بغداد 1960؛  الاب هانس بوتمان، البطريرك طيمثاوس الاول، او الكنيسة والاسلام في العصر العباسي الاول، دار المشرق، بيروت 1975  ؛ Bénédite LANDRON ,Chrétiens et Musulmans en Iraq, Attitudes Nestoriennes vis

à vis de l’islam, Cariscript , Paris 1994

    1. Raphael J.Bidawid,Les lettres du Patriarche Nestorien Timothee I, Studie testi,Citta del Vaticano,1956

 3 المرحوم الاب حنا بيوس شيخو،Dialectic of the Language on God, نشرها بالفرنسية عام 1983 عن طريق الاستنساخ.

4 المطران لويس ساكو، حوارات مسيحية اسلامية، مقاربات لاهوتية بالعربية في عصر الخلافة العباسية، كركوك 2009، للمؤلف نفسه، الجاثليق طيموتاوس الكبير، دار المشرق، بيروت 2009

عن Maher

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.