أخبار عاجلة
الرئيسية / المقالات / الكنيسة: بيتُ الكُلّ وللكُلّ

الكنيسة: بيتُ الكُلّ وللكُلّ

+البطريرك لويس روفائيل ساكو

 

الإباء الكهنة الأعزاء‘
سلام المسيح معكم،

بمناسبة اللقاء الثالث لكهنة العراق الكلدان حول "التنشئة المستدامة" في عينكاوا 23-25/1/2017، أود أن اطرح عليكم بعض ألافكار تعبر عن محبتي للكنيسة والبلد والناس، وأتمنى أن تُدركوا أبعادَها وتتفاعلوا معها بعمق ومسؤوليّة.
 
1.كنيستنا الكلدانيّة والكنائس الأخرى، مدعوة لدعم الحضور المسيحي في العراق والمنطقة، بالرغم من كل ِّ الظروف القاسية التي نعيشها والتي لم نكن نتوقعها، ليغدو حضوراً إنجيليّاً يجعل من تاريخنا تاريخ "التدبير الإلهي".
 إن شعبنا المتألم والقلق، يستحق أن نُحِبَّهُ كما يُحِبُّهُ الله، وان نرافقه، ونشجعه، ونؤازره، ونبحث معه عن "علامات الرجاء" لغدٍ أفضل.
2. كنيسة المسيح هي كلُّ المؤمنين الذين يجمعهم الروح الواحد في أخُوّة شاملة، ويجدِّدُهم يوميّاً حتى اكتمال بنوتهم لله أبيهم. الكلُّ أخوة، وتلاميذُ الرب الواحد، ولكلِّ واحدٍ موهبة خاصة للإسهام في بنيان الكنيسة (الجماعة)، مع التأكيد أن الرئاسة هي أبُوّة لضمان الوحدة والتنشئة، ورعاية لتسيير الأمور، لكن يبقى “الأكبر فيكم يكون لكم خادماً (متى 20/26). الأنسان ليس عظيمًا لأنه يحتلّ هذا المنصب أو ذاك، بل يبقى متميزاً عندما يرسم ملامحه الخاصة بعمله وجديّته ومثابرته ومحبته وبذل ذاته بفرح.
3. إننا ككنيسة المسيح بالنضوج الفكري والإنساني والروحي، وبالحضور والمشاركة بمحبة نكبر وننمو في الاتجاه الصحيح. إنها خبرة حياة، بها نشهد للمسيح ونطبِّق تعليمه بالرغم من كل التحدّيات.
4. على الكنيسة أن تفهم رسالتها بوضوح، وتخرج إلى عالم اليوم المتغير، وتخاطب الناس بلغة مفهومة، وتقدم لهم إنجيل الرجاء والفرح. فبالأصالة نطوِّر ذاتنا نحو الأفضل والأعمق والأجمل، والا تبقى حبة الحنطة ميتة وعقيمة (يوحنا 12/24). التجدد استزادٌ في المعرفة والحق والنور والنعمة (يوحنا 1/1-9). ومن لا يدرّب نفسه على التفكير والتحليل لن يتقدم!! ولهذه الغاية بدأنا منذ سنة بتنظيم تنشئة متجددة لكهنتنا في العراق.
5. لابد من حركة تجدديه شاملة في الكنيسة، ولا بدّ من بث وعي تجددي ملتزم عند المؤمنين، ليتحملوا مسؤولياتهم ويلعبوا دورهم الصحيح فيها بحكم كهنوتهم العام1، ومن خلال الانخراط في المجالس الراعوية والخورنية، يترسخ عمل جماعي إصلاحي. هذا التجديد يشمل التقاليد والنظم والطقوس والمصطلحات والأساليب لملاءمتها لهذا الزمان لكي تغدو احتفالا وفرص نعمة وارتقاء. لأنها عندما تتخشب لا تقول شيئاً جديداً!
وهنا أدعو الرهبانيات إلى لعب دورها الريادي في إنهاض الكنيسة والمجتمع مثلما كانت عبر مراكزها الروحية والتربوية والاجتماعية.

6.    الكنيسة تبقى بيتاً مفتوحاً للكل: للصلاة والإرشاد والتعليم وتقديم الخدمات بكل ما تملكه من قدرة روحية وإنسانية ومالية. الكل أهل البيت. من الضروري التشديد على خدمة الفقراء والمظلومين والاهتمام بهم والتخفيف عن معاناتهم ماديًّا واجتماعيًّا وروحيًّا:” أتيت لتكون الحياة للناس وتفيض فيهم" (يوحنا10/10). الأنسان كان محور اهتمام المسيح كما نقرأ في إنجيل متى (فصل 4)، فهو كان يتحرك ويسير في المدن والقرى وكل مكان، يلتقي بالناس ولا ينتظر أن يأتوا هم إليه: يعلم، ويعلن البشرى، ويشفي ويغفر، على عكس ما نفعله أحيانا! وهنا أؤكد على أهمية أن تقول الكنيسة كلمة حقٍّ في الشأن العام (السياسة) دفاعاً عن الناس. عليها إن تراقب، وتحذر، وتشجب، وتدعو إلى الإصلاح والسلام والعدالة الاجتماعية فتعطي أملاً.. هذا ما ينتظره الناس منها. وهذا ليس تدخلا في السياسة لان الكنيسة لا تنتمي إلى حزب معين أو كتلة سياسية معينة ولا تطمع بمنصب سياسي.
 
7.    الوحدة المشرقية بأبعادها ومستلزماتها الحقيقية يجب أن ننفتح عليها، ونسعى إليها بأيدٍ ممدودة، ونصلي من اجل تحقيقها، فالوحدة اختيار واعٍ ومتجدد وسامٍ. يجب ألا نعير اهتماما بالأمور الثانوية، والامتيازات الشخصية (الكراسي)، والا نتعود على انقساماتنا، بل لنكن، كلٌّ من موقعه، رسل محبة وشهوداً للوحدة لأنها رغبة يسوع.
صراحة كنت مع الأساقفة الكلدان في العراق على عتبة إعلان توحيد احتفالنا بعيد القيامة مع الأرثوذكس لولا موقف مجلس رؤساء" الطوائف" من اقتراحاتنا بخصوص تعديل هيكليته.

8.     لقد اعتاد بعض الكهنة على سياق محدد في الثقافة والتعامل وخصوصا في مجال خدمة الأسرار. لقد اعتمدنا في العراق منذ عقود، تحديد رواتب الكهنة، ومجانيّة خدمة الأسرار المقدسة، وترك الحرية للمؤمنين في دعم صندوق الكنيسة، من خلال " بركة الزكاة". لنتحرر من هذا النمط القديم غير اللائق في كلّ أبرشياتنا، ولنعش شيئا من الزهد عن اختيار، فنكون مثالا للشفافية.

9.     وبالرغم من الصعوبات والآلام والانتقادات لقد تحقق بعض التقدم، لكن المسيرة صعبة وطويلة وتحتاج إلى عناصر مؤمنة ومقتدرة ومحبة من الاكليروس والمؤمنين. فرسالتنا تكمن في تجذرنا في بلدنا الذي يعيشُ مخاضاً عسيرا، نأمل أن يؤدي إلى ولادة جديدة سليمة.

10.    أن الله ينتظر منَّا الكثير. وأن كلُّ فرصة تفوتنا لا تعود!

____
1 يتوجه المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني إلى الرعاة المكرسين بان عليهم: " أن يفقهوا كرامة العلمانيين ومسؤولياتهم في الكنيسة ويشجعوها. وليأخذوا عن رضى بآرائهم الفطنة، ويكلّفوهم بثقة بمهام في خدمة الكنيسة، تاركين لهم حرية العمل ومجاله، وليشجعوهم في أن يبادروا من تلقاء أنفسهم إلى العمل" (دستور عقائدي في الكنيسة رقم37).
من المؤكد يوجد بيننا علمانيون كثر مبدعون وبديعون، أتمنى ألا يُغيِّب دورهم أو يقصيهم، نفر يحترف الانتقاد والذم والشتيمة، ويريد من الكنيسة كل ّشيء من دون أن يقدم هو شيئا! هؤلاء يريدون كنيسة على قياسهم، لكن الكنيسة الكلدانية تبقى على قياس كنيسة المسيح، ولن يثبطوا عزيمتنا في المضي إلى الإمام!

 

عن Yousif

شاهد أيضاً

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة

مسحة المرضى، سرّ من أجل الحياة الاب أدّي بابكا راعي كنيسة مار أدّي الرسول في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.